العدد 3637 - الثلثاء 21 أغسطس 2012م الموافق 03 شوال 1433هـ

دروس من خراب الشام

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عنونت هذا المقال بخراب الشام وليس بخراب سورية وحدها للتدليل على الخراب الشامل المتوقع في المنطقة بعد تفكيك الدولة السورية. هذا التفكيك هو هدف غربي اسرائيلي بالدرجة الأولى لأسباب عدة من بينها اشغال المنطقة والأجزاء المفككة من سورية مستقبلا ببعضها البعض وتشتيت الأنظار عن مخططاتها في مصادرة ما تبقى من فلسطين، ثم تهيئة الأجواء للانتقال الى المرحلة الأخرى من تفكيك ما تبقى من دول مهيأة للتفكيك في المنطقة.

وبغض النظر عن طبيعة النظام السياسي السوري الذي نختلف معه لأسباب عدة اولها نظام الحزب الواحد الذي يستأثر المنتمون اليه بالسلطة والثروة بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والمذهبية, فإن الخراب الحاصل في سورية في الوقت الحاضر لن ينجو منه أحد لأسباب عدة نستعرض منها ما يلي:

إن جذور الشجرة الشامية ممتدة لأبعد من محيطها. فعلى العكس من الوضع في ليبيا أو تونس وحتى مصر فإن جذور شجرة الشام تطال تركيا ولبنان والعراق والأردن من حيث تعدد الانتماءات والولاءات العرقية والسياسية والمذهبية. أما على الجانب الآخر من دول المحيط فهناك تكمن دولة اسرائيل مغتبطة ومتربصة ومتوثبة لجني أرباح غزوة الشام. فلأول مرة يتحد سلاحها وتتلاقى اهدافها على العلن مع السلاح والهدف العربي الاسلامي لتصوب جميعها نحو هدف عربي بغية تمزيقه. فتمزيق الشام اذا ما حصل لن يكون على غرار تمزيق العراق بل سيكون أشد وطأة وتمزيقا لدول الاقليم التي لن يكون بوسعها النجاة منه.

وعلى المستوى العالمي هناك صراع المصالح بين روسيا وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأميركية التي وصلت قواعدها العسكرية والمنصات المضادة للصواريخ الى مشارف روسيا بعد ان كانت تلك الحدود جزءا من امبراطورية روسية متنامية الأطراف وذلك في تحد مباشر للنفوذ الروسي في منطقة القوقاز. وكان آخر هذا التحدي هو انسحاب اوزبكستان من حلف دفاعي بقيادة روسيا بغرض انضمامها للتحالف الغربي، وكذلك فصل جورجيا وأذربيجان من منطقة النفوذ الروسي. من هنا يعتبر سقوط سورية التي تعتبر آخر معقل للقوة العسكرية الروسية في البحر المتوسط طرد الروس وإضعاف نفوذهم بتوظيف السلاح والمال والعناصر المتطرفة في المنطقة على غرار ما تم في افغانستان. والدليل هو ما نشهده من تجنيد وحشد هائل للقوى المتطرفة على الجبهة السورية في مشهد مشابه للحرب الأفغانية. إن شعور روسيا بهذه الاخطار يفسر لنا موقفها من الملف النووي الايراني ومن النظام السوري على أمل مقايضة هذه المواقف مع الغرب للاستجابة لمطالبها. كما يفسر ذلك لنا احتفاظ روسيا بخطوط اتصال مع الغرب والمعارضة السورية ولاعبين اقليميين آخرين في محاولة لنيل ضمانات لاستمرار مصالحها بعد سقوط نظام الأسد. إلا ان السيناريوهات التي يرسمها المحللون السياسيون لمستقبل سورية لا تتلاقى والمصالح الروسية. وهذه السيناريوهات هي:

- فقدان النظام لسيطرته والدخول في حالة من الفوضى العارمة ينتج عنها تفكك للدولة السورية الى دويلات متناحرة يمتد شررها الى دول الجوار كما بتنا نشهد بوادره مؤخرا في لبنان وتركيا.

- سيطرة القوى الجهادية المتطرفة وقيام دولة على جزء من الأراضي السورية. وهذا السيناريو يقلق الغرب ويثير المخاوف من تكرار التجربة الأفغانية. وبالرغم من الرغبة الشديدة لتغيير النظام السياسي في سورية فإن هناك اهدافا أخرى للمعسكر المعادي للنظام السوري اهمها اقتتال الأضداد على الأرض السورية واستنزاف الأطراف المتحاربة نيابة عن هذا المعسكر. وهذا يكرر سيناريو الحرب الايرانية العراقية حين قدم الغرب الدعم للطرفين بغرض استنزافهما. وفي سورية يتم الآن تجميع القوى الجهادية من كل صوب وحدب لخوض هذه الحرب، وفي الوقت ذاته تعرقل كل محاولات الحل السلمي.

إن فشل أو نجاح هذه السيناريوهات يتوقف على حجم الدعم الذي يقدمه حلفاء سورية لها في الوقت المناسب، وطبيعة تقديم هذا الدعم وانعكاساته على مجمل الأوضاع في المنطقة, والمحاذير المتوقعة من أي تدخل مباشر من أي طرف.

