العدد 364 - الخميس 04 سبتمبر 2003م الموافق 08 رجب 1424هـ

انتهى النقاش... اغتيال الحكيم يضع النقاط على الحروف

عدنان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

صحافي بحريني

جريمة الاغتيال التي تعرض لها الجمعة الماضي السيد محمد باقر الحكيم لم تكن جريمة في حق هذه الشخصية العلمائية فحسب، وإنما هي في الوعي العام جريمة في حق العراق. وهي جريمة تذكرنا بثقافة الغدر التي جبل عليها أصحاب الطموحات الشديدة الاخفاق التي تُعمل للآخر، وتتغلب فيها أوليات التبرير دائما على أوليات التحدي والاقتحام المباشر، وهو فكر يتميز بـ «الهروب» ولأنه كذلك فهو يتخيل عملية الغدر التي قام بها في حق هذه الشخصية النبيلة... الغدر الذي عرفت به التجربة العربية النمطية في الفصل السياسي فهو يتمحور حول التاريخ وأي تاريخ، تاريخ الرجعية العربية السوداء التي تدعي زورا وبهتانا الاقتداء بالسلف والاستسقاء من المخزون والمستدعى ليبلسم الجرح النرجسي النازف من أجل احياء أدبية الاسقاطات التأثيمية للاعتداء علينا في محاولة منه لرد الاعتبار التعويضي «التعويض الاعتباري» ناسيا ومتناسيا ان دروس التاريخ قد علمتنا ان مثل هذه الجرائم الصادمة التي استمر عليها والتشنيعات التي اعتمدها كصيغ في الاستتباع لبث بضاعته ورأس ماله لا يمكن ان تنتج التعويض وان النتيجة معروفة مسبقا ألا وهي ان هذا الفكر المقفل الذي يعتمد أسلوب الغدر للتعويض بغية إحداث ثقوب للاختراق مازال يفتقر الى ابسط ملكات الوعي بما حدث ويحدث وسيحدث.

إن اغتيال سيدالعابدين في النجف آية الله الحكيم وان كان اشبه بخنجر مسموم قد اخترق خاصرة العراق الجنوبية لن يوفر الاطمئنان الناقص ولا التعويض لرد الاعتبار، حتى لو تم احياء الأدبية النمطية التي تغذت على الغدر واستدعى الاستقواء بخلافة الكرة التي يتلاعب بها صبيان بني أمية، والخطاب اليزيدي الكرية الذي وللأسف ترتب عليه الأمة، خطاب الشقاق والنفاق فالذين تطاولوا على حياة هذه الشخصية الفذة لم يكن هدفهم اسكات هذا الصوت الذي طالما كان يجلجل في الوطن والمنفى ضد المارقين والمنحرفين والطغاة والمستبدين وانما كان هدفه ضرب وحدة العراق شيعة وسنة عربا وأكرادا واقليات اخرى، والعبث بأمن المنطقة الاجتماعي والسياسي والأمني، وخلق ظروف استثنائية لدغدغة الجذور وعواطف الجماهير لكي يتسنى لهم رصف الشوارع بالرعب، وتعبيد الطرق بالرياح الصفراء لإحياء ذلك الليل المظلم لزعزعة الثوابت الاجتماعية والأمنية والطائفية في المنطقة لكي يتسنى لخفافيش الليل العمل لترويج بضائعهم الفاسدة وتعميم الخراب الذي أشاعوه في كل أرض وطأتها أقدامهم بحثا عن مزايا الزعامة السياسية والدينية التي حاولوا اسباغها على شخوصهم لاشاعة فضاء الانغبار السياسي والثقافي وتجذير التخلف في فعل الانسان وعلاقاته كما في حقله وفضائه ولغته ومسجده!

لكن هيهات... لن تقوم لمثل هذه البنى الخائبة قائمة ولن يتشرذم العراق والمنطقة حتى لو تطوعت بعض القنوات العربية بوعي ومن دون وعي انطلاقا من فهم قاصر وصريح للعب بالعبارات والكلمات على أوتار الطائفية أو أحالت ما جرى على الشهيد السعيد آية الله الحكيم على لغة بعض أصحاب القرار العربي، تلك اللغة التي تعلمت على الاسراف في الخطاب النفسي لتسفر الفاقة الى الشعوب العربية لأن شهادة رجل العراق والحوزة الدينية في قدس الاقداس (الروضة الحيدرية) أصبح بمثابة مهر الوحدة العراقية التي طالما اعتقل ونفي ونافح واغتيل دفاعا عنها ولايماننا بأن الشعب العراقي الذي يرقد بين ثراه الانبياء والائمة والموعود بأن يكون كلمة الفصل الكونية الأخيرة أقوى بكثير من حماقات الدراويش، فهذا الشعب وعلى رغم حال الابتلاء التي صاحبته منذ آلاف السنين قد اتعب الانجليز والصهاينة والطغات، وبقراءة واعية نقول إن استشهاد الإمام آية الله محمد باقر الحكيم قد وضع النقاط على الحروف... وبها سينتهي النقاش... وغدا، نعم غدا تشرق الشمس ويطل وجه جديد...

إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"

العدد 364 - الخميس 04 سبتمبر 2003م الموافق 08 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً