عقدت جامعة الكويت (كلية العلوم الاجتماعية) بالتعاون مع اللجنة الإعلامية المنبثقة عن اللجنة العليا التنسيقية للمؤتمرات بدولة الكويت المنتدى الأكاديمي بعنوان «آسيا رؤى مستقبلية»، بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة الأول لحوار التعاون الآسيوي. ووجهت الدعوة لمثقفين وأكاديميين من مختلف دول مجلس التعاون الخليجي والدول الآسيوية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وقد وجهت الدعوة لاثنين من مملكة البحرين متخصصين في الدراسات الآسيوية، هما عبدالله المدني ومحمد نعمان جلال والدعوة بصفة شخصية وعلمية أكاديمية.
افتتح المؤتمر نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح الذي ألقى كلمة عرض فيها بإيجاز لاهتمام الكويت بالبعد الآسيوي في سياستها الخارجية، ولمبادرة سمو أمير البلاد في الدعوة لقمة الحوار الآسيوي هذه. كما تحدث السفير محمد أبوالحسن، المستشار بالديوان الأميري وزير الإعلام السابق ومندوب الكويت (الدائم) سابقاً في الأمم المتحدة، وهو من الشخصيات الدبلوماسية المتميزة والذي اضطلع بدور بارز أثناء العمل لمواجهة الغزو العراقي للكويت. وتحدّث عميد كلية العلوم الاجتماعية عبدالرضا أسيري عن الندوة العلمية وبرنامجها.
ثم تتابعت جلسات المنتدى على مدى أربع جلسات تحدث في كل جلسة خمسة متحدثين من مختلف الدول المشاركة، ركزت بعض تلك المداخلات على تجربة دول آسيوية محددة وبعضها عرض لإطار عام بحثاً عن القواسم المشتركة. وأعقبت الكلمات الرئيسية أسئلة ومناقشات للمتحدثين، ما أثرى النقاش، وقد تناولت البحوث العلمية رؤى من تايلاند والهند واليابان وتركيا وكوريا والصين وإندونيسيا وماليزيا وإيران والسعودية... وبالطبع الكويت. بينما تناولت بحوث أخرى رؤى أكثر اتساعاً مثل قضايا الطاقة والنموذج التنموي الصيني، ومدى ملاءمته للتطبيق في المنطقة العربية والقواسم المشتركة بين دول مجلس التعاون ودول شرق آسيا وقضايا الديمقراطية والمشاركة السياسية والتكامل الاقتصادي بين دول المنتدى ومستقبل التعاون الآسيوي والدور المتغير للقوى والمصالح الدولية في شمال شرق آسيا، وتوازن القوى في آسيا والإسلام والديمقراطية والازدهار والعلاقات الخليجية الآسيوية. وكانت الأبحاث عميقة والمناقشات كذلك، ونعرض فقط لبعض الملاحظات العامة التي تتعلق بالمنتدى، وتتمثل في النقاط التالية:
الأولى: إن المنتدى الأكاديمي الذي عُقد بتعاون وثيق بين جامعة الكويت والديوان الأميري دليل على وعي كويتي واضح لأهمية الجانب الأكاديمي والمفكرين في طرح الرؤى والأفكار التي تتيح توسيع مجالات الاختيار أمام القادة السياسيين وتطلعاتهم المستقبلية بدلاً من الاقتصار على رؤى الموظفين الرسميين الذين لكثرة مشاغلهم ربما لا تتاح له معرفة ما يحدث في الفكر العالمي والتجارب العالمية ومدى إمكانية الاستفادة منها.
الثانية: الدور المتغير والنشط للسفير محمد أبوالحسن بصفته مستشاراً بالديوان الأميري وصاحب خبرة طويلة في العمل الدبلوماسي في أهم المواقع مثل الصين والأمم المتحدة، وفي أكثر اللحظات المهمة والحرجة في تاريخ الكويت. وهذا يظهر أهمية عدم التفريط في الخبرات والكوادر الدبلوماسية المتميزة بدعوى بلوغهم سن التقاعد، فالخبرة لا تحدّها حدود العمر الزمني للإنسان، بل هي دائماً متجددة ومفيدة، خصوصاً إذا كان الشخص من الخبرات المتميزة، ومن ثم فمن الضروري الاستفادة منه. وهذا ما يحدث في الصين، وهذا النمط الفريد يستحق الاهتمام من الدول العربية بوجه عام، ومن دول مجلس التعاون الخليجي بوجه خاص، التي لديها ندرة في الكوادر المتميزة المؤمنة بوطنها والتي تعمل في إطار ولائها له.
الثالثة: توصيات المؤتمر التي تقرر رفعها إلى سمو أمير البلاد وإحاطة القادة من مختلف الدول بها وهذه بدورها فكرة رائدة لأن الندوات الأكاديمية عادةً تعقد وتناقش قضايا مهمة وتقدم توصيات ومرئيات ولكن في معظم الأحيان لا يهتم بها الكثير من السياسيين وأصحاب القرار لاعتبارات عديدة، منها مشاغلهم الكثيرة، وعدم اهتمامهم بالتفاعل بين الفكر النظري أو البحثي وبين العمل الواقعي، ومن ثم تتكرر التجارب والأخطاء بدون أن تفيد بعضها البعض في صنع القرار.
