في حوار التوافق الوطني الفائت خلال شهر يوليو/ تموز 2011 برئاسة رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني، والذي انسحبت منه المعارضة بعد ذلك بسبب عدم الأخذ بمرئياتها ضمن التوصيات النهائية التي رفعت لعاهل البلاد، قيل إن على المعارضة أن تتحمل أخطاءها وكلفة انسحابها من الحوار لأنها لا تريد الإصلاح، وأنه لا حوار بعد هذا الحوار.
ومع مرور الأيام أخذ الوضع الأمني يتدهور في جميع المناطق، حتى بعد مجيء اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وتسليمها تقريرها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، والبدء في تنفيذ عدد من التوصيات من قبل الدولة.
حينها برزت المشكلة على أنها أكبر من مجرد انتهاكات لحقوق الإنسان، وتجاوزات ألقيت مسئوليتها على بعض الأفراد من رجال الأمن، ومحنة طبقة وطنية عاملة حرمت من مصدر رزقها بصورة تعسفية لاتهام كثيرين منهم بالمشاركة في الإضراب، وسجناء رأي يجب إطلاق سراحهم.
وذلك كله فرض الحاجة الملحة إلى حوار جديد، يجمع الدولة -بصفتها الطرف الأقوى في المعادلة- والمعارضة وكافة القوى السياسية الأخرى في المجتمع.
ومنذ ذلك الوقت وفي أكثر من مناسبة، طولبت الجمعيات السياسية المعارضة بإدانة كل أشكال العنف والتخريب لكي يبدأ هذا الحوار بدون شروط، فيما دافعت هذه الجمعيات عن موقفها بتأكيدها على أنها تنتهج الأسلوب السلمي في مطالبتها بالتحول إلى الديمقراطية من خلال تنظيم المسيرات والاعتصامات في مختلف المناطق، وأنها لا تؤيد سكب الزيت في الشوارع وقطع الطريق على الناس.
الآن لدينا ثلاثة أطراف في المعادلة السياسية، الدولة والمعارضة والجمعيات السياسية الأخرى التي يطلق عليها بأنها (موالية)، وليس هناك أطراف أخرى يتوقع أن تشارك في الحوار المقبل، والسؤال «ما الرابط بين ما يجري من معارك بين الجيش الحر والنظامي في سورية وبين تطورات الوضع السياسي في البحرين؟».
للأسف أن الإفلاس أدخل البعض في حالة هستيرية معقدة، وخصوصاً أن الحديث عن الحوار بدأ يأخذ منحى جدياً مع تكرار الحديث عنه على لسان مسئولين رفيعي المستوى، وبالتالي لم يجد هؤلاء ما يتلاعبون به سوى استغلال معاناة الشعب السوري بأسلوب طائفي مفضوح.
فكل أطياف المجتمع البحريني يقفون على مسافة واحدة من الشعوب العربية وحقها في تحديد مصيرها أسوة بما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن، أملاً في بلوغ الديمقراطية على قاعدة العدل والكرامة والمساواة، والشعب السوري ليس استثناء من حركات التحرر من الدكتاتورية، إلا أن هناك من يقسم البحرينيين في موقفهم إزاء معاناة الشعب السوري الشقيق على أساس فريق مدافع عن نظام الأسد من منطلق عقائدي -وفيه تجني وافتراء على هذا الشعب- وآخر مناهض من منطلق الانحياز للحق، ويطالب بتأجيل الحوار إلى حين النصر على بشار الأسد، على رغم التأكيد الرسمي والشعبي بأن الأزمة البحرينية هي شأن داخلي ويجب أن تعالج داخلياً بأيادٍ وطنية.
محاولة تعطيل الحوار هذه المرة تتخذ شكلاً مغايراً، لأن من يقف وراءها هم ذاتهم المنتفعون من تشابك الشأن الداخلي، وهم أيضاً من يتذرع بالشأن السوري تارة، والإعلان عن الوحدة الخليجية في سبتمبر/أيلول المقبل تارة أخرى، وهم كذلك من يهددون الدولة لتفويت أية فرصة للحل.
والحقيقة الذي ستثبتها الأيام مهما طالت، أنه حتى بعد حسم الوضع في سورية لصالح الجيش السوري الحر، وحتى بعد قيام الاتحاد الخليجي، سيبحث الأشخاص ذاتهم -دعاة الفتنة- عن شماعة أخرى يقنعون بها الشارع بعدم جدوى الحوار، لأن لا سبيل لهم للبقاء إلا من خلال البحث عن الثغرات للولوج منها واللعب على عامل الوقت.
وسيبقون يرددون الكلام ذاته عن المصالح الإيرانية في الخليج، ودعم الولايات المتحدة الأميركية لبعض المنظمات في الدول العربية تحقيقاً لأجندة «الفوضى الخلاقة»، وتعامل فئات من الداخل مع الخارج وحصولهم على دعم من دول أجنبية، وضرورة مراقبة حركة الأموال التي تجمع للأعمال الخيرية حتى لا تستخدم لأغراض الإرهاب. ولكن بعد ذلك ماذا سيحصل؟ سترتفع فاتورة الحل الداخلي للأزمة لأننا أنهكنا كل طاقتنا النفسية والعقلية والاقتصادية والأمنية من أجل إرضاء مجموعة يحسبون على عدد الأصابع، في مقابل ترك مصير أمة في مهب الريح.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 3623 - الثلثاء 07 أغسطس 2012م الموافق 19 رمضان 1433هـ