العدد 37 - السبت 12 أكتوبر 2002م الموافق 05 شعبان 1423هـ

نتمسك بالسلام المؤسس على قرارات الشرعية الدولية وأوروبا سجلت في الآونة الأخيرة مواقف لافتة

نائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع السوري العماد أول مصطفى طلاس لـ «الوسط»:

خليل تقي comments [at] alwasatnews.com

التحركات السياسية والدبلوماسية المكثفة التي تشهدها العاصمة السورية تجسد على نحو واضح ثقل الدور الذي تضطلع به، سواء لجهة إعادة التضامن العربي وتفعيل آلياته أو لجهة اطلاع المجتمع الدولي وقواه الفاعلة على حقيقة الخطر الداهم الذي يحيق بالمنطقة.

«الوسط» التقت نائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع السوري العماد أول مصطفى طلاس في حوار لإلقاء المزيد من الأضواء على مجمل الأوضاع في المنطقة والمواقف العربية السورية منها.

تحدث العماد أول طلاس عن الكثير من القضايا المهمة والساخنة التي تشغل بال المواطن العربي وتحديدا الصراع العربي ـ الصهيوني. وهنا نص الحوار:

* كيف تبدو صورة السلام وملامحها بعد أكثر من عشر سنوات على مؤتمر مدريد في أكتوبر/ تشرين الأول 1991؟ وهل ترون إمكان تواصلها بعد هذه التجربة الطويلة والمريرة؟

- بادئ ذي بدء، نعتقد أن جميع محبي السلام في العالم يقفون معنا ويتفقون معنا على أن السبيل الوحيد لإخراج عملية السلام من الوضع الحرج جدا الذي حشرتها فيه «إسرائيل» بتعنتها وصلفها، ويكاد يخنقها، يكمن في العودة إلى الأسس التي انطلقت منها هذه العملية في مدريد قبل ما يزيد على عشر سنوات، والتي هي قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام، والتي تصر «إسرائيل» على رفضها، والعمل على إفشالها لأنها لا تريد السلام كونه يتناقض تماما وسياساتها العدوانية والاحتلال والتوسع.

لذلك يجب على جميع الجهود السياسية التي تبذل أن تصب في هذا الاتجاه، لأنه الأقرب والأكثر مباشرة واستقامة للوصول إلى السلام المنشود، بعيدا عن المداورات والأطروحات الجانبية والهامشية التي تطرح من حين إلى آخر، والتي أثبتت البراهين والوقائع أنها لا تخرج عن كونها عوامل مؤخرة ومعيقة لبلوغ هذا السلام، المستفيد منها فقط هي «إسرائيل» التي تستغلها جيدا في إضاعة الوقت وإطالة أمد المباحثات إلى ما لا نهاية، كما تقضي بذلك استراتيجيتها وسياستها في تكريس ما تسميه سياسة الأمر الواقع، التي هي استمرار احتلالها للأراضي العربية.

لقد أعلنا في سورية العربية، ومعنا كل الأشقاء العرب، السلام العادل والشامل القائم على هذه الأسس، خيارا استراتيجيا، في حين لم تفعل «إسرائيل» التي رفضت هذه الأسس والتمسك بالعدوان والاحتلال، وتلقى الدعم المادي والعسكري، وكذلك التأييد السياسي من الولايات المتحدة الأميركية، مما جعل الغالبية من شعوب العالم تنعتها بأنها وراء الظاهرة العدوانية الإسرائيلية المستشرية في تمردها على الشرعية الدولية، وتحميلها مناصفة مع «إسرائيل» مسئولية الوضع المتردي الذي آلت إليه العملية السلمية.

وإذا كانت سورية العربية تتمسك بالسلام المؤسس على قرارات الأمم المتحدة، فإننا نفعل ذلك لأننا طلاب سلام حقيقي، ونريده لنا وللجميع في المنطقة والعالم.

