بحسب علمي وعلم كثيرين لا دين ولا شريعة ولا عقيدة في الدنيا يمكن أن تُقرّ الشماتة وتجعلها أُسّاً ومنطلقَ فخر ونصر لها.
الشماتة أمام الموت تغافلٌ عنه. كأنَّ الشامت يدخل سكْرة الوهم. سكْرة أنه لن يكون في يوم من الأيام طرفاً فيه (الموت) وموضوعاً له ونهاية تطوله كما تطول الخليقة كل الخليقة. كأنه بمنأى ومحصّن وخالٍ من الذين نال منهم وترصّدهم بشكل أو آخر.
قبل أيام من مقتل أحد الذين لا نصيب لهم في الحياة بفوضاها ومعاصرة هذه العبث، تنادى مخمورون بالأوضاع الحالية طعناً وقذفاً وشتماً طاله وطال مكوّناً رئيساً مع دعوات بزواله ومحْقه (المكوّن) مع ثناء على الذي عجّل بروح الفقيد إلى مثوى حدّدوا هم طبيعته وأثاثه ونوعية عذابه! كم من الوكلاء لله على هذه الأرض اليوم يُحدّدون إلى أين يذهب خلقه، وفي أي عنْبر يُقيمون سواء كان في الجنة أو النار؟ إلى أين وصلتْ بنا الأمور؟ وإلى أين يُراد لها أن تنتهي؟
لا أخلاق في شماتة. ذلك ما عرفه الإنسان من قبل أن تتنزّل الرسالات ومن قبل أن يدخل في طوْر المدنيّة والانخراط في الاجتماع البشري، في أبسط وبدائية صوره. اليوم نحن إزاء بلاء عظيم يطول الأخلاق والقيم والثوابت وحتى البسيط مما لا يمكن للحيوان أن يتخلّى عنه في صور وشواهد ليست بعيدة عنا.
بعض البشر اليوم بات عاراً على البشر وسُبّة في جبين جنسهم. هذا الانحطاط لا يمكن أن يبرز ويتصدّر وتُمنح له الفضاءات من دون حساب ومساءلة لولا أن تغذية وشحذاً وتواطؤاً ورفداً وتجييشاً هو في تصاعد من قبل جهات لا ترمي سوى إلى النجاة من مآزقها التي تراكمت طوال عقود وترى في تراكم الأزمات وتعميقها حلولاً مثالية للوصول إلى النجاة تلك! كيف يكون تراكم الأزمات وافتعالها حلاً؟ ذلك علمه عند الراسخين في مطبخها وإعداد مقاديرها!
لا تجد سويّاً يشمت أمام الموت ويجده فرصة لإقامة احتفاله الخاص الذي لا يريده أن ينتهي؛ بل ويطالب ويقترح؛ وأحياناً يأمر بمزيد من إشاعته. كأنه بذلك في منأى عن سلطته وقبضته. كأنه بذلك يمعن في وقاحته بتلك الشماتة حين يمنح نفسه وهم بقاء أبدي هو أهلٌ له ولا أحد سواه. نعمْ، بيننا من البشر من يسيء إلى البشر ممن تذهب به المذاهب إلى أبعد من ذلك بمراحل، حين يرى الحياة وقد صُمّمتْ وأُنجزتْ لتكون على قياسه لا قياس سواه، وعلى مزاجه لا مزاج غيره، ووفق نوازعه وميوله لا نوازع وميول من يجد فيهم مخلوقات فائضة ولا لزوم لها.
وحين أكرّر القول، إن بعض البشر عار على البشر بانحراف ذاتي عن تلك الطبيعة أو بإملاءات وإغراءات وأحياناً ابتزاز لا يحتاجون إلى التعرض له كي تُختبر أنفسهم وتُمحّص إراداتهم؛ فهم نهب لهذا وذاك، إنما أرمي إلى التطوّر في الانحدار الذي يقود الإنسان نفسه إليه. وليس أي إنسان. إنه دخيل على الجنس الأرضي على اختلاف أنواعه وأجناسه. مثل أولئك لا أثر يدلّ على خيار لهم. هم رهن من يحدد سقف وجرعة وتحرك تلك الإرادة، إذا أمكن تسميتها إرادة في هكذا واقع ووضع. مثل أولئك يرهنون كل ذلك سعياً وراء وهْم ومطاردة سراب وتهافتاً على زائل ومؤقت.
كل خلل ينتاب الحياة وتفاصيلها؛ ارتباطاً بالبشر وما حولهم يكمن في تبرّع واستعداد بعض أولئك البشر للحطّ من كرامتهم والإهانة. يجدون في ذلك قيمتهم! وليست قيمة تلك. إنها درس وممارسة العدم لمخلوق لم يأتِ إلى هذا العالم إلاّ من أجل تثبيت قيمته (العالم) عبر قيمته هو. متى ما اختلّتْ واضطربتْ قيمته اختلّ العالم واختلّتْ موازين الحياة، وما يترتّب على كل ذلك من تحوّل الحياة إلى معمل ومختبر مفتوح للإهانة والحطّ من كرامة الإنسان.
أعود إلى الدّاء المقيم هنا، وفي غيره من أمكنة العرب؛ وخصوصاً (الشماتة) في جغرافية طاعنة في خللها ونسيانها وارتهانها وعبادتها للجبْت الجديد في ألفية العالم الثالثة وكأن بشرها لم يبرحوا الألفية الثالثة قبل الميلاد بهكذا توجّه يحط من كرامة بعض البشر المهووسين والمرضى أكثر من النيْل من غرمائهم الذين وجدوا في موتهم متسع فضاء وحياة وكأنهم بذلك يمارسون شِبْراً من حقهم في ذلك الفضاء. على العكس من ذلك فهم لا خيار لهم حتى في مساحة هي دون سمّ الخياط في الخيار ذاك.
