العدد 3667 - الخميس 20 سبتمبر 2012م الموافق 04 ذي القعدة 1433هـ

ماذا سنفعل بتسعة تريليونات دولار؟

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

من المتوقَع أن تصل الإيرادات النفَّطية لدول مجلس التعاون الخليجي خلال الاثنتي عشرة سنة القادمة، بأسعار البترول الحالية، إلى نحو تسعة تريليونات (أي تسعة آلاف مليار) من الدولارات. نحن إذاً أمام ثروة مستقبلية متدفٍّقة هائلة تستلزم طرح أسئلة تحتاج إلى الإجابة عليها في الحاضر، وليس في المستقبل. ذلك أنه كما قال أحدهم في الماضي فإن خلف كل ثروة هائلة تكمن الكثير من الجرائم. والمطلوب هو منع وقوع تلك الجرائم والتي يتفنَّنُ البعض في ارتكابها حالياَ.

السؤال الأول يتعلق بالوجهة التي ستتجه إليها فوائض تلك الثروة النفطية. إذا كان الجواب هو ما يحدث في الواقع الحاضر فانَّ ذلك سيعني أن نحو خمسين في المئة من تلك الفوائض، في شكل تدفقات مالية استثمارية خارجيَّة لدول المجلس، ستذهب إلى أسواق الولايات المتحدة الأميركيَّة لتغطّي دفع ديونها ولتشغٍّل مكنة صناعاتها ومؤسَّساتها المالية والخدمية ولتَنقص نسبة البطالة بين مواطنيها. أمَّا الالتزامات القومية تجاه وطن وأمَّة العرب، وهما اللذان يستجديان القروض والاستثمارات الأجنبية ويتعرَضان لكل أنواع الابتزاز الامبريالي، فلا مكان لها أو أن العطاء العربي الشحيح هو الآخر يقدّم بثمن ابتزازي يعرفه الجميع.

السؤال الثاني المحوري يتعلَّق بنصيب مصالح الحياة العامة من تلك الثروة قي مجتمعات دول مجلس التعاون. تحت هذا السؤال هناك عشرات التَّساؤلات الفرعية التي يطرحها المواطنون يوميا، ونحن مضطرُون أن ننتقي فقط بعضا منها.

لنأخذ مثلا موضوع التربية والتعليم. في كثير من دول العالم تحدث غالبا فيه نواقص بسبب ضعف الإمكانات المالية لدى حكوماتها. لكن في دول مجلس التعاون لن يوجد هذا العامل السّلبي. وإذاً ما الذي سيمنع أن يوجد نظام تعليمي رسمي يضاهي في مستواه أفضل الأنظمة العالمية؟ بالمال الوفير يمكن أن يوجد المعلم المثقف الممتهن المدرَب تدريبا جامعيا عاليا، المكتفي ماديا، المحترم اجتماعيا، القادر على تخريج إنسان كفوء مبدع مفكِّر ملتزم بالوطن والقيم. ما الذي يمنع أن يكون ذلك التعليم، وبالمستوى العالي ذاك، تعليما مجانيا من مرحلة الحضانة إلى نهاية المرحلة الجامعية؟

نحن هنا نتكلم عن تعليم يؤدِّي إلى تغييرات جذرية في الميول والسّلوك وفهم الحياة والطُّموح الإنساني التعاضدي والقدرات الذهنيَّة، بحيث يوجد الإنسان القادر على المساهمة المبدعة الفاعلة في عملية تنمية شاملة إنسانية مستمرة.

إذاً، المال سيكون متوفٍّرا، فهل ستتوفَّر الإرادة السياسية وأحلام النُّهوض والسُّمو؟

لنأخذ مثلا موضوع البطالة. إن الفوائض المالية القادرة على نقل التعليم الى المستوى الذي وصفنا قادرة أيضا على إيجاد برامج تدريب وإعادة تدريب وتعليم مستمر بأعلى المستويات العالمية. فاذا اجتمع ذلك التعليم مع مثل هذه البرامج سيكون من شبه المستحيل وجود حاجة لاستيراد قوى عمل أجنبية غير عربية لملء المراكز القيادية والفنيَّة. عند ذاك سينحصر الاستيراد في عمالة الأعمال البسيطة كما تفعل الدول المتقدمة.

إن أنظمة حكم تصل نسبة العمالة الأجنبية في بعض دولها إلى نحو ثمانين في المئة من مجمل قوى العمل، ولديها كل هذه الفوائض، يجب أن تتوارى خجلا بسبب ضعف ارادتها السياسية إن هي ارتضت وجود نسب بطالة كالتي توجد في دول مجلس التعاون.

لنأخذ مثلا حقل الصحّة وسنرى أن ما قلناه عن التعليم والبطالة ينطبق عليه. هل يوجد مبرٍّر واحد لعدم وجود خدمات صحية رسمية، وقائية وعلاجية، بأعلى المستويات الدولية؟ ما المانع في أن يكون لدى هذه الدول أفضل الأطباء والممرضات والفنييٍّن وأقدرهم من بين المواطنين؟ ما المانع في المراحل الأولى شراء أعلى القدرات العالمية؟

الواقع أن التساؤلات نفسها يمكن طرحها بالنسبة لتواجد مراكز الأبحاث الرَّصينة والخدمات الثقافية غير المبتذلة والإعلام غير التجاري العولمي المسطّح أو الاستزلامي وغير ذلك كثير.