وأكد «السيد الرئيس بشار الأسد» هذا الخيار في أكثر من مناسبة، وقال في إحدى المناسبات: «نحن اخترنا طريق السلام على أساس مقوماته التي أقرها المجتمع الدولي، ولا نضع شروطا لتحقيق السلام، بل نطالب بحقوقنا التي أقرتها الشرعية الدولية والتي اعتبرتها دول العالم كافة، باستثناء «إسرائيل»، شرطا لتحقيق السلام».

وفي ضوء ذلك، نحن العرب، وفي المقدمة سورية العربية، نحرص كل الحرص على نجاح عملية السلام وفق منطلقاتها ومقوماتها التي أقرتها الشرعية الدولية، ونرى من الضروري أن تصل هذه العملية إلى هدفها الأسمى وتحقيق السلام العادل والشامل والدائم المرجو، ونرحب في هذا السياق بكل جهد دبلوماسي يسعى إلى تحقيقه وفق هذا المفهوم، لأنه مصلحة للجميع في العالم، كما هو مصلحة للمنطقة، وهذا ما نتوخاه في جميع تحركاتنا السياسية تجاه بلدان أوروبا والولايات المتحدة والعالم كافة.

وعليه من الضروري أيضا أن تتكثف الجهود المبذولة، الدولية والأوروبية والأميركية، وتلتقي عند محور واحد هو إقامة السلام على أسسه المعروفة، وإرغام «إسرائيل» على الانصياع لهذه الأسس والالتزام بها.

لقد شددنا دوما على أهمية أن تأخذ الولايات المتحدة دورها الأساس كوسط نزيه وشريك كامل الشراكة في عملية السلام لما لهذا الدور من أهمية في تحقيق السلام المطلوب، إلى ذلك كان لابد من التركيز على أهمية الدور الأوروبي الفعال والإيجابي في دعم مسيرة السلام وإطلاقها من سباتها وإعادة التوازن إلى مسيرتها، بعد أن ظلت طوال السنوات الماضية حكرا على جهود واشنطن التي أدى انحيازها إلى جانب «إسرائيل» إلى تراجع هذه العملية وإصابتها بالخلل الذي يهدد بانهيارها، يستوجب دورا أوروبيا فاعلا يساهم في إعادة التوازن إليها ودعم مسيرتها بتأكيد الالتزام بأسسها ومرجعيتها.

وقد شكلت زيارات «السيد الرئيس بشار الأسد» الأخيرة لعدد من البلدان الأوروبية عاملا بارزا في تطوير وترسيخ العلاقات السورية - الأوروبية، والعربية - الأوروبية عموما، وتعميق أسس التفاهم بين المجموعتين العربية والأوروبية بما يخدم مصالحهما المشتركة والمتبادلة، وتحقيق السلام على أساس مرجعية مدريد وقرارات الشرعية الدولية.

وسورية العربية وهي ترحب بكل جهد يرمي إلى تحقيق السلام وفق أسسه المعروفة، تؤكد موقفها الثابت منه، وهو الموقف الذي يستند إلى قرارات الشرعية الدولية في الانسحاب الإسرائيلي التام إلى ما وراء خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وإقامة الترتيبات الأمنية المتساوية على جانبي هذه الخطوط بحيث لا يكون أمن أي طرف على حساب أمن الطرف الآخر.

تطوير الخطاب الأوروبي

* كيف تثمنون الموقف الأوروبي خلال المرحلة الماضية التي حاول عبرها أن يثبت وجوده على أرض الواقع في المنطقة؟

- الخطاب السياسي الأوروبي فيما يتعلق بالصراع العربي ـ الصهيوني عموما، وحقوق الشعب العربي الفلسطيني وانتفاضته الباسلة على وجه الخصوص، سجّل في الآونة الأخيرة بعض الظواهر الإيجابية اللافتة، فقد صدرت عن مسئولين أوروبيين مواقف تدل على صحوة تضع الموقف الأوروبي في الاتجاه الصحيح، ولعل مقارنة سريعة بين ما كان عليه الموقف الأوروبي وما آل إليه اليوم تؤكد هذه الحقيقة بأدق تفاصيلها، فبعد أن كانت معظم الدول الأوروبية، إن لم نقل كلها، تغض الطرف عن الممارسات الإسرائيلية المشينة وجرائمها الوحشية، لا بل وتحابيها وتساعدها وتساندها وتدعمها، فإن المؤشرات الحالية باتت تدل على تراجع بعض هذه المظاهر واتخاذ مواقف جريئة قد لا نجد لها مثيلا مع الأسف لدى بعض الأطراف العربية نفسها.

