في خضم ما تشهده الساحة التعليمية البحرينية من حالة الشد والجذب التي رافقت تنفيذ مشروع «تحسين الزمن المدرسي» بالمدارس الثانوية بدءاً من الفصل الثاني من العام الدراسي المنصرم 2011/2012م، ونحن لازلنا ـ كمعلمين وتربويين وطلبة وأولياء أمور ومسئولين ونواب ومؤسسات مجتمع مدني وغيرهم ـ منشغلين بالإجابة عن السؤال التالي: هل أنت مع أو ضد هذا المشروع؟ لقد تابعنا ردود أفعال الكثيرين بهذا الخصوص، إلا أننا لم نقف بعد على رأي الفئة المنسية، وهم أولئك الطلبة من ذوي الإعاقة، الذين ضاعوا وسط هذه الزوبعة التي مضت أو هدأت على أقل تقدير!
أمام هذه المسألة، بدأ المجتمع الدولي والمنظمات العالمية المعنية بحقوق الإنسان اهتمامهما منذ الربع الأخير من القرن الماضي بضرورة أن يتمتع كل إنسان معاق بنصيبه من الحقوق والواجبات والرعاية والاهتمام في مجال التعليم والصحة وسائر الخدمات الأخرى، على أساس أن حركة حقوق الإنسان تقوم على مواجهة كافة أشكال التمييز على أساس اللون أو الحالة الاجتماعية أو الجنس أو العرق أو الدين أو الطائفة أو ممارسة سياسة التصنيف والعزل لأي إنسان، كائناً من كان.
هذا الاهتمام الدولي تمثل في إصدار الأمم المتحدة إعلان حقوق المعاقين عقلياً في العام 1971، والإعلان العالمي بشأن حقوق المعاقين في العام 1975، والعام الدولي للمعاقين في 1981، وكل هذه المبادرات الأممية لم تتوقف يوماً ما، بل تطورت على مستوى الممارسات التربوية، فقد كانت بمثابة الإرهاصات لولادة فكرة «دمج الطلبة من ذوي الإعاقة» في المدارس الغربية كواحدة من الأساليب والاستراتيجيات التربوية الحديثة التي تساهم في تعزيز القيم الاجتماعية والأخلاقية السامية في المجتمع المدرسي.
كما هو معلوم، فإن الطالب المعاق هو كل طالب يعاني من وجود نقص أو قصور أو عيب وظيفي يطال عضواً أو وظيفة من وظائفه العضوية أو النفسية، بحيث يحدث له خللاً أو تبّدلاً في عملية تكيّف هذه الوظيفة مع الوسط التعليمي الذي يعيش فيه.
مجتمعياً، باركنا ـ ومن دون أي تحفظ ـ فكرة الدمج في مؤسساتنا التربوية والتعليمية، انطلاقاً من الدراسات التي تؤكد على أنه كلما قضى الطلبة المعاقون وقتاً أطول في فصول المدرسة العادية في صغرهم، زاد مستوى تحصيلهم الأكاديمي والمهني مع تقدمهم في السن، وأن بإمكان متوسطي وشديدي الإعاقة في البيئة التعليمية الطبيعية والعامة تحقيق مستويات أعلى في التحصيل الدراسي والمخرجات التعليمية بشكل عام.
برغم ذلك، فإننا ندعو لمراجعة وتقييم هذه التجربة في ضوء المعطيات والمتغيرات الطارئة على المشهد التعليمي، وإمكانية تضافر الجهود لتحديد الاحتياجات الفعلية لهذه الفئة في الفضاء المدرسي بشكل عام، وكيفية تعاطي الطلبة من ذوي الإعاقة مع مشروع «تحسين الزمن المدرسي» بشكل خاص.