نحن أمام إمكانية امتلاك ثروة مالية هائلة. ومع أن الكثيرين من مفكّري الاقتصاد، منذ آدم سميث، مرورا بماركس، إلى يومنا هذا، شدّدوا على أن ثروة الأمم الحقيقية ليست هي مقدار المال الذي تملكه وإنما مجموع قدرات أبنائها الإبداعية والإنتاجية، إلا أننا سنخاطر بتذكير أنفسنا بقول الكاتب الفرنسي أناتول فرانس من أن الثروة هي شيء مقدَّس في الدولة التي تدار بنظام حكم رشيد.

وعليه فبالنسبة لنا إذا أدرنا ثروتنا المالية القادمة بكفاءة ورشد فإننا سنحيلها عند ذاك إلى ثروة الأمم الحقيقية: قدرات رفيعة المستوى لدى عموم المواطنين، وهؤلاء سينتجون ثروات مالية مستمرة التدفُّق بعد انتهاء حقبة البترول.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3667 - الخميس 20 سبتمبر 2012م الموافق 04 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 3:11 م

      ألا ليت الزمان يعود يوماً

      لقد ذهبت جودة التعليم عندما رحلت عن منصب وزارة التربية والتعليم في البحرين..

    • زائر 15 | 3:09 م

      حتى يُكتب عند الناس ... كذاباً

      فهل ستتوفَّر الإرادة السياسية وأحلام النُّهوض والسُّمو؟ ... فعلاً ،الدكتور يمتلك الجواب ،وقد أجاب لذلك السؤال بجواب منطقي في مقال " حتى يُكتب عند الناس كذاباً " ـ الخميس 9 مارس 2006 ـ القدس العربي .وتحياتي لكم ... نهوض

    • زائر 14 | 1:48 م

      الى الصين

      يجب عطاء التسعه الى الشعب الصيني لان العربان لن ولن ينتجو

    • زائر 13 | 12:44 م

      للاسف لم يكون هذا المبلغ في ايادي أمينة لخدمة الامة العربية

      أغلبها للامريكان والصهاينة والباقي معروف امره
      والقليل منه للمواطن الفقير.

    • زائر 10 | 4:01 ص

      أنت تملك الجواب

      أنت تملك الجواب

    • زائر 9 | 2:50 ص

      الأنصاف مطلوب ..!

      لو كان هناك توزيع عادل للثروه لما راينا ما يحصل للبحرين فنحن شعب طيب لا نطلب سوا حقوقنا الدنيويه حالنا كحال باقي خلق الله ,,, والمتربصون لهذا الخيرات لن تنفعهم في يوم الحساب ,, والسلام

    • زائر 8 | 2:38 ص

      جزء لصفقات سلاح وجزء في جيوب ممتلئة والباقي فتات ينثر في البلاد (يا من يحوش أكثر)..

      المتوقَع أن تصل الإيرادات النفَّطية لدول مجلس التعاون الخليجي خلال الاثنتي عشرة سنة القادمة، بأسعار البترول الحالية، إلى نحو تسعة تريليونات (أي تسعة آلاف مليار) من الدولارات. فماذا سنفعل بها؟

    • زائر 7 | 2:35 ص

      مع الأسف فإن هذه النصائح الذهبية مكانها .....

      دكتورنا الغالي نصائحك هذه يصعب أن تقدّر بثمن، إلاّ أنها، كما هي عليه بالنسبة لبحوث أكاديمية كثيرة وقيّمة، لن يلتفت إليها،

    • زائر 6 | 2:22 ص

      الرصاصي

      ((وعليه فبالنسبة لنا إذا أدرنا ثروتنا المالية القادمة بكفاءة ورشد فإننا سنحيلها عند ذاك إلى ثروة الأمم الحقيقية: قدرات رفيعة المستوى لدى عموم المواطنين، وهؤلاء سينتجون ثروات مالية مستمرة التدفُّق بعد انتهاء حقبة البترول.)) أهم شيء ان يحدث هذا

    • زائر 5 | 2:11 ص

      الأمر بسيط وسهل في ظل وجود شعوب نائمة

      أولا: شركات السلاح الامريكية لديها الكثير من الاسلحة الخردة والتي سوف نجدها بقدرة قادر تصل الى دول الخليج باسعار خيالية هذا نصف المبلغ افتكينا منه. ثانيا: نوادي القمار واللعب والبذخ الزائد سوف تصل الى ذروتها وسوف نشهد ملياردية جدد في الخليج. ثالثا:

    • زائر 3 | 1:51 ص

      ماذا سنفعل بتسعة تريليونات دولار؟

      الجواب بسيط في أكياس المتنفذين.

    • زائر 2 | 1:41 ص

      لقد اجبت على سؤالك بنفسك يادكتور وليس من احد اقدر على ذلك منك انت الرجل الذي نظر الى جودة التعليم ولم تشغله التعيينات في الوظائف الا انها تحولت الوزارة من بعدك بوزارة التعيينات والمحسوبيات وابتعدت عن مهمنها النبيلة .

    • زائر 1 | 1:18 ص

      شكرا لك يا دكتور .... في الصميم

      مقتبس من المقال : بالمال الوفير يمكن أن يوجد المعلم المثقف الممتهن المدرَب تدريبا جامعيا عاليا، المكتفي ماديا، المحترم اجتماعيا، القادر على تخريج إنسان كفوء مبدع مفكِّر ملتزم بالوطن والقيم. ولكن المعلم الكفؤ اليوم محارب من وزارة التربية والتعليم ... بتوقيفه عن العمل ... بقطع راتبه ... بالكيد له ... بتوظيف المتطوعين من غير النظر إلى مؤهلاتهم الجامعية ... وأبماؤنا وبناتنا خريجوا جامعة البحرين لا وظائف لهم ..... سحقا للطائفية المقيته .... حسبنا الله ونعم الوكيل .

اقرأ ايضاً