والواقع أن أسبابا كثيرة ساهمت في بلورة هذه الظواهر الجديدة، أولها أن القارة الأوروبية ما انفكت تحاول البحث عن دورها المفقود في المنطقة، والذي يتناسب مع حجمها العالمي، ويضمن لها تحقيق مصالحها الاقتصادية والثقافية، وعدم ترك الساحة خالية للولايات المتحدة للاستفراد بها، وبمعنى آخر إرساء القواعد المطلوبة للشراكة الأوروبية ـ المتوسطية.

أيضا كان نجاح الانتفاضة الفلسطينية الباسلة في كشف «إسرائيل» على حقيقتها العنصرية، ومساهمة محطات التلفزة العالمية في إيقاظ الضمير العالمي والأوروبي عبر نقل الصور الوحشية والجرائم البشعة من خلال شاشاتها أثره الكبير في دفع الرأي العام العالمي، والأوروبي تحديدا، للضغط على حكوماته لوقف مناظر سفك الدماء اليومي الذي يقوده الجنرال السفاح (شارون) ضد الشعب العربي الفلسطيني.

إن هذا الموقف الأوروبي الإيجابي، والذي بدأ يطفو على السطح، يحتاج إلى جهد عربي لتفعيله وتمكينه من أخذ دوره في وقف العربدة الإسرائيلية وصنع السلام والأمن في المنطقة، ولاسيما أن الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل» تحاولان جاهدتين لكي يبقى الصوت الأوروبي ضعيفا وهامشيا وغير فاعل أو مؤثر.

الحضور الفاعل

* شغلت سورية العربية منذ مطلع العام الحالي مقعدها في مجلس الأمن الدولي خلال عامين، فماذا يعني هذا بالنسبة إلى قضايانا ومصلحة الأمن والسلم الدوليين؟

- بعد الفوز الكبير بعضوية مجلس الأمن الدولي في أكتوبر/ تشرين الأول 2001 انضمت الجمهورية العربية السورية إلى الدول الخمس عشرة الأعضاء في مجلس الأمن حاملة هموم الأمة إلى هذه المؤسسة الدولية المهمة إلى جانب الكثير من القضايا التي تواجه العالم، ويعول العرب والكثير من دول العالم على أن يكون لسورية العربية دور بارز في إسماع صوت الحق والإسهام في حل الكثير من المعضلات بحكم إرثها النضالي ووقوفها إلى جانب نضال الشعوب من أجل الحرية والتقدم والسلام ودفاعا عن حقوق الأمة، ومن منطلق هذا الدور المنتظر من سورية العربية، يشكل انضمامها إلى مجلس الأمن إضافة مهمة لحضورها الفاعل على الساحة الدولية، مما يفسح المجال أمام القضية العربية، بما انها قضية حقوق مشروعة وقضية أمة تواجه تحديا عنصريا سافرا بعدوان «إسرائيل» وتهديدها المستمر للأمن القومي العربي، لأن تكون حاضرة بشدة أمام مجلس الأمن وفي جميع مداولاته ومناقشاته وما يتخذه من قرارات ذات صفة ملزمة، وكلما استدعت الظروف الدولية والإقليمية والعربية ذلك.

