العدد 3628 - الأحد 12 أغسطس 2012م الموافق 24 رمضان 1433هـ

الملف البحريني بين الحقوقي والسياسي

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

القضية السياسية في مملكة البحرين هي قضية مزمنة زادتها أحداث المنطقة تعقيداً واستقطاباً حتى باتت تخرج من النطاق المحلي إلى نطاق إقليمي ودولي، فأصبح حلها عصيّاً إلى حد كبير على الأطراف المختلفة. إن هذا التعقيد يفرض على جميع أطراف المعادلة البحث عن بدائل تحافظ من خلالها على كياناتها وتتجنب خسارة مزدوجة بدلاً من التمترس خلف آليات عمل جامدة.

لقد ذكرنا في مقالات سابقة أن السياسة ليست قوالب جامدة وذلك بسبب غلبة العامل المتغير على العامل الثابت فيها. وهذه الحقيقة تفرض على المعنيين بالشأن السياسي مراجعة مستمرة لمنهجيتهم وأساليب عملهم لكي لا تفوتهم فرص النجاح. في هذا المقال سنستعرض موضوع الديمقراطية التي نعتبرها وسيلة لبناء المجتمع المدني وإحقاق دولة القانون القائمة على العدالة والمساءلة والمساواة. فعلى رغم وجاهة المسعى لتحقيق هذا الهدف، فإن الوصول إلى هذه الغاية بالتركيزعلى هذه الوسيلة في مجتمع كالمجتمع البحريني ليس مضمون العواقب بالقدر الذي يؤمن به البعض، وذلك راجع لأسباب عدة بعضها محلي وآخر إقليمي ودولي نستعرضها في هذا المقال كما يلي:

- على المستوى المحلي يعتبر المجتمع البحريني الآن منقسماً على نفسه حول المفهوم الصحيح للديمقراطية وذلك على رغم ما تردده كل الأطراف التي تفصّل كل منها الديمقراطية على مقاسها. فالبعض يرى فيها وسيلة لتحقيق مصالح ضيقة أو يتوجس منها خشية على مصالحه وامتيازاته حتى بات يكشف عن نزعات هي في غاية العنصرية لأنها تتنكر لحقوق المواطنة والمساواة التي كفلها الدستور لجميع مكونات المجتمع بذريعة الخوف من استبداد الآخرعندما تمنح له حقوق المواطنة الكاملة. في مجتمع غير متجانس كهذا تعتبر الدعوة لدمقرطة النظام السياسي بعيدة المنال عوضاً عن كونها في هذه البيئة المتخلفة وسيلة تعجز عن تحقيق غاية كما أثبتت التجارب الأولية المتواضعة التي مر بها مجتمعنا. وفي هذا الإطار يمكننا الاستشهاد بتجربة الولايات المتحدة الأميركية التي على رغم تجذر الديمقراطية فيها إلا أنها بقيت عاجزة عن تحقيق العدالة والمساواة للفئات المهمشة الأخرى حتى اكتشف داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كنج أن انتزاع الاعتراف بحقوق الآخر هو الخطوة الأولى والأهم التي بدونها لا يمكن ترجمة المبادئ الجميلة المدونة في الدساتير والقوانين إلى واقع عملي، وهذا ما دفعه لتبني ملف الحقوق المدنية الذي انتصر للفئات التي كانت مهمشة حتى في مجتمعه الديمقراطي.

- وعلى المستوى الإقليمي، فإن الأنظمة السياسية المتجانسة في المنطقة لا ترغب في تغيير هيكلية إدارة بلدانها ما يجعل من دعاة التغيير فئات شاذة تغرد خارج السرب وجب القضاء عليها. والتجارب الماثلة أمامنا تثبت صحة هذا التوجه.

- أما على المستوى العالمي، فإنه من خداع النفس الاعتقاد برغبة حلفائنا الكبار في تحقيق الديمقراطية في منطقتنا. فالديموقراطية التي تعني المحاسبة والمساءلة وسلطة المجتمع تغلب المصلحة الوطنية وتضع ما عداها تحت المجهر وهذا يعكر صفو الوضع القائم الذي تتمتع فيه هذه الدول بمصالح استراتيجية واقتصادية قائمة على شبكة من العلاقات الخاصة مع مختلف الأنظمة السياسية التي تتمتع في المقابل بالرعاية والحماية. في ظل هذه الترتيبات القائمة على المصالح فإن الديمقراطية ليست هي الوسيلة المحببة للدول النافذة الحليفة التي تعترف بنواقص الوضع القائم ولكنها تفضل إصلاحاً متدرجاً أقل كلفة ولا يخلّ بالتوازن القائم بين المصالح المختلفة.

