العدد 3646 - الخميس 30 أغسطس 2012م الموافق 12 شوال 1433هـ

العلاقة بين الطبيب والمريض

نهاد نبيل الشيراوي comments [at] alwasatnews.com

استشارية العناية المركزة والأمراض الصدرية

غريبة هي العلاقة بيني وبينك. لا شبيه لها ولا مثيل. كلانا بحاجة للآخر وإن اختلفت دواعي حاجاتنا.

حاجتك لي واضحة جلية لا تستطيع أن تخفيها، وحاجتي لك خفية مستورة يمكنني أن أخترع لها ألف اسم. في موقف ضعف أنت، وأنا أمامك أدعي القوة أو أتخيلها.

لم تعرفني من قبل ولا أعرفك. تحدثني عن نفسك، تكشف لي أسرارك، تعري مواطن ضعفك، تبوح لي بماضيك وحاضرك، وأظل أنا أمامك صامتة مستمعة محللة مفكرة.

تنظر إلي متسائلا «خائفا»، وأبادلك النظرات محاولة أن أخفي وجلي وحيرتي. أسألك فتجيبني أو لا تجيب. أفكارك مشتتة وقصصك بلا رابط. تريدني أن أفهمك بلا كلمات، وأحللك بلا سابق معرفة. لا يمكنك أن تفهم أنني بشر مثلك ولست نصف إله. لا أريدك أن تراني بصورة غير صورتي. لست ألبس قبعة السحرة ولا أملك عصاتهم السحرية.

لن أستطيع أن أبدل لون جلدك أو أعيدك شابا في العشرين. لا أقدر أن أصلح أخطاء السنوات في لحظة. تحتاج لعلمي وأحتاج لصبرك وإيمانك بي. تحملني فأنا لا أملك الإجابة على كل أسئلتك. ترفق بي فأنا لا أعرف الغيب ولا يمكنني توقع المستقبل. ساعدني لكي أساعدك. امنحني ثقتك لأعطيك كل ما أستطيع. ضع نفسك مكاني حتى يمكنني أن أشعر بك. وتوقف عن ترديد عبارة «مش أنت الدكتورة؟ يجب أن تعرفي كل شيء!» الجوفاء، لأنني طبيبة ولست عرافة!

علاقتي بك هي الأخطر على الإطلاق. فأنت لي كتاب مفتوح. حاجتك لي سلاح ذو حدين. لو كان ضميري كائنا «حيا مستيقظا»، فأنت في أمان. وإن كنت قد دفنت هذا الضمير وواريته الثرى (فعليك وعلى أسرارك السلام)! مشكلتك أنك قد تراني ساحراً يملك إجابات على كل أسئلتك، وحلولا «لجميع مشاكلك. رأسك يؤلمك، فتظنني أملك عينا» سحرية أنفذ بها إلى دماغك، وأشخص موطن علتك، وأعرف إن كان علاجي سيشفيك أم لا.

تتسارع دقات قلبك، فتتوقع أن أخبرك بتشخيصي في لحظة. أصف لك دواء ولا تأخذه حسب وصفتي ثم تشتكي من سوء علاجي. تخرج من عندي وأنت لا تصدقني، وتزور طبيباً آخر ولا تصدقه، وتظل تتنقل بيننا كأنك في سوق تجاري تتذمر من سوء بضاعتنا!

بشر أنا مثلك، أملك مواطن قوة ولي نقاط ضعف عديدة لا أريدك أن تعرفها.

حرمت نفسي وماأزال أقسو عليها حتى أساعدك. حياتي كلها بين الكتب والمراجع ومع الامراض والآلام لكي أتمكن من رسم ابتسامة على وجهك. لست أنت وحدك من يصاب بالصداع، فأنا أيضاً لي أوجاعي. لست وحدك من يخاف، فلي مخاوفي وشكوكي. أنت واحد من العشرات الذين أراهم كل يوم، فلا تغضب إن نسيت اسمك، أو محيت من ذهني إحدى تفاصيل مرضك. لا أملك (قرصاً صلباً) كالحاسب الألي أسجل عليه معلوماتك وبيانات المرضى سواك. اعذرني إن شردت أحياناً، فأنا أحاول أن أربط بين الخيوط المختلفة لأصل إلى تشخيص مرضك. لا تلمني إن لم يشفكِ دوائي، فأنا لا أملك وسيلة أتوقع بها كيف سيتفاعل جسدك مع علاجي. لا تصفني بالإهمال إن نزفت بعض الدماء أثناء الجراحة، فحتى أكبر الجراحين في العالم ينزف مرضاهم. لا تقارني بغيري، فلست أشبه الطبيب الذي عالجك في أميركا، ولا أملك إمكانيات ذاك الذي باشرك في ألمانيا. لا تخرج من عندي وأنت تقول «هذه الدكتورة الغبية»، كما وصفت غيري عندي بالغباء!

