العدد 3656 - الأحد 09 سبتمبر 2012م الموافق 22 شوال 1433هـ

«الوسط» ليست على قطيعة مع الفرح... إنها تحاول صناعته

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

أن تكون «وسَطياً» في اضطراب، تلك مشكلة. أن تكون صاحب مشروع اضطراب في محيط «وسَطي» لا مشكلة في ذلك على الإطلاق؛ بل ستجد من يرفدك بالتوجّه الجهنمي ذاك بكل ما تحتاجه وما لا تحتاجه أيضاً.

الأول ليس بالضرورة أن يفشل ولن يفشل. يكفي أنه يتحرّى الموقف الذي يجب أن يُسجّل من دون محاباة أو رهبة أو خضوع إلى ابتزاز وتهديد؛ أو حتى إغراء. الثاني ينطلق من ردّ فعل على الأدوار التي هي بالفطرة مطلوبة ومتجانسة مع طبيعة البشر - بتوجيه من أطراف لأنه لا يملك قرار أن يفعل أو لا يفعل -. حدِّث البشرَ بما يشبههم ويعنيهم ويعمّق حضورهم؛ ولا تحدِّثهم عن النقيض من ذلك.

في الحديث عن صحيفة «الوسط»، يجب معرفة أن كل مساهميها لا يتلقوْن مساعدات اجتماعية أو ينتظرون على أبواب بعض الهيئات لطلب معونة الشتاء والصيف، وليس في ذلك عيب إطلاقا. كلهم من أرباب الأعمال ومن وجهاء والفاعلين في مؤسساته وهيئاته في صورة أو أخرى. وحين عقدوا العزم على تأسيس مشروع «الوسط» لم تك علاقتهم مع جميع الأطراف متوترة ومتحفظة عن أداء هنا أو هناك، أو كانوا يبحثون عن منفذ انتقام أو تشهير وبتصريح رسمي وضرب من فوق الحزام أو تحته. كل ذلك تعرفه الأطراف والمحسوبون عليها.

ترخيص الصحيفة تقدّم به الراحل سماحة العلامة الشيخ عبدالأمير الجمري إلى عاهل البلاد وتمّت الموافقة عليه لمعرفة العاهل بدور الرجل الكبير والمشروع والروح الوطنية السبّاقة التي يحملها ولم يتوانَ لحظة عن الاضطلاع بذلك الدور كما يجب.

كان ذلك في مرحلة ظن كثيرون أنها ستستمر وتتطوّر وتتراكم ويسفر عنها مشروع تتسابق دول وتجارب حديثة وناشئة للاقتداء بها وتمثلها.

«الوسط» كانت جزءاً معنياً بالمشروع الإصلاحي منذ بدايته؛ بل هي من قدّمت أداءه إلى العالم عبر تعاطيه مع القضايا والإرهاصات والمشكلات في الداخل. لم تكن تتصيّد الأخطاء والتجاوزات؛ بل كانت تنبّه إليها وتطلب إصلاحها عبر خبر هنا وقصة فيها من التجاوز هناك وفساد وتنفذ وتسوير هنالك.

في فترة رفاهية هامش كانت «الوسط» تتحرك نشراً لأكثر من تقرير وخبر وقصة وحادثة يتم السكوت عليها من قبل الجهات المختصة وكأنها لم تكن أو تبرز أو لها ما يدل عليها أساساً. كانت مجمل الصحف تتجنّب «الفتنة». الفتنة بحسب تصنيفها وتعريفها وتنأى بنفسها عن التهلكة تذكّراً، لا امتثالاً لقوله تعالى «ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة» (البقرة: 195). ولست أدرى إن كان للتذكّر أي حضور في المسألة. ربما لأنها تراعي تاريخاً وأرشيفاً سيُقدّم إليها ذات مساءلة؛ لذا كان تجنّب الملفات الصعبة سمة غالبة.

«الوسط» كانت تعي الدرس وتذهب في تبنّي الملفات بحكمة ودراسة أيضاً. وبالعودة إلى أرشيف الصحيفة التي استطاعت أن توثقه وتجمعه إلكترونياً، وأزعم أنها من بين قلائل من بين نظيراتها في الحقل في المنطقة إن لم يكن عربياً، يمكن الوقوف على ما ذهبتُ إليه، والوقوف على الأرشيف ورصْده. كما أنها الوحيدة من بين الصحف التي يمكن الوقوف على كمّ هائل من الملفات المزعجة والمقلقة والمكلفة لها؛ لكنها مع ذلك لم تتردّد في التصدي لها وتناولها إلى أن تم حل جزء كبير منها. ولنا في ملف جدار المالكية وغيره من الملفات شاهد لا يمكن نكرانه أو القفز على المساهمة في حله باتزان ووسطية وبعد نظر وحرفية ملفتة. ومحاولة التعامي والنكران و «التطنيش» لتلك الملفات من قبل بعض الصحف لا يدخلها دائرة النفي والعدم!

الذين شتموا وسخّفوا ونسبوا الصحيفة إلى جمعيات معارضة وتجاوزوا كل ذلك وصولاً إلى التجريح والتخوين والتوغل إلى مساحات شخصية طالت ونالت من كتّابها ومنتسبيها، لن ينالوا في نهاية محاولاتهم – يأساً - أياً مما يسقط الذي يواجه الخلل ليرفع من يصفق له ويدعو إلى المزيد منه!

هم كالذي يصرخ من قيح طغى في نفسه فشلاً في وضع حد لدائه وأمراضه، ويرى غيره من الأصحّاء أو الذين يحاولون أن يكونوا كذلك، تهديداً لتفاهته وعدم جدواه وحضوره الطارئ والمتطفل في كل حركة وقيمة.

هل كانت «الوسط» في عمق ولبّ التحديات وحتى التهديدات التي واجهتها، كانت تعمل وترصد وتوثّق من أجل جائزة في محفل محلي أو إقليمي أو عربي أو دولي؟ ظل تطلّعها إلى القارئ البحريني والخليجي والعربي سواء اتفق معها أو اختلف. الاختلاف عليها وحولها يزيدها قيمة فيما تُقدّم وتتناول وتطرح وتثير وتحاول أن تعالج وتحل. ما قدمته ومارسته هو الذي عرّف العالم بها ووضعها في مكانتها بالاعتراف بأدائها وحرفيتها وحياديتها وشجاعتها وتحمّلها لكل هذا الطوفان من البذاءة والتخوين والشتم؛ فيما الآخرون في الهامش من الالتفات إليهم لأنهم لم يقدموا غير من يمثلونهم في مراكز قوى وجهات متنفذة. لم يقدموا غير مزيد من شرعنة الاستمرار في الخلل والتجاوز والدعوة إلى المزيد منه.

«الوسط» ليست مشروعاً تجارياً يرمي إلى ربحية تنافس المصارف وغيرها من المشروعات المعلنة وغير المعلنة. «الوسط» مشروع يتحرّى الدور المسئول والحضور المسئول والرصد المسئول والأمانة المسئولة، ولا تدّعي في الوقت نفسه أنها بمنأى عن الأخطاء. من يصرّح بذلك هو مجمّع أخطاء ومتورط ومتوغل فيها، كما يفعل كثيرون ضمن دائرة الممارسة؛ ولكنها ممارسة تتحرّى الفتن والتفتيت والتقسيم وشهادات الزور والتبعية وانتظار فرمانات أن تكتب أو لا تكتب.

تلك تفاصيل استيعابها يُعد ضرباً من الجنون وتحدّيها تمسكاً بالمهنية ومسئوليتها؛ على رغم النتائج والكُلَف. كل ذلك يُعدّ ما بعد مرحلة الجنون بمراحل!

ختاماً، «الوسط» محاولة للتنبيه للخلل ووضع حد له. محاولة لعدم ممالأة التجاوز والجلوس معه في سهرة يحدَّد زمنها وتفاصيل برنامجها. سهر كذاك لا يعني «الوسط» ما لم يكن سهراً على إنسان هذه الأرض وقضاياه ومشكلاته ومآزقه وحزنه وفرحه أيضاً. ليست «الوسط» على قطيعة مع الفرح. إنها ممن يحاولون صناعته. هي على قطيعة مع من وما يصادر ذلك الفرح. إنها جزء ممن يشتركون في أن يكون الفرح قاسماً بين كل البشر والأوْلى أن يكون قاسماً مشتركاً هنا من دون تمييز ومجاميع تلوّح براياتها الخاصة هنا وهناك.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3656 - الأحد 09 سبتمبر 2012م الموافق 22 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً