«والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت

إلا وحبّـك مقـرون بأنفاسي

ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهــم

إلا وأنت حديثي بين جلّاسـي»

بين الواقع والفن وهو يحاكي الواقع كما علّمنا المسرح أساساً؛ تدور رحى النظرة إلى الإسلام والتمنطق به سواء في مسلسلات شهر رمضان الماضي أو خلال الواقع السياسي العربي اليوم وهو واقع لا ينفصل عن الإسلامي عقيدة وإن كان جغرافياً لهو كذلك.

وما كتب في مقدمة الموضوع من كلمات شعرية هي مقطع ورد في المدخل الإعلاني لمسلسل رمضان المصري «الخواجة عبدالقادر» من تأليف عبدالرحيم كمال، والذي تدور أحداثه بين فترتين من الزمن، الأولى: خلال الحرب العالمية الثانية والتي تتناول قصة (هيربرت دبر فيلد) العجوز السكير الذي لا يرى فائدة في الحياة وينتظر الموت أن يأتيه، إلى أن يسافر للسودان لظروف العمل في فترة الأربعينيات من القرن الماضي، فتتغير وجهة نظره حيال الأمر، ويخرج رويداً من حالة الاكتئاب التي كانت تلازمه بعد إعلان إسلامه على يد رجل صوفي ليتسمى باسمه. ثم يسافر إلى صعيد مصر زمن السيطرة الانجليزية ويقع هناك في حب فتاة مصرية، ليبرز المسلسل صراع الثقافات الغربية والعربية.

والفترة الثانية: تتناول السنوات الأخيرة من القرن العشرين، وفيها تسرد قصة (هيربرت دبرفيلد) أو (الخواجة عبدالقادر) بعد اعتناقه للدين الإسلامي على لسان أهل القرية التي سكنها وأقاموا له مقاما بها. المسلسل من بطولة يحيى الفخراني وإخراج ابنه شادي الفخراني.

وفي هذا السياق يلاحظ أن أهم مسلسلات هذا العام والتي تناولت الشأن الديني والطائفي كانت مسلسلات العائلات المصرية. فنجل عادل إمام، رامي إمام، يخرج لوالده مسلسل «فرقة ناجي عطا الله»؛ وشادي الفخراني، يخرج لوالده مسلسل «الخواجة عبدالقادر»، والاثنان ينجحان في العملين.

لكن ما يلفت النظر في السواد الأعم لفن الشاشة الصغيرة في شهر رمضان، مع أنها لم تعد كذلك مع توافر الشاشات العملاقة في البيوت، أن هناك طرحا عشوائيا أو متفقا عليه، دون علم المتفقين، للعديد من القضايا الدينية إسلامية وغيرها وبالذات الطائفية منها بشكل علني نوعاً ما في فضاء أساسه وتقنياته غربية!

حتى أن أحد الكتاب المصريين علق على مسلسل «الخواجة عبدالقادر» الذي اتسم بالصوفية ومدح كرامات الأولياء وأصحاب المقامات، بالقول: «المؤكد أن المسلسل جاء في وقته، بعد أن اهتمت السلفية بالمظاهر وانشغل الإخوان بالسياسة. والمؤكد أن الصوفية ليست صوفية البدع والموالد، ولا صوفية مشايخ الطرق الذين تصارعوا على المناصب، هؤلاء لا أعترف بأنهم صوفية أصلا، ولكن الصوفية التي أعنيها هي تزكية القلب. مصر عاشت صوفية أكثر من ألف عام! ومعظم مشايخ الأزهر في تاريخها الطويل كانوا من الصوفية».

والغريب أن المسلسل أنتج وعُرض على إحدى الشاشات العربية التي لا تعترف بكرامات المقامات ومن دفن بها، وهذا ما حير المشاهدين والمتابعين، ولهذا أشار أحد الكتاب المصريين إلى أن الخواجة عبدالقادر يعتبر علامة فارقة في الدراما والإنتاج المصري، وأن شادي الفخراني أثبت أنه مخرج مهم وقدم عملاً متوازناً.

وبما أن الموضوع له علاقة بالدين والطرق الصوفية، فقد أوضح كاتب السيناريو، عبدالرحيم كمال، رأيه بداية وضد من تقول وهاجمه على كتابة هذا النوع من المسلسلات وخصوصاً من قبل من يعتبرون أنفسهم حماة الدين فقط؛ ان قصة المسلسل حقيقية، وان الخواجة عبدالقادر ألماني الجنسية، وليس إنجليزيا كما هو موجود في المسلسل، حيث إنه قِدم لمحافظة (سوهاج) للعمل كمهندس واعتنق الإسلام. لكن فكرة المقام لم تكن موجودة في القصة الحقيقية، وإنما كانت الفكرة في اختيار الخواجة البقاء بالصعيد وعدم العودة لوطنه. المسلسل لا يطرح صراعا مع السلفيين في الشخصيات التي تحاول هدم «المقام» بقدر ما يرد الأشياء لأصولها الحقيقة بالحب. هنا أطرح فكرة بناءة وهي حب المكان، وما بني بالحب لا تستطيع أن تهدمه أي يد بشرية.

إن المسلسلات التاريخية لا تطمح إلى بعث الأشخاص وإحيائهم بقدر ما تطرح التساؤلات الإنسانية في جميع الأزمنة والحقب التاريخية. إن فكرة التصوف الموجودة في المسلسل توصلنا للحقيقة الخالدة في الدين الإسلامي وهى أن: «الله لا تسعه السموات والأرض وإنما يسعه قلب إنسان مؤمن».

وهنا تداخل معه متابع لهذا العمل وهو صوفي من السودان أوضح حقيقة أخرى طريفة ومهمة عن ذاك الغربي الذي دخل الإسلام بالصوفية وليس بالسلفية، بقوله إن الخواجة من جنسية ألمانية ومهندس كان يعمل في خزان جبل (أولياء) بالسودان ورأى في المنام أحد الأولياء الصالحين من السودان يحدثه بأنه هو الشيخ عبدالباقي المكاشفي يسكن في قرية (الشكينيبة) جنوب مدينة (المناقل) بوسط السودان.

فسأل عن المنطقة ووصل القرية ووجد الشيخ نفسه الذي رآه في المنام فانبهر بكراماته وأسلم على يديه واعتنق الطريقة (القادرية المكاشفية). وقال ان لديه ما يؤكد كلامه وهو وثيقة من إدارة الجوازات والجنسية المصرية لسنة 1951 تشير لاستخراج شهادة جنسية مصرية باسم (جليوس فاجوين جون) المعروف بعد إسلامه بعبدالقادر عبدالباقي المكاشفي، وعاش في السودان وليس صعيد مصر، ومقامه موجود في قرية (وداب امنة) جنوب قرية الشكينيبة موطن الشيخ عبدالباقي المكاشفي».

وبما أن الواقع الإسلامي المتناحر اليوم، وفق أجندة محددة ومرسومة تمويلاً وتنفيذاً بعناية فائقة، قد فرض نفسه بعد الربيع العربي على الساحات الدينية، الطائفية، الاجتماعية، التربوية، السياسية، والاقتصادية... لهذا انعكس بشكل جلي على مسلسلات العرب الرمضانية، إلا الخليجية منها. ولكن ما يعيب النظرة الفنية في مسلسلات العرب عن الإسلام والمسلمين أنها لا تعرف من المسلم إلا السلفي المتشدد الذي يؤمن بالقتل والتدمير والحرق والجلد والتكفير، أو المسلم العصري، أو المعتدل كما تسميه أدبياتهم، الذي يؤمن بالعقائد الإسلامية والصلوات الخمس وبقية التكليفات إلا السياسية منها فدعها للخالق لأنها تجلب المشاكل.

وهى تُظهر هذا المسلم المعتدل أنه لا يضره لو آمن ببعض الغناء الخفيف والغزل العفيف ومجالسة أهل الظلم والفساد، فهكذا يكون الإسلام مفهوماً ومقبولاً عند الغرب. هذا ما كان من شخصية الشيخ حسن في مسلسل عادل إمام «فرقة ناجي عطا الله»، وإن كان يمثل وسطاً بين المعتدلين والمتشددين، لكن العمل أظهره بعدم التورع عن سرقة بنك صهيوني في فلسطين المحتلة بحجة أنه من «الغنائم وقت الحرب»! وحين عرج المسلسل على لبنان والمقاومة الإسلامية لم يظهرها إلا أنها تستغل فرقة عادل إمام لأسر صهاينة، أي كانوا، لمبادلتهم بالأسرى العرب لدى الكيان الصهيوني.

مع أن الجميع يعلم، وإن كان كاتب القصة لا يعلم فهذه ثقافته، أن المقاومة الإسلامية لا تبحث عن أي أسير بل هي تقوم بأسر الجنود الصهاينة. فالقضية ليست مسلسلات للربح المادي! وعندما جاء الكاتب إلى العراق حاول الغوص في الصراع الديني الطائفي المفتعل هناك بأيد خارجية معروفة للجميع ولكنه سفه القضية بعبارات كوميدية مصرية شعبية بقول إمام: «صراع دول مع دول وموقف دول مع دول» ذلك أن صاحب العمل يعلم لو كشف الحقيقة فيمن أسس للصراع الطائفي في العراق لما استطاع تسويق مسلسله عربياً... وللحديث تتمة.