خرج الاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين، بصفته المنقذ للحراك العمالي من الاختطاف والتسييس من قبل الجمعيات السياسية، والمدافع عن الطبقة العاملة دون انتماءات حزبية أو عرقية أو طائفية. وعرَّفه مؤسسوه على أنه «جهة وسطية ليس لها انتماء أو اتجاه سياسي، ويعمل في اتجاه واحد وهو خدمة الموظفين».

وهو لم يكن بحاجة إلى كل هذه الديباجة لكي يبرر وجوده، فقد كان من المتوقع تشكيله خصوصاً بعد التعديل الذي طرأ على قانون النقابات العمالية رقم (33) لسنة 2002، باعتباره أحد إفرازات الأزمة الحالية التي تمر بها البحرين منذ فبراير/ شباط 2012، وما تبعها من تغييرات طالت جمعيات مهنية معروفة، وتجميد مجالس إدارات جمعيات أخرى بحجة عدم صحة انتخابات مجالس إداراتها.

الاتحاد الوليد سعى للتلبس بالحالة النقابية المهنية البحتة منذ بداية تأسيسه، غير أنه دخل في دهاليز السياسة منذ الوهلة الأولى، وابتدأ خطابه بمهاجمة وزير العمل لأنه لم يحضر المؤتمر التأسيسي- رغم أن الوكيل المساعد لشئون العمل محمد الأنصاري كان متواجداً في يوم انعقاد المؤتمر- ودخل في نوايا الوزير واعتبر تصرفه انحيازاً إلى الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، واتهمه بأنه يحاول عرقلة إشهاره.

واستمر الاتحاد الجديد في تسييس كل ما يتعلق به حتى بعد إشهاره رسمياً، فحين طالب المجلس التنفيذي للاتحاد بأن يكون له تمثيل في المجالس النوعية للتدريب المهني في قطاعات «الفندقة» و«تقنية المعلومات» و«الاتصالات» و«قطاع التجزئة» و»الصناعة»، لم يتوانَ في اتهام وزير العمل أيضاً بأنه «حرص على إصدار قرارات إعادة تشكيل المجالس النوعية للتدريب المهني قبل أيام وجيزة من إشهار الاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين، في خطوة استباقية لحرمان الاتحاد الحر من حق التمثيل الداخلي عبر المجالس النوعية، رغم علمه من خلال الصحافة أو الدعوى التي وجهت إليه لحضور المؤتمر التأسيسي للاتحاد».

الاتحاد ومؤسسوه عاشوا في فلك «نظرية المؤامرة» لتعطيل الإشهار، لنيل التعاطف العمالي والشعبي، ولكن لم يعايشوا ألم الحاجة والفقر الذي مس عشرات الأسر التي لا يزال عدد من معيليها بلا مصدر رزق بسبب الفصل التعسفي. بل يعتبر الاتحاد الحر -يبدو- أن هذه القضية الوطنية ليست من ضمن حسابات هذا الاتحاد، لأنها ببساطة في ذيل اهتمامته، فالأولوية المطلقة بحسب ما فُهم من تصريح رئيس المجلس التنفيذي للاتحاد يعقوب يوسف هو «التصدي لجميع أشكال الفرقة من المؤامرات التي يحيكها ضد البحرين مروجو الكذب والافتراءات بهدف طمس الحقائق وخلق المشكلات ورسم الأوهام للناس، بالتحالف والتعاون مع منظمات مشبوهة الهدف لتشويه سمعة البحرين ومكانتها».

الاتحاد قرر أن يتولى مهمات وزارة الخارجية، وأن يخفف العبء على الجهات الحكومية الأخرى المعنية بالتواصل مع العالم الخارجي للدفاع عن البحرين وتصحيح صورتها، وأغفل قضية مفصولي وموقوفي شركة «ألبا»، الذين يطالبون بتنفيذ التوجيهات الملكية بإرجاعهم إلى أعمالهم، فلا يزال هناك 11 مفصولاً لم يتم الاتصال بهم مطلقاً، و48 وقعوا اتفاقية ولم يرجعوا، و48 أجبروا على تسويات مالية، وصفوها بأنها «الأسوأ في تاريخ الشركة». فأين هو الاتحاد الحر من الشعارات التي أطلقها مدوية بأنه سيدافع عن الطبقة العاملة دون انتماءات حزبية أو عرقية أو طائفية؟ وكيف سيقنع الطبقة العاملة بأنه قادر على استرداد حقوقها وتمثيلها في المحافل الدولية وهو متخاذل عن دعم ملف إنساني مهم تعاني منه أسر بحرينية متعففة أقبل عليها العيد وهي في حيرة من أمرها والحسرة تعتمر قلبها بسبب بقاء عائلها بلا مصدر رزق؟ وهل تبنِّي الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين لهذه القضية يعد مبرراً لتخاذله عن إنصاف المسرَّحين واسترجاع حقوقهم؟

في حقيقة الأمر، أن هناك من ضمن المؤسسين لهذا الاتحاد، من حاربوا واستماتوا من أجل منع إرجاع المفصولين إلى أعمالهم، وبرروا سياسات شركاتهم في تغيير مسميات المرجعين الوظيفية ونقلهم لأقسام أخرى، بحجة توظيف آخرين ووجود فائض في الكوادر البشرية، وبالتالي لا يتوقع منهم أن ينصفوا عمال البحرين، ولا يملكون الصدقية لا في أفعالهم ولا أقوالهم، ولا يرتجى منهم الخير. وإن كان للاتحاد الحر كلام ينافي ذلك فليثبته مع الأيام.