وما له دلالته على أهمية انضمام سورية العربية إلى مجلس الأمن الدولي بالنسبة إلى قضية العرب المركزية العادلة، «قضية فلسطين»، وتداعياتها القائمة في الكثير من القضايا المتولدة عنها كقضية الاحتلال الإسرائيلي وسياسات الاستيطان والتهديد بالعدوان، والحرب المفتوحة والإرهاب المنظم ونشوء المقاومة الوطنية كرد طبيعي على كل جوانب التحدي الصهيوني وتفرعاته الخطيرة، مما له دلالته على أهمية انضمام سورية العربية إلى مجلس الأمن بالنسبة إلى قضايا العرب العادلة هو اعتبار سورية قضية الصراع العربي ـ الصهيوني قضيتها المركزية، وتكريس كل جهودها وسياساتها وإمكاناتها من أجل نصرة الحقوق العربية وضمان عودتها كاملة، والعمل باتجاه إيجاد حل عادل وشامل للصراع يزيل عوامل التوتر في المنطقة يؤسس لسلام قابل للحياة والبقاء والاستمرار، وهو ما سيكون عنوانا بارزا لتحرك سورية العربية داخل مجلس الأمن خلال فترة عضويتها فيه.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن المكانة العالمية لسورية العربية بحكم صدقية سياستها وصوابية مواقفها ومبدئية نهجها القائم على نصرة قضايا الشعوب وقول كلمة الحق في جميع القضايا الدولية الشائكة والملحة، كقضايا العنصرية والإرهاب وبقايا الاستعمار ونزعات الهيمنة ومسائل التنمية والتكنولوجيا، وقضايا الحوار بين الشمال والجنوب، وقضايا الأمن والسلم الدوليين، هذه المكانة العالمية لسورية العربية ستمكنها من الإسهام بدور بارز في حلّ القضايا الملحة وطرحها للحوار الموضوعي، وفي مقدمتها بالطبع القضية العربية، وصولا إلى الحلول المطلوبة لها، وهذا كله يفسر حالة الترحيب الدولي الذي قوبل به فوز سورية العربية بعضوية مجلس الأمن في حينه، بقدر ما يفسر أبعاد الحملة المسعورة التي قادتها «إسرائيل» لتشويه سمعة سورية العربية وحقائق دورها التاريخي في دعم قضايا الشعوب منذ أن أعلنت سورية العربية ترشيحها وحتى لحظة الفوز وما تلاه، وبقدر ما يفسر أيضا حجم خيبة الأمل التي أصابت «إسرائيل» جراء فشل حملتها وانتزاع سورية العربية الفوز بمقعد مجلس الأمن بموافقة أغلبية أعضاء الهيئة العامة للأمم المتحدة.

وإذا كان التأييد الدولي لترشيح سورية العربية، ومن ثم ترحيب الكثير من دول العالم بفوزها يعودان إلى اعتبار سورية العربية دولة تناصر الحق وقضايا الشعوب العادلة، فإن الحنق الإسرائيلي من هذا الترشيح والفوز يعود إلى خشية «إسرائيل» من حقيقة أن حضور سورية العربية بصفتها عضوا في مجلس الأمن يعني بالضرورة حضور القضية العربية بكل أبعادها وتفاصيلها وما تمثله من حقوق ثابتة على المسرح الدولي، مما يوسع دائرة التأثير العربي في إحدى أهم المؤسسات الدولية، وبالتالي التأثير الإيجابي باتجاه إيضاح حقائق الصراع وشرح أبعاده وفضح الموقف الإسرائيلي الرافض لإقامة حل عادل وشامل لهذا الصراع تأسيسا على هذا الحضور، وهو ما يعني بالنتيجة أيضا تراجع تأثير التضليل الإسرائيلي الذي استند في أغلب حالاته إلى غياب الحضور العربي الفاعل، من هنا يشكل حضور سورية العربية داخل مجلس الأمن مكسبا مهما ليس للعرب وقضاياهم العادلة وحسب، بل لشعوب العالم كافة وقضاياهم الملحة.

ليبقى الجهد باتجاه العدو الصهيوني

* ألا تعتقدون أن أحد أهم الأهداف من الحرب الأميركية ـ البريطانية ضد أفغانستان كان خطف الأضواء عن قضايا المنطقة العربية المتأججة بفعل العدوان الإسرائيلي؟

- لم تتمكن الحرب الأميركية ـ البريطانية ضد أفغانستان، وخلافا لما تريده «إسرائيل» أن تطغى وتسرق الأنظار وتحولها بعيدا عما يجري في الأراضي العربية المحتلة وما يمارس من عمليات قتل وإجرام وإحراق وتدمير، هي قمة الإرهاب الرسمي المنظم.