وفي داء الشماتة - عربياً - مفارقة عجيبة تدعو إلى التأمّل والتدبّر. شماتة الهُمْل الذين لا أثر ولا دور لهم. شماتة الإمّعات ممن ابتُليت بهم الأوطان والأمم. شماتة التنابلة الذين هم برسْم الخدمة على مدار الساعة، في كل فتنة ونازلة ومشروع شق لصف الأمة وتفتيتها. شماتة الذين هم في واقع الأمر فائض شبه بشري يلوّث البيئة والأخلاق وكل حيّز تمرُّ عليه أنفاسهم ولهاثهم ووجودهم المصطنع. كأن بعض البشر مثل الزائدة الدودية علاجها يعرفه كل ذي بسيط حس!
أشباه بشر مثل أولئك يبْترون رحِم الحياة بوجودهم، ويسيئون إلى قدرتها على إعلاء شأن الإنسان بخياراته المفتوحة على كل نبيل وذي هدف يصبّ في نهاية المطاف في صالح الإنسان وتعميق حضوره وقيمته.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3680 - الأربعاء 03 أكتوبر 2012م الموافق 17 ذي القعدة 1433هـ
أروع المقالات
مع إحترامي لشخصك و لجميع مقالاتك، إلا ان هذا المقال هو أروع ما كتبت، لآنه أصاب كبد الحقيقة المرة، و سامح الله إخوتنا في الدين والوطن، و رغم هذه القسوة اقول لهم لا زلت أحبكم في الله
الى زائر رقم 3 / الصدر 14
أنت من تحتاج الى ان تصحح مفهومك
أجبني من المجرم : الذي يخرج في مسيرة سلمية أم الذي يواجهها بالشوزن ؟
من المجرم : الذي يعالج الجرحى والمصابين أم الذي يسجن ويعذب الأطباء وملائكة الرحمة ؟
من المجرم : الذي يدافع عن حقوق الناس وكرامتهم أم الذي يكبت الأصوات ويقمع المطالبات ويخنق الحريات ؟
من المجرم : الذي يدعوا الى العدل والمساواة وعدم التمييز أم الذي يمارس التمييز بابشع صورة ؟
من المجرم الذي يطالب بالحفاظ على ارواح الأبرياء والأطفال أم الذي يزهق ارواحهم ؟
ابوحسين
الغريب يا استاذ حعفر رغم الموضوع عن الشمات في الموت الذى هو طربق الجميع فتجد من يتكلم عن التحريض وصاحب التعليق لو سالته عن مطالب
شعب السوري الشقيق وهل الشهداء في سورية المسؤل عن علي من حرضهم
علي الخروج على النظام هذا هي المطالب بالحقوق في مكان هي يجب المطالبه
بها هي خقوق الشعوب ياخي العزيز في البحرين مجرمين يجب الشمات بهم وفي
سوري مجاهدين يجب مساعدتهم بالمال والانفس ومع ذلك هذا ليس تبرير الى
الشمات على الموت
اذكرو محاسن موتاكم
اذكرو محاسن موتاكم هكذا علمنا الاسلام ودعوا الله ان يصلح شأن امة الاسلام.
الكاتب المبدع جعفر الجمري
جعفر الجمري ...................كاتب مميز ومتميز جدا ينتقى المفردات بعنايه فائقه حتى إني أكاد أن أقرأ بعض المفردات لأول مرة , أنا فخورة جدا بك إستاذ جعفر وسعيده بأننا نقرأ لكتًاب رائعين مثلك .............ودمتم سالمين
ويوم الظالم اشد من يوم المظلوم
وقل للشامتين بنا افيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا
كم بتكول
وياهو الي يستوعب
كلام جميل ومنطقي
الويل لمن يستمع بحقده لابعقله
الى الضمائر الميتة
كل من يتشمت و يضحك على موت شهداءنا و يرقص على جراح هذا الشعب المظلوم اللهم اذقه و اسقه من نفس الكأس و خذه اخذ عزيز مقتدر عشان يحسون ان الشماته على الميت حرام حراااااااام
صحح مفهومك
سيدى لا يجوز الشماته حتى في القاتل ، ولكن هناك اطفال تحولوا الى مجرمين ، والذنب في رقبة من حرضهم على الاجرام ،
متهم ب ا ل ط ا ئ ف ي ة
الشماتة لا تكون فقط عند الموت،انما رايناها ونراها الى الآن تتجسد في كل مكان.
ولعمري مر عامين ورأيت فيهم طائفة شياطين في أجساد آدميين.
شمتوا ورقصوا على جراح القتلى والمعذبين والأعراض والمقدسات المنتهكة ومقطوعين الارزاق وهدم المساجد.
ولا حقد ولا بغض ان لعنة كل يوم الإناء الذي جمعنا معهم، لا جمعنا الله وإياهم تحت راية واحدة في الدنيا والآخرة والى الله تعالى نشكوهم وأئمتهم يوم ياتي كل اناس بإمامهم فقسم في الجنان وقسم الى نار السعير..
مايخرج من القلب يصل إلى القلب
الصراحة مقال روعة ولكن من يسمع (قلوبهم كالحجارة بل اشد قسوة)