- إن جذور المشكلة في البحرين أساسها غياب المساواة وانعدام التوازن في توزيع الثروة. لهذا السبب نراها تنفرج في وقت السعة وتشتد في وقت الضيق فيكون وقودها دوماً تلك الفئات الضعيفة والمهمشة التي تعصف بها البطالة ونقص الخدمات.

من خلال هذه المعطيات يمكننا استنتاج ما يلي:

- إن الديمقراطية هي وسيلة لتحقيق غاية وخاصة في المجتمعات المتجانسة ولكنها بمفهومها التقليدي تعجز عن تحقيق الغاية المنشودة في بيئة مغايرة ومجتمعات منقسمة وغير متوافقة. فكما أن الدكتاتورية والاستبداد وسيلة لتدمير الأوطان فإن البحث عن الحقوق المفقودة في دهاليز الديمقراطية وحدها في مجتمع مبتلى بعوامل التخلف والتفكك هو تبسيط للحلول.

- إن الطريق لنيل الحقوق في مجتمع منقسم من خلال الديمقراطية وحدها يعتبر طويلاً وشاقاً ومكلفاً. لهذا السبب فإن تمكين المجتمع من خلال المزج بين ما هو حقوقي وما هو سياسي يمهد للتحول التدريجي نحو الديمقراطية بصورة أقل كلفة وأكثر أمناً. وفي وضع مماثل لأوضاعنا فإن التأكيد على الجانب الحقوقي الذي ينص على تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات يختصر كثيراً من المعوقات والحواجز القائمة في وجه تحقيق المجتمع الديمقراطي. وقد يسأل البعض عن آلية إدارة هذا الملف الحقوقي. والجواب يكمن في صيغ عدة تبنتها دول أخرى كالمحاصصة الإيجابية التي تعطي ما لله لله وتترك ما لقيصر لقيصر وتحقق التوزيع العادل للثروة بصورة مرضية وفقاً لضوابط وضمانات قانونية.

- إن تبنّي الجانب الحقوقي وفق نظام قضائي وتشريعي يتمتع بقدر معقول من الاستقلالية والتوازن هو مطلب طبيعي يتناغم والمواثيق الدولية، وتتفهمه حكومات وشعوب العالم، وهو بذلك يمتلك الحصانة ضد تهم معلبة متمثلة في العمالة للخارج أو محاولات تغيير النظام. كما إنه الطريقة المثلى للالتفاف على هواجس مازالت تلقى صداها لدى دول ذات نفوذ ومصالح في المنطقة، وخاصة هواجس الاستقطاب والاصطفافات السياسية. فالتوزيع العادل للثروة ونبذ سياسات التمييز هي مبادئ ليس بوسع أحد تحويرها أو التهرب منها لأنها موثقة في التقارير الدولية قبل المحلية وهي في انتظار من يستثمرها.

- إننا في مملكة البحرين لا تنقصنا التشريعات بقدر ما ينقصنا تفعيلها. فدستور المملكة وميثاقها الوطني ينص على فصل السلطات والمساواة على جميع الأصعدة إلا أن الواقع المعاش ليس بالضرورة كذلك. والسبب هو تركيزنا على الوسيلة وتجاهلنا للغاية، متناسين بذلك أهمية التكامل بينهما. فعدم المساواة في توزيع المناطق الانتخابية مثلاً يؤسس لسياسة عنصرية تنسف ما تضمنه الميثاق والدستور من مبادئ سامية. إن إبراز مثل هذه السياسات المعيبة التي تتعارض مع المواثيق الدولية ينتج عنها تفهماً أكبر على المستوى العالمي من إبراز مفاهيم أخرى تتعلق بهيكلة النظام السياسي.

إن تحقيق الديمقراطية بمفهوها الكامل هو مسئولية جماعية وعبء ثقيل لا يجب أن تدفع فاتورته الباهظة أو تجني ثماره فئة دون غيرها. من هنا وجب على الفئات المهمشة أن تزاوج بين البدائل المتاحة وتأخذ في الحسبان عوامل الربح والخسارة في البدائل المتوافرة، وكذلك المعطيات المحلية والإقليمية والدولية لعلها تجد ما ينتشلها من واقع يكون القادم منه أقسى من حاضره. إنها العقلانية والواقعية التي تحفزنا للتوافق على القواسم المشتركة وتطرد عنا الهواجس المصطنعة وآليات العمل التقليدية التي تفقد بمفردها كثيراً من الفاعلية والتأثيرفي عالم يتغير بوتيرة سريعة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 3628 - الأحد 12 أغسطس 2012م الموافق 24 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:07 ص

      اكتفي بذلك

      حتى بات يكشف عن نزعات هي في غاية العنصرية لأنها تتنكر لحقوق المواطنة والمساواة التي كفلها الدستور لجميع مكونات المجتمع بذريعة الخوف من استبداد الآخرعندما تمنح له حقوق المواطنة الكاملة.

اقرأ ايضاً