العدد 3640 - الجمعة 24 أغسطس 2012م الموافق 06 شوال 1433هـ

سكوت عن الثرثرة وآخر طلباً للجوء

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

يسكت الكاتب، المفكر، الشاعر، الفنان، الداعية، العالم، الإنسان البسيط عن صور الخلل من حوله فتحتقن الحياة ويضطرب نظامها. السكوت ليس علامة الرضا هنا فحسب. إنه تواطؤ ومشاركة فيما يحدث.

السكوت عن الخلل يشرعنه ويمنحه صك القيام بدوره والاستمرار فيه بكل حرية وسعة مجال. السكوت في المواضع والمواقف والأوقات الحرجة إجهاز على الزمان والمكان وما يتحرك فيهما.

كل الأزمنة التي ساد فيها السكوت وعمّ من قبل نخبة المجتمعات في الأوقات المضطربة مثّلت تراجعاً ونقصاناً في أعمار وإعمار الأمم. ونقصان الأعمار لا يتيح ساعة من إنجاز وفرصاً من تراكم ذلك الإنجاز.

والحكمة الشائعة: «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب» لا تنطبق ولا يمكن أن تنطبق على أمم أدمنت الكلام فيما لا يعنيها وغضت البصر عما يعنيها طلباً للنجاة ونأياً بنفسها عن ضريبة الكلام الذي يصحح ما اختل ويعيد إلى الجادة ما شذّ ونأى.

كل هذه الإخفاقات والقلاقل والتراجعات هي في وجه من وجوهها صنيعة السكوت على الأسباب التي أدت إليها ونشأت بسببها.

ولكي يكون السكوت من ذهب، بالعودة إلى الحكمة الأثيرة التي نستشهد بها وتحضر في أوقات فراغ وسعة وأحياناً أوقات هروب من مواجهة المشكلات، بتنكّب طريق ما ينفع الناس في دنياهم بحثاً وعلماً وجدّاً وتنافساً في حقول تتزاحم أمم العالم في سبيل نبل السبق هنا والفتح هناك؛ لا الصمت الذي يحضر ويجيء لأن الكلام نفد أساساً ولا محل له ما يشبه الكلام.

ويمكننا في الوقت نفسه أن نسترجع كلمة جلال الدين الرومي: «أيها الفم إنك فوّهة الجحيم» لنفهم منها سياقاً آخر يرمي إليه؛ ليس بالضرورة المعنى المباشر في محصلات ما يصدر عن المرء حين يفتح فمه بكلام فيه حتفه وله ضريبته ونتيجة موقف يتخذه وينحاز إليه، بل أيضاً يمكن فهمها في أن الفم نفسه يمكن أن يكون جحيماً على من استمرأ العبث بالحياة والخلق حين يواجه ويُجابَه ويشار إليه بما ارتكب وتجاوز.

وفي استشهاد وسرد سيطولان لو أمعنا فيهما، تحضر مقولة الروسي تشيكوف: «الصمت هو أحد فنون المحادثة»، وعلينا أن نفهمها ضمن سياقها لا أن ننحرف بها إلى وجهات تستثمر في أوضاع متأزمة وضاربة في شبه انفلاتها. وهو إذ يشير إلى المحادثة يحيلنا على سعة في الحال وهدوء في الوضع وليس فناً (الصمت) للتعبير وإحداث فرق بين ما هو قائم على علاته وبين ما يجب أن يكون عليه الحال ضمن دورة الحياة الطبيعية وما يرتبط بها.

والصمت/ السكوت باعتباره «أحد فنون المحادثة» لم نرقَ إليه في واقعنا المهترئ والمصاب بأكثر من عقدة ومرض وانكشاف واستيلاء بكل أنواعه. إنه الصمت/ السكوت على التخلف وتعميقه وحال الخلل وجعله سنّة وعرفاً وحال الجمود وجعله موتاً حاضراً وماثلاً وحال الفساد وجعله ضمن منظومة أخلاقية مكرّسة وحال القمع وكأنه مصير عادي ومحتّم على كل منا أن يلوذ بسكوته كي يتعاظم ويتضخم!

باتت الأعصاب والأعمار في تلَف بسكُوتين: سكوت لا نفهم جدواه ومعناه ونجهل استثماره فيما يبعدنا عن الثرثرة سعياً إلى إنتاج يحقق لنا مركزاً وموقعاً بين أمم العالم؛ وسكوت نلوذ به ونلجأ إليه ونتشبث به كلما استفحل الخطب وتغوّل الفساد والخلل، وتلك مأساة صرنا على تعايش طبيعي معها بسكوتنا الذي يبدو ألا شيء سيكسره.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3640 - الجمعة 24 أغسطس 2012م الموافق 06 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:04 م

      حالة من الحالات المستعصية

      قد لا يكون السكوت علامة الجودة لكنها حالة يصاب بها الانسان. فمتى كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.
      فالرضا له اشارات كثيرة دالة عليه، منها الابتسامة أو العيون التي تكشف ذلك. فصمت الطفل وعدم بكاءه عند ما يكون حفاظه غير مبلل ومعدته لسيت خاويه قد تكون حالة الشبع وعدم البلل فيها راحة لذا، الطفل راضي عن ما هو فيه. بينما حالة المراة أو الرجل عند ما الاجابة غير معروفة أو ما العمل يكونان في حيرة وليس رضا.
      فهل سكوت العالم أو الظالم فيه رضا؟

اقرأ ايضاً