بحكم معرفتي ببعضٍ من أفراد هذه الفئة من الطلبة والتربويين القريبين منهم، سأحاول طرح بعض التساؤلات والهموم من قبيل: هل يُعطى الطالب المعاق وقتاً خاصاً في جدول تمديد اليوم الدراسي؟ وهل يُختصر له الجدول الدراسي بشكل أو بآخر؟ وهل استثنت وزارة التربية والتعليم الطالب المعاق من قرار التمديد؟ وهل يُمكن أن يُعفى الطالب المعاق من المواد الإثرائية تماماً كطالب المنازل وطالب الجزئي بالمرحلة الثانوية؟ بحيث يُعفى مثلاً من الحضور إلى الطابور الصباحي وفترة الفسحة وحصص الزراعة والطباعة وسائر المواد الأخرى غير المواد الأساسية (طبعاً كاللغة العربية والرياضيات واللغة الإنجليزية والعلوم). وهل يُسمح للطالب المعاق بمغادرة المدرسة قبل أقرانه، على الأقل بساعة واحدة مثلاً؟ وهل وضع المشرِّع التربوي أو من يعنيهم الأمر من المسئولين وصناع القرار نصب أعينهم متطلبات واحتياجات الطلبة من ذوي الإعاقة في قرار التمديد؟ والسؤال الأهم هو: إلى أية درجة يستفيد الطلبة من ذوي الإعاقة أو يتضررون جسدياً ونفسياً وصحياً واجتماعياً وأكاديمياً وتربوياً من قرار تمديد اليوم الدراسي؟ من خلال مقابلاتنا الشخصية مع بعض أفراد هذه الفئة وأولياء أمورهم، تبين أنهم يواجهون صعوبةً في الكتابة بالسرعة المطلوبة منهم، وبالتالي عندما يرجعون إلى منازلهم متأخرين تتراكم عليهم الواجبات المنزلية، علماً بأن مدة الساعة (زمن الحصة الواحدة) تشكل ضغطاً على بعض أصحاب الإعاقات وتفقدهم القدرة على التركيز والانتباه في الدرس.
كما أن بعضهم لا يستطيع الجلوس على الكرسي المتحرك لفترات طويلة، ما يؤدي إلى ظهور آلام في المفاصل، أو يواجهون صعوبة في التنقل داخل المدرسة، لعدم وجود مصعد كهربائي خاص بهم في المباني الأكاديمية المتعددة الطوابق؛ لأن المصعد الكهربائي يغلب عليه الطابع العام الذي يستهلك وقتاً في الانتظار وعملية الصعود والنزول، وأحياناً يتعطل ما يعيق استخدام الطالب المعاق له، هذا إلى جانب استخدام المعلمين له.
حتى أنهم يجدون صعوبة في استخدام دورات المياه، ما يضطرهم إلى عدم تناول وجبة الإفطار والانتظار لحين الرجوع إلى منازلهم، ويترتب على ذلك مخاطر عديدة مثل بروز الالتهابات في المسالك البولية وآلام حصى الكلى والإمساك وغير ذلك، علاوة على أن الإحساس الشديد بالجوع يشتت ذهن المعاق في قاعة الدرس.
يحتاج الطالب المعاق لضمان حقوقه كإنسان، بأن يستمتع بوقت فراغه وممارسة هواياته وأداء الصلاة بمصلى المدرسة أسوة بأقرانه من الطلبة الأسوياء، ومراعاة احتياجاته عند إعداد الجدول الدراسي بعدم وضع المواد الأساسية في الحصص الأخيرة، وهذا حق طبيعي من حقوق الإنسان التي يجب أن ينظر إليها عندما نطبق مشروعاً بحجم مشروع «تحسين الزمن المدرسي».
الجدير بالذكر، أن عدد ممرضي وممرضات الصحة المدرسية للعام 2010/2011 طبقاً لآخر تقرير رسمي عن خدمات تمريض الصحة المدرسية بلغ (78) ممرضاً وممرضة، بالإضافة إلى 5 مشرفات لخدمات تمريض الصحة المدرسية يزاولن أعمالهن في مختلف مدارس البحرين، وهذه الأرقام مشجعة قياساً بحداثة التجربة؛ فهي تكشف عن نجاح البرنامج في تقليل العبء على المراكز الصحية طوال العام الدراسي، مع الأخذ بعين الاعتبار أعداد الطلبة في جميع المراحل الدراسية بالمدارس الحكومية للعام الدراسي الحالي 2012/2013 والبالغ عددهم (128728) طالباً وطالبة، والذين يتوزعون على (206) مدارس، وفي المقابل يبلغ عدد الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة المنتظمين في المدارس الحكومية نحو 1400 طالب وطالبة.
إذن، ما نحتاجه الآن هو توفير قرابة (128) ممرضاً وممرضة في برنامج الصحة المدرسية بمدارس البنين والبنات، إلى جانب توفير الخدمات الأساسية لفئة المعاقين من دورات مياه خاصة بهم، وتغذية مدرسية صحية تتناسب مع ظروفهم واحتياجاتهم المتنوعة.
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3676 - السبت 29 سبتمبر 2012م الموافق 13 ذي القعدة 1433هـ
صدقت وأحسنت
أحسنت أستاذ فاضل وبارك الله فيكوعلى هذا المقال الأكثر من رائع..فطلبة الإحتياجات الخاصة هم ددائما منسيون ..
نعمةوالله.. صدقت
أحسنت أستاذ فاضل وبارك الله فيكوعلى هذا المقال الأكثر من رائع..فطلبة الإحتياجات الخاصة هم ددائما منسيون ..