إن هذا الاستعراض للوضع السوري يقودنا للاستنتاجات الآتية:

- إن الحرب الدائرة في سورية هي حرب عالمية وقودها دماء محلية وإقليمية من الأجدى حقنها, وموارد من الأولى توجيهها للتنمية.

- إن هذه الحرب لا يمكن أن تكون من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان في المنطقة بدليل طبيعة الأنظمة الداعمة لها.

- إن الاستبداد والاستئثار ونظام الحزب أو الفئة الواحدة هي المسبب الحتمي لما وصلت اليه الأوضاع في سورية. فتغريب الداخل ومعادات الخارج لا يستقيمان في آن واحد لأن العدو الخارجي يرى في الاستبداد ضالته التي يبحث عنها لتقويض خصمه. فكما حصل في العراق يحصل الآن في سورية. إنها النتائج الطبيعية للاستبداد.

- ان لنا في مملكة البحرين عبرا يجب ألا تفوتنا فرصة الاستفادة منها. ومن اهمها عدم الانغماس في اتون نزاع دولي ليس بوسعنا تحمل تبعاته. إن مجاهرة بعض المحسوبين على مؤسسة الحكم بانغماسهم في هذا الصراع لا يخدم مصالح البحرين الوطنية عوضا عن تعريض أمننا للخطر.

- إن الحوار من اجل اصلاح الخلل هو السبيل الامثل. أما العنف والتهديد بالويل والثبور من أي طرف فهو انتحار للوطن كما يحدث الآن في سورية.

- إن التعويل على مساندة الخارج لقمع الداخل ليس مضمون العواقب على الدوام. فلا صداقة دائمة، وحتى ما نعتقده صداقة دائمة فهو اعتقاد نسبي ومتغير في عالم السياسة. إن صداقة الداخل تبقى هي الخيار الأسلم لصد أطماع الخارج بغض النظر عن مصدرها.

- إن اللعب بورقة الطائفية مغامرة وسلاح ذو حدين. فمتى ما تفاقمت يصعب كبحها لكون هذا اللعب هو عبث وتخريب لنواة النفس البشرية.

- إن سياسة الانتقام بتجويع الناس وسد سبل العمل والاسترزاق امامها سياسة غير حكيمة. فسياسة التجويع هي التي دفعت بجزء كبير من الشعب السوري لمعارضة النظام. وهي السياسة ذاتها التي أطاحت بإمبراطورية الاتحاد السوفياتي، ودفعت بالعراقيين للترحيب بالجيوش الغازية، وحفزت المصريين للثورة على نظام مبارك، واليمنيين على نظام صالح، والتونسيين على نظام بن علي. فهل نحتاج الى مزيد من الثوابت والأدلة على مخاطر سياسة التجويع؟

ربما يقدر لسورية أن تخرج موحدة من تحت الركام في نهاية المطاف ولكنها ستخرج مدمرة اقتصاديا، ومجزأة نفسيا.

وإذا كان لجروحها أن تندمل فلن يكون ذلك بعد حين. إنها فصل من دروس لأولي الألباب. فهل من مدكر؟.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 3637 - الثلثاء 21 أغسطس 2012م الموافق 03 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 6:28 ص

      بارك الله فيك

      تحليل موضوي ومنصف، بعيد عن الطائفية والنظرة الإمبريالية للمنطقة وعملائها من الدول العربية . بارك الله فيك

    • زائر 4 | 5:54 ص

      مقال ممتاز وتحليل علمي بعيد عن العواطف الله يبارك فيك إنشاء اللة من يقرا يفهم و ياخذ عبرة.

    • زائر 3 | 12:56 ص

      انت مخطئ

      حاولت اطراف وشخصيات عديدة تدويل القضية البحرينية بل واستماتت ولا زالت الى الان مصره ولكن الاحداث الميدانية والعنف نفت عنها سلميتها وجعلت الاطراف الدوليه التي كانت تجامل تلك الاطراف الى الاعتذار بالاخير ورفض المشروع بكله لان الطائفيه لا تقود ثوره ولا تنجح مشروع اصلاحي

    • زائر 2 | 11:53 م

      من صجك ؟

      هذا تحليل إيراني صرف لا يمت إلى الحقيقة بصلة .

    • زائر 1 | 11:13 م

      اننا نعيش عواقب تهور عبدالناصر.

      فهذا الرجل ورط العرب بديموغاجيته في مصائب لم يكن لهم قبلا بها و رحل بعد خراب مالطا. و جاء من جاء من بعده من السادات إلى الأسد إلى صدام ليلعبوا بالقضية الفلسطينية و يوقفوا الإصلاح السياسي و الإقتصادي بحجة أن لا صوت يعلوا فوق صوت المعركة. فأما العراق فأصبح جزء من التاريخ، و أما مصر فلن تقوم لأن مصائبها السكانية و الإقتصادية و السياسية أصعب من أن تحل و أما سوريا فهي ذاهبة و آخذة معها إيران إن شاء الله. لم نرى من هؤلاء أصحاب الممانعة و المقاومة إلى الصراخ و العويل .. لا بد من الهدم ليستقيم البناء.

اقرأ ايضاً