أعدك بأني لن أخذلك قدر استطاعتي. أعدك بأنني لن أكشف أسرارك ولن أبوح لمخلوق بنقاط ضعفك. أعدك بأني سأسمع لشكواك بعقل متفتح وقلب متعاطف وسأحاول المستحيل لتخرج من عندي راضياً. أعدك بأني لن أجعل من جسدك حقلا لتجاربي ولن أتردد في طلب مساعدة من هم أوسع مني خبرة إن وصلت معك لطريق مسدود. أعدك بكل هذا وأكثر إذا ما فقط وعدتني بأن تراني بشرا ولستُ ساحرا أو نصف إله!

إقرأ أيضا لـ "نهاد نبيل الشيراوي"

العدد 3646 - الخميس 30 أغسطس 2012م الموافق 12 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 11:32 ص

      زميلة

      شكرًا لأنني طبيبة مثلك ووصفتي معاناتنا نحن أيضاً من حيث ضيق الوقت وعدد المرضى وقلة التقدير والشك في العلاج والقليل من الشكر ، لكن نظل نلتمس العذر لهم ويا حبذا لو التمسوه لنا .

    • زائر 11 | 10:22 ص

      جراح

      كلام جميل\r\nشكرًا لكي\r\n

    • زائر 10 | 10:21 ص

      الله يحفظكي يا دكتوره

      \\r\\n\\r\\n\\r\\n\\r\\nزد

    • زائر 9 | 10:20 ص

      لو كا ن الوفاء

      لو كان الوفاء والتسامح والتضحية تتكلم لصدحوا باسم نهاد الشيراوي

    • زائر 8 | 9:07 ص

      اعذرني فانا لست نصف اله ممتاز

      نعم الطبيب كائن حي كالمرضى الذين يزورونه فلا تحملونه اكبر من طاقته.

      ثانيا شكرا للدكتوره على توضيح اشياء كثيره تعلق في اذهاننا عند زيارة الطبيب فقد استفدت شخصيا من هذه المعلومات القيمه وياريت نستفيد من المقالات الاخرى التي نقراها كل يوم بنفس المقدار .

    • زائر 7 | 8:48 ص

      مقال لطيف

      قلما يطرح هذا الموضوع او يناقش خصوصاً من قبل الاطباء فشكراً دكتورتنا العزيزة على تسليط الضوء علية.

    • زائر 6 | 4:09 ص

      اين الانصاف

      الدكتورة والمرأة الرائعة السيدة نهاد
      قد تجدين ان عدد الردود على مقالاتك محدود
      هذا لايعكس قلة الجاذبية في حديثك او ضعف المضمون في كلماتك وازعم ان السبب هو انشغال الناس في همومهم السياسية والمعيشية الضاغطة والتي تجعلهم مهتمين اكثر بمواضيع تلامس جروحهم ولست مطالبة بتلبية اهتمامات كل القراء
      موضوعك هذا يعبر عن رهافة الانسانية فيك والصدق مع الذات والاخرين بكل شفافية
      فمن ينصفك بعد مالاقيت من جحود وجروح ولازلت؟؟

    • زائر 5 | 4:05 ص

      اعدت قرأت المقال اكثر من مره ..

      من خلال كلماتك الجميله و الراقيه و المعبره تتحلى مدى قدرتك و مدى ثقافتك .. فلا اخفي عليك يا امل الغد المشرق بأن ابنتي دكتوره و قد نصحتها في الحال ان تقراء مقالك لما له من فائده كبيره في حياتها العمليه .... فلك مني يا دكتورتنا الف تحيه و سلام ..

    • زائر 4 | 3:18 ص

      فاطمة يحيى الغزواني

      بصراحه يا دكتورة كلماتك مثل العسل مع أني لا أعرفك ابداً ولكن سطورك تظهر ما في نفسك كلماتك رقيقه ومعبره وراقيه كأنتي

    • زائر 3 | 3:02 ص

      التشخيص نصف العلاج

      دكتورة نهاد..
      لقد أجدت في مقالك تشخيص العلاقة بين الطبيب والمريض ووصفتها بأدق تفصيل وهي ما نحتاج معرفته عند دخولنا عند الأطباء وما نأمل أن الطبيب كذلك يحمله..
      كلماتك تخرق الأفهام لأنها جاءت من رحم المعاناة والمعايشة تشرح فكرة ( إفهمني لأفهمك ) علاقة وطيدة بين الطرفان...
      دُمتِ موفقة وشُكِرَ عطاؤك

    • زائر 2 | 2:33 ص

      فلسفتنا

      جميل جدا هذا البوح يا دكتورة ، استعراض جميل للحالة النفسية و الخلجات التي تراود المريض و الطبيب ، ننتظر المقال القادم ، تقبلي فائق التحايا

    • زائر 1 | 10:53 م

      شكرًا

      كلام جميل ونحن كمرضى نحتاج تلك المعامله التي تكلمتي عنها تحتاج لذلك الطبيب الذي يسمع يبتسم لايحكم غلى الشكل لاتدخل وهو مشغول بهاتفه

اقرأ ايضاً