لا عيد إلاَّ حين يكون الحزن في إجازة. لكل مخلوق أو شيء ضرّة. ضرّة العيد الحزن، وضرّة الحزن العيد. صار الأمر عكسياً، فبدل أن نحتفل بالأعياد أو تحتفل بنا صارت الأحزان تقيم احتفالاتها شبه الدائمة. صارت الأعياد تحتفل بأحزاننا. بعض تلك الأحزان والآلام والجراحات من بني جنسك ومن أهلك؛ أو ممن تظن أنهم كذلك. بعضها يتسبّب فيه الإنسان ويولّده ويربّيه ويسهر عليه. نعم هنالك من يسهر على أحزانه ويربيها.
لا أحد يزعم قدرته على إقامة أعياده وسط جنازات، ووسط بحر من الدموع، ووسط غياب بحجم المرارات وأكثر. ولا أحد يزعم القدرة على تحدي الفرح بنصْب مأتم وسطه وفيه. على الأقل ضمن دائرة ذوق بشري في حدّه الطبيعي. لا نتحدث عن أعياد تقام وتصرف عليها الملايين وسط بؤس وفجائع عشرات الآلاف، ووسط خيباتهم وعوزهم وعجزهم عن أن يعيشوا ضمن الحدّ الأدنى والأخلاقي بما يليق بالبشر. ذلك أمر عصيّ على حسْمه بطبيعة سياسات، وطبيعة أمر يُراد له أن يكون واقعاً؛ ولن يطول به الأمر ضمن ذلك الإجراء وما يسوقه من مبرّرات.
نتحدّث عن حق الناس في أعيادهم البسيطة من دون بهرجة صارخة. بسْمتهم التي يمكن كشف حقيقتها وصلابتها وثقتها؛ أو تلك التي تخفي وراءها كمّاً لا يُحصى من الأسى والمواجع والألم. أعيادهم غير المكلفة لأحد؛ سوى أن يُتركوا من دون تنغيص فرحهم بالبسيط والعادي، ولينشغل سواهم بترفه المستفز، وبذخه المؤذي حتى للبيئة قبل أن يكون مؤذياً للبشر.
نتحدّث عن حق الناس في أعيادهم اليومية لا الموسمية فحسب، في أن يفكّروا لا أن يُفكّر بالنيابة عنهم، وفي أن يحلموا لا أن تتم محاصرتهم بالكوابيس وما بعدها، وفي أن يكون لهم صوت يُسمع ولا تضيق ذرعاً منه آلة على أهبة الاستعداد لخنقه وإسكاته.
حق الناس في ألاّ يخافوا من الجهْر بصوتهم؛ عدا محاصرتهم في الهمس والنجوى. حقهم في ألاّ يُهانوا في معتقدهم وأنسابهم وانتماءاتهم وميولهم وأمزجتهم وألوانهم. ذلك جزء من أعياد الناس اليومية والغفلة أو التغافل عن ذلك الحق، ترصّد لإغراقهم ومحاصرتهم بجبال من الهمّ والحزن، وما يتبع ذلك في إجراء طبيعي من أذى لن ينتصر بحضوره أحد.
من حق الناس في أعيادهم اليومية أن يقولوا للتجاوز: «أنت عار وقليل أدب»، وأن يقولوا للالتزام: «لن يكفي رفع كل قبّعات العالم لك». وأن يحتجّوا ويصرخوا حين يشعرون بضرورة ذلك، وأن يرقصوا ويسهروا حين يتسلل إليهم الضجر، من دون أن يتعرّضوا إلى تكفير مرة، ومصادرة تفكير مرة أخرى.
من حق الناس أن تكون لهم أعين تمارس وظيفتها في المحاسبة، ومن حقهم أن تكون لهم آذان تصغي لما ينفع الناس فيمكث في الأرض، وتزدري ما دون ذلك. من حق الناس أن تكون لهم ألسنة لا تتم برمجتها بحسب الوُرَط وبحسب المنفعة؛ وبحسب مقتضيات المراحل وما تحمله من مكاسب هنا وخسائر فادحة لطرف هناك.
ثم إنه لا مخلوق في الدنيا يملك حق أن يحيل أوقات الفرح لدى الناس وأعيادهم إلى مآتم بالجملة، يفرغ مأتم عزاء ليدشّن آخر. من لا يقدّر ويحترم ويدرك حساسية حق الناس في أن يفرحوا أو يحزنوا كما يرون وكما يشاءون وكما يعتقدون، ضمن ضوابط لا يغفل عنها أولئك، لديه عقدة نقص ولديه مشكلة مع تكوينه أساساً.
لا أدري من أين يأتي وهم أحدهم أنه حين يُصادر أعياد الناس يضمن لنفسه عيداً مفتوحاً على مدار الساعة والحياة؛ أو يضمن أن يلازمه عيدٌ كظله من دون أن يمسسْه ضُرّ؛ أو تنتابه وعْكة؛ أو يدخل ضمن قائمة الذين فجعوا وصُودرت أوقات فرحهم؟
ثم إن الله لم يُوجد الأعيادَ ويسنّها كي يأتي أحدهم ليشطبها بقرار وهوس حضور وتشفٍ لا استقامة فيه ولا أخلاق.
أن تتاح تلك المساحة والحيّز للإنسان كي يمارسها وفق حق له. أن يشعر بأعياده في أي وقت ومكان، فذلك دليل يُوحي باستقرار حين لا يُصادر ذلك الحق في أي شكل من الأشكال أو صورة من الصور. لم نسمع عن وفْرة أعياد خلقت من أمّة أو شعب جنوحاً وميلاً إلى نسف الحياة بأطرافها وعلائقها. حقوق الناس حين تستتبّ وتُحمى ويتم صونها أعياد أيضاً. ومصادرتها ذهاب إلى النقيض، بكل ما يجرّه ذلك النقيض من المآسيّ واضطراب الحال.
الأعياد فسْحةٌ للنفس. تحرّرٌ من انقباضها وتوتّرها شبه الدائم وشبه المقيم. الأعياد لغةٌ أخرى في التواصل مع الحياة. ربما تبدو حالة؛ لكنها حالةٌ قادرة على امتصاص كل انشداد إلى إدارة الظهر لهذه الحياة، بكل ما تضجُّ به من قدرة على صوْن حياة الإنسان؛ أو وضعها على أكثر من طاولة رهان!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3705 - الأحد 28 أكتوبر 2012م الموافق 12 ذي الحجة 1433هـ
الحمدلله على كل حال
لا تفرطوا في ي القسوه مع الاآخرين ولا مع النعم لان الله يمتحن القوي بتعامله مع الضعيف
مناميه وأفتخر
بأي حال عدت ياعيد
احتفال
عندما تزور اي مكان ترفيه تجد القليل من أبناء الوطن .....
اعيادنا بلالون ولاراحة ولانكه
هكذا اصبحت اعيادنا يمتزج الفرح مع الحزن كل عام هناك من يترقب عودة ابنه وهناك من يترقب عودة والدا وهكذا ،، ارحموا هذه الاعياد من تموت يوم ماء