فالجنرال السفاح، الإرهابي والقاتل بامتياز، وحكومته العنصرية هما نتاج الشارع الإسرائيلي الذي أراد أن يوظف «أحداث» الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة وأن يستغلها أبشع استغلال في إشباع غريزته والإمعان في ذبح الشعب العربي الفلسطيني وتدمير مدنه ومؤسساته، مستغلا انشغال العالم بما يجري في واشنطن ونيويورك لتمرير جرائمه من دون ردة فعل دولية، وبتباهٍ لأركان حربه، برز الفشل في تسويق وتشريع حربه العسكرية والسياسية والإعلامية ضد جماهير الأرض المحتلة والعرب والمسلمين، وباعتراف الغرب نفسه، إرهابا من الطراز الأول النادر وواحد من عتاة الإجرام وأقطابه وألّد أعداء البشرية وأكثرهم خطرا على وجودها ومستقبلها.

وإذا كنا نشدد ونؤكد وجوب بقاء الجهد العربي، على رغم محاولات إلهائه وتفتيته، منصبا في اتجاه الصراع الأساسي وقضية فلسطين باعتبارها القضية الرئيسية التي يتوقف عليها المصير القومي، وعلى تعرية «إسرائيل» وفضح جرائمها الوحشية وإرهابها الدموي وضرورة محاسبتها وردعها والتركيز على دعم انتفاضة الأهل وتعزيز صمودهم وتفعيل نضالهم في مجابهة المشروع الصهيوني، فإننا مطالبون بقوة أن نقطع الطريق على أية محاولة إسرائيلية لاقتناص الفرص، وإطلاق اليد في مواصلة سياسة الإرهاب وقهر الشعب العربي الفلسطيني وإبادته وتصفية قضيته، وجعل السفاح (شارون) وسواه من عتاة الإجرام الصهيوني يتلمسون تبعات هذه المغامرة وعواقبها.

ولكنني مرة أخرى أحذّر من مغبة الركون والتعويل على الآخرين والمراهنة على حلول خارجية يمكن أن تنتصر لنا ولقضايانا العادلة، ذلك أن قوة الأمة تكمن في وحدتها وتعاطيها مع العالم بلغة المصالح، وإفهام أولئك المحكومين بجنون وعربدة القوة، أن الموازين ليست ثابتة، ويمكن أن تنقلب وأن ما لدى هذه الأمة من إمكانات ووسائل ضغط كفيلة بحسم معاركها القومية وتحقيق الانتصار ولجم حكام تل أبيب وقلب حساباتهم ومخططاتهم العدوانية والتوسعية العنصرية.

تطبيق القرارات العربية

* ما هو المطلوب من القادة العرب في هذه المرحلة المهمة من تاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني والأوضاع الدولية والإقليمية من حولنا؟

- الشيء المحسوس الذي يشعر به الجميع ويتفقون عليه هو أن الوضع في المنطقة وصل مع تصاعد الحالة العدوانية الإسرائيلية الراهنة، وإدارة «إسرائيل» ظهرها بالكامل لقرارات الشرعية الدولية ومرجعيات السلام الحقيقي إلى درجة من الخطورة على العرب وقضاياهم وحقوقهم، لم يعد من الممكن أمامهم سوى الالتقاء واتخاذ الموقف الموحد القادر على حشد الإمكانات والطاقات العربية بموقعها الصحيح في مواجهة خطورة هذا الوضع، الموقف الذي يستطيعون بوحدته تحقيق المطالب العربية العادلة والمشروعة، ويصون حقوقنا، ويرد العدوان عنا، ولاسيما أننا نملك مقومات هذا الموقف، وقد نبّه إلى هذا الوضع «السيد الرئيس بشار الأسد»، وحدّد في الوقت نفسه السبل الناجعة لمواجهته في كلمته إلى قواتنا المسلحة في ذكرى تأسيس الجيش العربي السوري في الأول من أغسطس/ آب عندما قال: «إن منطقتنا تمرّ حاليا بمرحلة حرجة تتطلب منا كل اليقظة وأكمل الاستعداد، فالعدو الصهيوني ماضٍ في مخططه العدواني التوسعي وتهديداته المستمرة وعدائه الصريح للسلام العادل والشامل، ورفضه المبادئ الشرعية الدولية».

