العدد 3638 - الأربعاء 22 أغسطس 2012م الموافق 04 شوال 1433هـ

السفر الذي عليك درس الإقامة

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

السفر نفسه سرد لروحك. سرد للمكان الذي تذهب إليه، وسرد للمكان الذي تركته وخلّفته وراءك ولكنه أيضاً نصب جهاتك في السفر الذي تتوخاه وأول ما تعاين من تفاصيل.

في السفر تحضر الأمكنة التي فيها شيء من رائحة وملامح وتفاصيل. تحضر الوجوه العابرة في سفرك تذكّراً لوجوه كنت على التصاق بها من حيث روحها وما تدله عليك وما تدله عليها.

السفر في ساعة: رفاهية. رفاهية لذاكرتك وتأملك وقدرتك على مزيد من القراءة. قراءة وجوه وأمكنة ومعالم وأرواح ومتاحف ومزارات وطقوس وهيام وتيه أيضاً. والسفر في اضطرار وملاحقة أمر آخر. إنه جحيمك الذي يلازمك في صحوك ونومك. وحدك من يستطيع أن يحوله إلى جنة بانتصارك على دواعي اضطرارك إلى السفر نفسه. وقليلون هم من يملكون القدرة على ذلك والانتصار على الإحباط والحصار الذي يلوّح به ذلك النوع من السفر.

في السفر أيضاً قدرة على التآلف مع الوقت الذي يهرب منك ويختفي في المكان الأصيل الذي تنتمي إليه. يمكنك هناك - في السفر - أن تعجنه وتشكله كما تحب وترتئي. أنت سيد الوقت في السفر. في إقامتك، الوقت سيدك والمهيمن عليك والراعي لتفاصيل ليس بالضرورة أن تكون ذات أهمية، لكنها تفرض أهميتها مادمت في مكانك.

في السفر تمارس نبل صعلكة أو صعلكة نبل. لا حد لك ولا جهات ولا وقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. أنت في سلْم مع وقتك بعيداً عن السيف وبعيداً عن كل ما يذكرك بتهديك روحك ووضعك على حافة مصير مُعدّ لك.

في السفر احتفاء بالحياة التي ربما افتقدت كثيراً أو كان شحيحة في صورة تكاد لا تتعرف على ما يدل عليها أو شيء من تفاصيلها الضرورية في زحمة سياسات لا مستقر لها تأخذ بك إلى حيث تريد هي لا إلى ما تريد أنت.

كل إقامة تحرمك من ذلك الخيار: خيار أن تكون مستقراً، ذلك يعني أنها تعاني خللاً وعطباً سيمتد إلى روحك التي تفتقد أصلاً في ذلك المُستقر الذي هو ليس مستقراً أساساً، كما سيمتد إلى روحك وأدائك ونظرك. نظرك المعطل هو الآخر في إقامة بتلك المواصفات.

في السفر أداؤك مستقر بالفضاء الجديد والمكان الجديد والهواء الجديد والسياسات التي لم تعهدها. سياسات تحترم فيك أنك محرك ودافع هذا العالم ومبرر وجوده في الدرجة الأولى.

كل سفر لا تتعلم منه يكون بمثابة درس إقامة ممل كنت تتبرم منه. كأنك لم تسافر ولم تغادر المكان الذي كانت روحك وأعضاؤك تشكوان منه. من هيمنته وسطوته على كل متحرك وجامد فيك. سفر لا درس فيه كأنه ذهاب إلى اجترار وتكرار واقع المكان نفسه الذي لذت بالسفر هرباً منه.

السفر إيقاع متجدد. الإقامة رتابة. في الإيقاع تنوع وحركة. في الرتابة تكرار يقصف الأرواح ويدفع بها دفعاً إلى ما بعد الموت البطىء. في السفر تذهب في حالاتك من دون اشتراط والتزام بمعنى العبء الذي لا يفارقك في الإقامة. عبء أنك معطّل وقيمتك مؤجلة. إلى متى؟ ذلك يعتمد على محيط الإقامة وما/ من يهيمن عليها.

وعليك أن لا تنسَ أنك في السفر تصطفي عينك ما تحب لا ما يحب غيرك بجهاز استشعار قد لا يتوفر لك في الإقامة التي عهدت وأدمنت. تصطفي رؤية ما تحب من دون موانع ليس بالضرورة أن تكون منقدة لروحك ومنتشلة لها من العبث/الغول الذي يتم تهويله وتحذيرك منه على الدوام.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3638 - الأربعاء 22 أغسطس 2012م الموافق 04 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:25 ص

      جميل هذا البوح استاذة سوسن

      مقال رائع اعادك الله الى بلادك سالمة اشتقنا لحروفك في تويتر جميعنا ننتظر عودتك ايتها الملاك البحرانية

    • زائر 1 | 12:50 ص

      السفر

      السفر غربلت النفس والروح والسفر يمكن نسميه كاشف عن مكامن النفس الخيره والسيىء ان صح التعبير . وخير السفر السفر الي الله عز وجل .

اقرأ ايضاً