فجأة، نشَرَت وسائل إعلام إيرانية، صوراً لعضو المكتب السياسي في حركة المقاومة الإسلامية حماس، محمود الزهَّار، وهو في طهران.
غرابة الزيارة، هي في ثلاثة أمور: الأول أنها أتَتْ والعلاقة بين حماس وطهران، في حالة تباين (أو يكاد) بسبب الموقف من سورية. والثانية، أنها جاءت فجائيَّة، ودون إعلان مسبَق، ولا تفصيل لاحق. والثالثة، أنها جاءت مباشرة، عَقِبَ زيارة الزهَّار إلى لبنان، ولقائه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله سراً، كما تَسَرَّب من مراقبين.
صور لقاءات الزهَّار في طهران، بيَّنَت أنه التقى عَلَناً رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، ورئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي. دلالة اللقاءيْن هي، أن طهران دَفَعَت بلاريجاني للقاء الزهَّار، بغية إظهار موقفها السياسي، من حماس (الحاصلة على الشرعية)، واللقاء الثاني جاء ليُظهِر أن التعاون الأمني والاستخباراتي بين طهران وحماس قائم، وإن بمستويات غير معروفة.
هنا، يتطلب الموضوع توسُّعاً إلى حدِّ ما. فلو قمنا بِجَرْدَة للزيارات العلنيَّة الرسميَّة التي قام بها مسئولون من حماس إلى إيران، خلال الفترة الماضية، سنجد أنها كانت كالتالي: زيارة محمود الزهَّار لطهران، وحضوره المؤتمر الدولي الخامس لدعم الانتفاضة الفلسطينية في أكتوبر/ تشرين الاول الماضي. الثانية زيارة رئيس حكومة حماس المقالة في غزَّة إسماعيل هنيَّة، في فبراير/ شباط الماضي، لحضور احتفالات الذكرى الثالثة والثلاثين لانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية. والثالثة، هي الزيارة التي قام بها الزهَّار مؤخراً والتي نحن بصددها.
هذه الزيارات الثلاث، معطوف عليها التمثيل الحمساوي المقيم في طهران، هو انعكاس لطبيعة العلاقة القائمة بين الحركة وإيران. فهذه العلاقة هي أبعد من ثنائية؛ لأنها تأتي ضمن سياق أعمق، وأدق، وأكثر تعقيداً. فهو يضم المحور المعروف في المنطقة، الذي يشمل إيران وسورية وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة. وهو محورٌ تشكَّل أساساً منذ الثمانينيات، ونما واستوى عوده خلال التسعينيات، وما تلاها ولغاية الآن.
في مفردة العلاقة الإيرانية الحمساوية، فقد ظَهَرَت صلابة تلك العلاقة، بعد صعود حماس إلى السلطة، بعد العام 2006. وأثناء الحصار الذي واجهته الحركة قدَّم الإيرانيون دعمهم لها بشكل متكرر، لكي لا تنهار حكومتها على وقع غياب السيولة والعملة الصعبة والخدمات. فخلال العام 2006، حصلت حكومة حماس على أموال إيرانية ما مجموعه 650 مليون دولار. وفي العام 2007 حصلت الحركة على أموال إيرانية لسد مُرتبات موظفي الوزارات الخدمية العامة كالعمل والثقافة. ثم على مبلغ 45 مليون دولار كتعويضات لسجناء حماس داخل السجون الإسرائيلية، فضلاً عن المساعدات العينية واللوجستية التي أعقبت العدوان الإسرائيلي على غزة.
وقد ذكَرَ صندوق النقد الدولي أنه وفي العام 2006 تسلَّمت حماس سبعين مليون دولار لدعمها في مواجهة البطالة في غزة، وقد تحدث عن ذلك الدعم بشكل تفصيلي فوزي درويش في سياق النفوذ الإيراني في الشرق الأدنى والعراق وأفغانستان، نشَرَه على حلقتيْن.
هذا الدعم المالي، هو الذي جَعَلَ الحركة تقاوم الحصار المفروض عليها. اليوم، تتلقى حماس، عروضاً بالمساعدة المالية من قطر، لكن ذلك الدعم في أغلبه، هو مساعدات قائمة بموافقة إسرائيلية، وهو ما يجعلها مساعدات محدودة، نظراً للصَّلف الإسرائيلي، ومقتصرة في أغلبها على موضوع الطاقة، لتشغيل محطات غزة للكهرباء، ثم غطاءً أمنياً لكوادر الحركة في الخارج، وخصوصاً بعد انكشاف وضعهم الحركي في دمشق، التي تشهد انعداماً واضحاً للأمن، جعلهم يفقدون العديد من كوادرهم، آخرهم كمال غناجة في منطقة قدسيا بدمشق.
اليوم، حركة المقاومة الإسلامية حماس، تعيش صراعاً واضحاً في تحديد تموضعها من الصراع في المنطقة. فهي دَخَلَت أولاً إلى الانتخابات التشريعية وفازت فيها وشكَّلت الحكومة، ثم حصل الانقسام، ولم يعترف بها الغرب، كونها ترفض ما تريده منها الرباعية الدولية، بضرورة الاعتراف بـ «إسرائيل»، لكنها عملياً لم تستطع إلاَّ أن تمنع أي صواريخ تنطلق من غزة باتجاه جنوب «إسرائيل»، سواء من جناحها العسكري، أو من أجنحة عسكرية أخرى لفصائل فلسطينية منافِسَة.
ثم جاء الربيع العربي، وتوالَت الثورات، التي لم تكن الحركة فيها معنيَّة إلاَّ في بلديْن فقط، وهما مصر وسورية. وربما كانت الثورة المصرية، قد شَهِدَت إجماعاً على تأييدها، وبالتالي لم تواجه الحركة أي حَرَج في إبداء الموقف الإيجابي منها، إلاَّ أنها اصطدمت بموقف حلفائها من الثورة السورية، وبالتالي بمسار مصالحها. وهو موقف جَلَبَ عليها العديد من المتاعب. وليس سراً أن نقول، ان حماس التي لم تشهد انقساماً في قياداتها الحديد، رأيناها كيف تتشظى سياسياً من الثورة السورية. ففي الوقت الذي سارت فيه بعض قيادات الحركة باتجاه تأييدها علناً، كإسماعيل هنية، وبعضها غمزاً كخالد مشعل، آثر آخرون السير بمسار النأي عمّا يجري، وتأييد إصلاح النظام في دمشق فقط كحد أقصى، بالضبط كما هو خطاب إيران وحزب الله والجبهة الشعبية – القيادة العامة. وقد مثّل هذا الرأي محمود الزهار وموسى أبومرزوق، والأهم هو الجناح العسكري للحركة، المسمى كتائب عزالدين القسَّام.
هذا الانقسام، كاد أن يؤدي إلى انقسام تنظيمي حقيقي في الحركة، لتنشأ هناك حركتان لحماس، إلاَّ أنه لم يتم بسبب دخول وساطات متعددة، بعضها فلسطيني من الداخل، وآخر إقليمي، وخصوصاً أن العلاقة بين حماس ودمشق، أصبحت حكماً في مستوى متدن جداً، وبالتحديد بين الأسد ومكتب حماس السياسي. والحقيقة أن هذا الانقسام، هو يعكس موقف الحركة المتباين من طبيعة المصالح الإستراتيجية لحماس للمرحلة الراهنة والمستقبلية.
في كل الأحوال، فإن زيارة محمود الزهَّار لطهران تأتي لوقف أي تدهور يمكن أن يحصل في العلاقة مع إيران، بسبب الملف السوري، وخصوصاً أنها مُموِّل قوي لحماس. كما أنها تأتي لتؤشر على الموقف الصعب الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، الذي حَارَت قياداته في تحديد مصالحه. والتساؤل: ماذا يمكنها أن تقول وماذا تعمل، وأين تقف، وسط كل هذه التعقيدات في العلاقات الداخلية والإقليمية والدولية.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3656 - الأحد 09 سبتمبر 2012م الموافق 22 شوال 1433هـ
الخاسر الاكبر...
هي القضية الفلسطينية في كل الاحوال .. ولا نعرف لماذا والي متي يزج بالقضية في اتون الصراعات الدائرة في المنطقة منذ تاسيس الكيان الصهيوني والي الآن. كل الحكومات اكانت ملكية ، جمهورية ديمقراطية او ديكتاتورية او أحزاب اسلامية تستغل القضية لصالحها والنتيجة هي الكثير من الخسا ئر والتراجع في أهمية القضية علي جميع المستويات وعلي راسها الشعب الفلسطيني.
مصلحة حماس
مصلحة حماس مع من وقف معها في الوقت الذي تخلى عنها بل وحاصرها الاعراب ..فهل تدرك اين مصلحتها؟
مع الأسف
حماس يا أخي الكريم لم تعرف مصلحتها وخصوصا بعد أن أصابها اللبس بعد فوز الأحزاب الدينية في مصر وتركيا وتونس