ويحضرني أيضا هنا قول «للسيد الرئيس بشار الأسد» أعلنه في خطاب القسم الدستوري وهو «نحن في سورية سنبقى، كما كنا، داعين وداعمين لأية خطوة تضامنية تصبّ في المصلحة العليا للأمة العربية».

هذا هو موقف سورية العربية وقرارها الدائم، تقرع ناقوس الخطر في مواجهة التحديات ومحاولات النيل من وحدة الأمة وكرامتها، لا تدخر جهدا في سبيل وحدتها وعزتها وتضامنها ورفع شأنها، تعمل بلا كلل، وهي تتطلع إلى المستقبل بتفاؤل كبير لوضع أسس وضوابط جديدة ومتينة للعلاقات العربية ـ العربية تضمن لها الانتقال إلى حالة النهوض القومي الشامل وتكافح من أجل البناء والتقدم.

لقد تبيّن للعالم كله أن «إسرائيل» لا تريد السلام، وغير معنية به، وكل ما يصدر عنها من أعمال عدوانية بكل حالاتها، ورفض الاستجابة لأسس السلام ومرجعياته تؤكد هذه الحقيقة، وتؤكد بالتالي أن (شارون) بغروره وصلفه يدفع بالأوضاع في المنطقة نحو الانفجار.

إن الأوضاع الخطيرة الراهنة التي تمر بها المنطقة جراء تصاعد العدوان الإسرائيلي ضد الشعب العربي الفلسطيني، وتهديد «إسرائيل» المتكرر بتوسيعه ضد العرب، والتطورات والمتغيرات التي تطرأ بشكل متواصل على الموقف فيها، تستدعي منا ـ نحن العرب ـ أكثر من أي وقت مضى من التنبه واليقظة، وأن نكون متعاضدين متكاتفين متحدين في مواجهة المستجدات التي تفرزها المرحلة باستمرار السياسة الإسرائيلية المتطرفة جدا في عدائها للعرب والسلام والإنسانية، وتقدم حالة من السبات العميق لعملية السلام بسبب هذه السياسة، وحرب الإبادة العنصرية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأرض العربية المحتلة بكل صنوف الأسلحة يوميا، وتهديد السفاح (شارون) بنقلها إلى أماكن عربية أخرى تقدم البرهان الأكيد على أن «إسرائيل» ماضية في سياستها العدوانية والاحتلال والتوسع، مما يتطلب من العرب إجراء مراجعة عميقة لمواقفهم والقيام بعمل مشترك لمواجهتها ودرء خطرها وشرورها.

إن التصعيد الإسرائيلي الحالي هو في الواقع جزء من السياسة التوسعية الإسرائيلية التي تهدف إلى فرض الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، ونسف عملية السلام برمتها، ذلك لأن السلام بمعادلاته وأسسه التي تستند إلى قيم العدل والحق والشمول، يتناقض وهذه السياسة الإسرائيلية، لذا من البديهي أن نلمس هذا العداء الإسرائيلي للسلام.

أمام هذه السياسة الإسرائيلية المتهورة، والتي قوامها العدوان والحقد على العرب والسلام فإن الأمر المنطقي يتطلب من العرب، كما قال «السيد الرئيس بشار الأسد»، اليقظة والتنبه والاستعداد التام لمواجهة مفرزاتها، وذلك من خلال التحرك العربي السريع والإيجابي والتلاقي واتخاذ الموقف الموحد الذي يرونه مناسبا، ويخدم المصالح العربية العليا في تحرير الأراضي العربية المحتلة وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى ما وراء خطوط الرابع من يونيو 1967 وإعادة الحقوق الوطنية المشروعة إلى الشعب العربي الفلسطيني غير منقوصة.

لقد اتخذت القمم العربية، وكذلك مؤسسات جامعة الدول العربية، قرارات على قدر كبير من الأهمية والفاعلية لمصلحة وحدة الموقف العربي، باستطاعتها إذا وضعت موضع التطبيق أن تحقق الهدف العربي المرجو، العبرة في التطبيق، وهو سبيلنا المجدي في مواجهة تحديات المرحلة ورفع شأن الأمة العربية واستعادة حقوقنا المشروعة كاملة.

نحو بلورة خطوة عملية

* تشهد دمشق سلسلة من اللقاءات الدولية والإقليمية والعربية، فهل يشير ذلك إلى بداية تحرك لإعادة الحياة إلى عملية السلام على المسارات كافة؟

- لا نحسب أحدا يجهل أن الطريق الصحيح لتوفير الأمن والاستقرار في العالم، ولاسيما في هذه المنطقة، يكمن في إزالة أسباب التوتر القائمة فيها، والناجمة عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من الأرض العربية، وضمن حل يقوم على التطبيق الكامل لقرارات الشرعية الدولية والمبادرة الأميركية ومبدأ الأرض مقابل السلام، في إنهاء هذا الاحتلال بشكل كامل وتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة على أساس تنفيذ مرجعية مدريد للسلام. وعلى رغم وضوح الطريق للحل المناسب، الذي هو التنفيذ الدقيق لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، فإن الحل مازال متعثرا وضائعا ومستبعدا نتيجة لتشبث «إسرائيل» بالاحتلال ورفضها الامتثال إلى هذه القرارات وتطبيقها مستبقية على عوامل التوتر قائمة لأنها تخدم سياستها في الاحتلال والتوسع والعدوان.

لقد شهدت المنطقة، ولاتزال، جهودا دبلوماسية مكثفة من أجل توفير الأمن والاستقرار لهذا الجزء الحساس من العالم، من خلال إقامة السلام العادل والشامل فيها على قاعدة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن، إلا أن هذه الجهود بقيت من دون نتيجة لاصطدامها المستمر بالتعنت الإسرائيلي، ولذلك فإن المنطق السليم يستدعي من القائمين عليها الضغط على «إسرائيل» لحملها على تغيير موقفها باتجاه التعامل الإيجابي مع أسس السلام وتنفيذها لأنها الوحيدة التي تصرّ على رفضها وعدم الالتزام بها.

هنا يقع على الجهات التي تقدم الدعم والتأييد إلى «إسرائيل»، ولاسيما الولايات المتحدة، مسئولية كبيرة في إحداث هذا التغيير بالموقف الإسرائيلي، ولا ريب أن واشنطن قادرة على الفعل، إذا كانت جادة في الضغط على «إسرائيل» وحملها على الامتثال لإرادة السلام الحقيقي.

أعلن الرئيس جورج بوش الابن «أن بلاده تسعى إلى تحقيق السلام العادل وتؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة». والقول نفسه كنا قد سمعناه غير مرة من الجانب الأوروبي. والسؤال هنا: هل نرى ترجمة فعلية لهذه الأقوال على أرض الواقع؟ وهل نشهد ضغطا أميركيا وأوروبيا قريبا على«إسرائيل» لإرغامها على الانصياع لقرارات الأمم المتحدة والمبادرة الأميركية بتحقيق السلام المرجو؟ حتى الآن لم نرَ أي مرتسمات في هذا الاتجاه تؤكد أقوالهما فعلا ملموسا على الأرض.

أجمع العالم على تحميل «إسرائيل» مسئولية فشل جهود السلام بسبب رفضها لأسسه وتمسكها بسياسة الاحتلال والعدوان كسياسة محسوبة ومبرمجة لقتل السلام وواقع حال عمليته من التردي شاهد حي على ذلك.

رحبنا دوما بجهود السلام وتعاونا معها بإخلاص، وندعو اليوم الولايات المتحدة لكي تقوم بدورها بشكل كامل، كراعٍ لعملية السلام بشكل حيادي ونزيه، إذ لابد من ممارسة التأثير المطلوب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بما نصت عليه من حقوق للشعب العربي في سورية ولبنان وفلسطين

العدد 37 - السبت 12 أكتوبر 2002م الموافق 05 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً