لابد أن تأخذ نفَساً عميقاً حين تريد الدخول إلى إحدى قرى البحرين التي لم يعتد أصحاب «البشوت» على دخولها كما هو حال صاحبات «الكعب العالي». وما إن تطأ قدماك أرض بعض الأحياء السكنية حتى تشم رائحة الفقر من بعيد.
كل الدلائل توحي بها، ابتداءً من البيوت المتهالكة التي تتأهب للسقوط على ساكنيها، مروراً بالأمنيات التي تتعالى منها بحثاً عن أملٍ جديدٍ بوظيفةٍ تقي أفراد بيت ما انتظار معجزة تنتشلهم مما يعانون، مروراً بسجلات الصندوق الخيري الذي يزخر بأسماء تنتظر دورها لصرف المعونة، وصولاً إلى الهيئة العامة لأبنائها.
ما ذُكر أعلاه ليس مقدمة لقصة من قصص الأدب، وإنما واقعٌ تعيشه آلاف الأسر البحرينية، ولو بدا غريباً على من لم يذق طعمه، ولم يعرف كيف يعيش بعض أبناء بلاده التي تصرف الملايين على بناء مبانٍ فخمة في الداخل والخارج يسكنها من لم يعرف معنى دمعة طفل محروم، وعشرات الآلاف على تسوير أراضٍ تكاد لا تعرف نهايتها لكبر حجمها وامتدادها.
«صديقتي لم تغيِّر حقيبتها لثلاث سنوات متتالية، ومريولها صار لركبتها مع أنها متحجبة، لأن أباها متوفى وأمها ما تشتغل»، عبارة قالتها طفلة لم تبلغ العاشرة بعدُ، والدمعة تترقرق في عينيها ألماً لصديقتها التي تقتسم معها وجبة الإفطار كل صباح في المدرسة؛ لأن أهلها لا يستطيعون توفير أكثر من مئة فلس لها ولبقية إخوانها. وهي وإخوانها بالطبع ليسوا الوحيدين الذين يعانون كل هذا الحرمان، فكثيرٌ من الأسر البحرينية تتعفف عن الطلب أو حتى عن تسجيل أسمائها في الصناديق الخيرية القريبة، ظنّاً منها أن هنالك من هو أحوج منها تارةً، وليقينها بأنَّ الله لن يخذلها تارةً أخرى، ولمعرفتها بالوضع الاقتصادي للصناديق الخيرية التي تحتاج إلى آلاف الدنانير لتوفير احتياجات الأسر المسجلة لديها.
لا يمكننا بالطبع إلقاء اللوم على الوجهاء ولا على المؤسسات الأهلية؛ إذ إن حل هذه المشكلة يجب أن يكون حكوميّاً بالدرجة الأولى، ومن ثم تشرك مؤسسات المجتمع الأهلي والأفراد الذين يودون المساعدة، وخصوصاً إذا ما اعتبرنا أن جهود الحكومة في هذا الجانب لا تعدو كونها جهوداً ترقيعيةً لن تحل المشكلة من جذورها، وبالذات إذا ما استمرت مشكلة البطالة من جهة، ولم يغلق ملف المسرحين من أعمالهم في ضوء الأحداث الأخيرة التي مرت بها البلاد من جهة أخرى، واستمر الدعم المادي على ما هو عليه.
كنا نأمل أن تقوم وزارات «التنمية الاجتماعية» و«حقوق الإنسان» و«العمل» بمطالعتنا بإحصاءات حقيقية عن الفقر والبطالة في البحرين في اليوم العالمي لمكافحة الفقر، والذي صادف يوم أمس (17 أكتوبر/ تشرين الأول)، وتعريفنا بالخطط الموضوعة للقضاء على هذه المشكلة، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، لأن الموضوع لم يعد ضمن أولويات هذه الوزارات التي تعتبر تلميع صورها الحدث الأهم، وخصوصاً بعد أحداث 14 فبراير/ شباط.
ومضة: «إن الفقر سهلٌ شجبه، صعبٌ مكافحته، وما يحتاج إليه الذين يقاسون ويلات الجوع والعوز والمهانة هو أكثر من مجرد كلمات متعاطفة. إنهم يحتاجون إلى دعمٍ ملموس».
بان كي مون
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3694 - الأربعاء 17 أكتوبر 2012م الموافق 01 ذي الحجة 1433هـ
تعليق
إن كنت لا أنكر وجود الأسر الفقيرة والمتعففة في جميع أنحاء البحرين وليس فقط في القرى وكذلك يوجد لدينا مدعي الفقر إلا إنه اطلاق لفظ غير دقيق مثل آلآف الأسر البحرينية لا تعكس الصورة الصحيحة على بلدي البحرين وكما ذكرتي ياأستاذة إننا نريد إحصاءات دقيقة أي إنها غير موجودة ولا يمكن القول إنها آلاف أو عشرات الأسر كما إنني أرفض تغليف الموضوع بإشارة خفية للطائفية في الموضوع وحصر الفقر في القرى فقط
ولكم جزيل الشكر
غريب
أتعجب من الدول تبيع البترول حال شعوبها من الفقر والنظام ومؤسساتها من تأخر والخدمات في بلادهم متأخر عكس الدول تشتري منهم البترول خدمات ممتازه مؤسسات متطوره مجتمع مرتاح
الله عطاهم زياده جمال الطبيعه ورحمت ناسها لانهم لم يتربورعلى العنف
موضوع جميل
استاذة سوسن البحرينيون يعانون من التهميش من الفقر من البطالة من مسخرة اقرانهم من الخليجيين والسبب اننا لا نعبش في بلد فيه توزيع الثروات لو ان لنا حكومة منتخبة لاستطعنا ان نكون من الدول المتقدمة اقتصاديا اما الطفلة الفقيرة فكما قلت هناك كثيرون نفسها لا يستطيعون توفير المطلوب والمهم خصوصا اذا زاد عدد الابناء وكان الراتب قليل
ابنة دهنيم
يقول امير المؤمنين(ع) حمل الصخور من أعالي الجبال أهون عليّ من طلب السؤال، فكم من متعفف يقضي مع أهله أياما وليال بالجوع إلا أنه رافق الصمت لا مكابرة بل عزة وكرامة وانتصارا لنفسه من أن يمد يده مستذكرا قول الأمير (ع) احتج الى من شئت تكون اسيره واستغن عمّن شئت تكن أميره.شكرا استادة موضوع قيم
صح السانك
لاتترقبي تقرير واحصائية من وزارة التنميه فكما تم تزوير عدد العاطلين عن العمل سوف يتم اعطا
بعد قرابة القرن مع البترول هل يعقل هذا حال بعض البيوت في البحرين
البحرين اول دول الخليج اكتشافا للبترول ولكن هناك مناظر تناقض هذا المكتشف الثمين فلمجرد دخول بعض القرى ستجد العجب العجاب اذ كيف في بلد انتج البترول لأكثر من 8عقود ومنظر مثل تلك البيوت فضيحة علينا
صندوق الاجيال
سوسن مقالش جدا روعة ، بس الدول المجاورة والمتدنة تنشأ صندوق الاجيال واحنا هنا ضياع الاجيال قصة مريول البنت مصيبة ، لا يحس بها إلا من فهمها