ترى هل من الممكن تقييم عمل صحيفة «الوسط»؟ وهل من الصواب ان نعلن فشلها او نجاحها على رغم عمرها القصير في عالم الصحافة؟ بمعنى آخر، هل نستطيع إطلاق الحكم النهائي على الصحيفة من خلال عملها في الفترة الماضية فقط؟
الجواب المرجح، لا نستطيع قراءة الصحيفة خلال عام من صدورها، ولكننا نستطيع تحديد بعض مكامن الخلل، وبعض الايجابيات، ما يساهم في تقويم العمل الإعلامي فيها. ان من الضروري على كل مؤسسة إعلامية، عمل مراجعة عامة كل مدة من الزمن، حتى تضمن استمرارها على الطريق الصحيح. فالعمل الإعلامي شاق جدا، إذ يضطر هذا العمل القائمين على المؤسسة الإعلامية إلى إرضاء الناس، الذين لا يرضون بالقليل، وفي المقابل الرضوخ للقوانين التي تكبل الصحيفة. وهنا تكمن نقطة التجاذب، والمخضرم من يخرج منها بأقل الخسائر.
باعتقادي بادئ الأمر ان منصور الجمري، حينما قرر الرجوع والعمل داخل البحرين - على حد قوله - كان يطمح الى بناء مؤسسة إعلامية كتلك المؤسسات التي عاصرها في بريطانيا، وبمقدورها هز أية سلطة. ولا أظن فات الجمري ان هذا الطموح الذي يصبو إليه، صعب المنال والتحقيق في «عالم ثالث»... ومع سكرة الفرح التي غمرت شوارع البحرين والمصالحة بين قمة الهرم وقاعدته، بدأت «الوسط» عملها على أمل المنافسة.
وسرعان ما تمكنت الصحيفة من كسب الجمهور البحريني المتعطش إلى صحافة جديدة، تعمل على تقديم إعلام جديد يليق بفترة مكاشفة جديدة. وفعلا نجحت في تقديم أسلوب صحافي آخر غير الذي اعتاده الجمهور طوال عقدين من الزمن، ولكن الصحيفة اصطدمت ببعض المعوقات بعد ان رفضت من قبل بعض المسئولين، ومنعوا دخولها الى بعض مؤسسات الدولة، لا لشيء سوى انها أظهرت على الملأ بعض الأمور التي لم يستطع غيرها إظهارها للعلن. ومع مرور الأيام بدأت بعض الحريات تضيق، وحصلت انتكاسة غير متوقعة، ما وضع الصحيفة في مأزق بين تلبية رغبات كثيرين من الناس، والعمل وفق القانون الذي صدرت بموجبه الصحيفة. فظهرت فئة أخرى ترفض «الوسط» لأنها لم تقدم ما طمحت إليه. وبهذا أصبحت هناك معارضتان، معارضة من قبل المسئولين الذين لم يتعودوا على المكاشفة والشفافية، ومعارضة من قبل بعض المحبين السابقين.
التغطيات المحلية
ربما تعتبر التغطيات المحلية للفعاليات والندوات السياسية، وخصوصا فعاليات المعارضة، نقطة إثارة الجدل بشأن الصحيفة، إذ يرى الشارع ان هذه التغطيات اتسمت بالضعف مقارنة بحجم الفعالية وأهميتها، فكثير ما كانت التغطية بعيدة جدا عن جو التجمع. من الصعب تغطية هذه الندوات بلغة أهلها، نظرا إلى ما تتمتع به هذه الفعاليات من استقلالية في مناقشة ومراجعة كثير من الموضوعات الحساسة، وهذا ما لا يتأتى للصحافة. ولكن القدرة على صوغ هذه الأفكار بصورة تجعلها مسموحة النشر، كأن تكون مبهمة اللفظ، واضحة المعنى، قد يعطي الصحيفة صدقية أكبر لدى الجمهور. ان نفور غير قليل من الشارع البحريني عن الصحيفة على رغم قراءته لها كل يوم، يحتم على القائمين على «الوسط» الالتفات إلى ما ستؤول إليه الأمور لاحقا. ولأن الصحيفة تعمل بشكل أساسي ضمن نطاق مملكة البحرين على عكس بعض الصحف العربية التي تصدر من لندن، يجعل الشئون المحلية مادة خصبة لنقلها إلى الجمهور المتلقي، الذي يريد ان تتناول الصحيفة آهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بعض القراء أصيبوا بخيبة أمل، بعد ان رأوا - من وجهة نظرهم - ان «الوسط» تحاول تجميل وجه السلطة التنفيذية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال ان يكونوا على خطأ تام، ولابد ان تحتمل وجهة النظر هذه الصحة في بعض جوانبها بشكل او بآخر. وعلى رئيس التحرير ان يوجه العاملين في التغطيات المحلية إلى عدم أدلجة أي موضوع او تغطية، انما نقلها كما هي وفق ما يسمح به القانون، ما يبعد الصحيفة عن أية مساءلة قانونية او ما شابه، ويعطي للفعالية حقها.
هل قدمت «الوسط» عملا إعلاميا جديدا؟
لا يمكن إغفال ان «الوسط» قدمت ما لم تقدمه غيرها، على رغم مشوار الآخرين الطويل في العمل الصحافي بالمقارنة معها، كذلك لا يمكن اغفال ان «الوسط» قدمت شكلا جديدا للصحافة المحلية، ولو كان هذا الشكل غير مكتمل إلى الآن، وهي اضطرت باقي الصحف إلى منافستها والحذو حذوها، وان بصورة متواضعة. لكن يبقى الأمر المطلوب من الصحافة ان تعمل على ترسيخ مفاهيم إعلامية وديمقراطية جديدة، وتعريف الناس بما عليهم من واجبات تجاه وطنهم ومجتمعهم، وبما لهم من حقوق ومطالب، والدفاع عنها قياما وقعودا، وإن وصمت الصحيفة بـ «الانحياز».
العدد 367 - الأحد 07 سبتمبر 2003م الموافق 11 رجب 1424هـ