الرابعة: ركزت توصيات المؤتمر على أهمية البعد الاقتصادي في منتدى الحوار الآسيوي دون إغفال الأبعاد الأخرى مثل الثقافي والاجتماعي والأكاديمي والسياسي، وكذلك بعد الطاقة في ربط الدول الآسيوية المنتجة والمستهلكة للنفط والغاز على حد سواء.
الخامسة: أوضح معظم المتحدثين من دول ذات ثقل ودور كبير مثل الصين وإندونيسيا وتركيا والهند وماليزيا واليابان وكوريا الجنوبية بأن تجارب تلك الدول رغم أهميتها فإنها غير قابلة للنقل والتقليد، ولكن من المهم الاستفادة منها ودراستها. وقد أبرز كاتب هذه السطور أهمية النموذج التنموي الصيني مع خصوصيته، وأكد ضرورة أن تطوّر كل دولة آسيوية نموذجها التنموي الخاص بها ونموذجها السياسي الذي يعبّر عن تاريخها وتراثها وحضارتها.
السادسة: اهتم عددٌ من الأكاديميين من جامعة الكويت بضرورة تطوير منتدى الحوار الآسيوي إلى منظمة جامعة، وبعضهم استعجل الفكرة وتبنى ضرورة البدء في تنفيذها في حين أعرب البعض الآخر أنها تمثل أملاً يجب أن يوضع أمام القادة في القمة، ومن ثم قد يتحقق ولو بعد عقد أو عقدين من الزمان، والمهم أنه يعبر عن الطموحات والآمال والتطلعات. وأشار البعض أمثال عميد كلية العلوم الاجتماعية عبدالرضا أسيري، ومستشار الرئيس التركي إرشاد هرموزلى وغيرهما، إلى التجربة الاتحادية الأوروبية التي كانت أملاً في بداية الخمسينات من القرن العشرين ثم تحققت بعد خمسين عاماً وأصبحت إحدى التجارب الوحدوية الناجحة.
السابعة: لقد أوجد المؤتمر رابطة فكرية وتعاوناً علمياً وتقارباً إنسانياً بين الأكاديميين المشاركين من دول مجلس التعاون، وبين المشاركين من مختلف الدول الآسيوية، ولا يتسع المقال لذكر كل مشارك بالاسم ولكنهم جميعاً اتسمت أوراقهم بالعمق والبحث، وخصوصاً أن لكل واحد منهم خلفية علمية وأحياناً عملية متميزة.
الثامنة: وهي الرغبة والأمل أن يكون هذا المؤتمر فاتحةً لانطلاقة خليجية في العلاقات مع الدول الآسيوية بوجه عام ومع ماليزيا وإندونيسيا بوجه خاص، في زيادة الاستثمارات الخليجية في هذه الدول في ضوء أنهما دولتان إسلاميتان، وهناك تراث ثقافي وديني مشترك مع دول الخليج منذ انتشار الإسلام عبر التجارة مع تلك الدول، أخذاً في الاعتبار أن البنية الأساسية والقانونية للاستثمار متوافرة في إندونيسيا وماليزيا، ومن هنا أهمية تكثيف الاستثمارات من دول الخليج في إطار تنويع محافظها الاستثمارية، وأيضاً تنويع علاقاتها الثقافية. وقد عبّر الباحثون المشاركون في المنتدى من هاتين الدولتين صراحةً عن هذه الرغبة سواءً في المداولات الرسمية أو في المناقشات الجانبية على هامش المؤتمر.
تلك ملاحظات موجزة على هامش المنتدى الأكاديمي الذي عقدته جامعة الكويت، وهي بحق جامعةٌ متميزةٌ وعريقةٌ ومتنوعة التخصصات، بل متنوعة في مراكز الأبحاث والدراسات الآسيوية والأوروبية والخليجية وغيرها من مناطق العالم المختلفة.
وفي تقديري أنه كلما تنوعت وكثرت مراكز الأبحاث بالإضافة إلى الكليات الأكاديمية التي تعطي الأولوية للتدريس، يحدث التكامل العلمي بين الهدفين، أي البحث والتدريس، ومن ثم تتكامل شخصية خريج الجامعة ويستطيع أن ينافس في سوق العمل وفي ميادينه المختلفة. كما يستطيع أن يبني فكراً علمياً وأكاديمياً أكثر انفتاحاً. وقد تفيد هذه التجربة الكويتية جامعة البحرين بحكم التقارب الجغرافي والتشابه التاريخي والظروف الاجتماعية ومتطلبات التجربة الديمقراطية في البلدين، إذ من الملفت للنظر أن جامعة البحرين لا توجد بها مراكز أو كليات تبحث العلوم السياسية أو العلاقات الدولية أو الدراسات الإستراتيجية أو الدراسات الاستشرافية المستقبلية حتى الآن.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 3695 - الخميس 18 أكتوبر 2012م الموافق 02 ذي الحجة 1433هـ
لننظر بربكم الى الحامعات الحاصة في البحرين
ومن ثم تتكامل شخصية خريج الجامعة ويستطيع أن ينافس في سوق العمل وفي ميادينه المختلفة. كما يستطيع أن يبني فكراً علمياً وأكاديمياً أكثر انفتاحاً.
اصبت كبد الحقبقة يا دكتورنا العزيز.. اذا كان هذا وضع جامعتنا الوطنية التي نفخر بها فما هو وضع الحامعات الحاصة المتهاوية على عروشها والتي لايعرف اصحابها سوى استنزاف توفيرات اولياء امور الطلبة..