ما دام الخيال يكشف ما تخفيه الحقيقة كما قيل، فلا ضير أن نجرِّب، ونطلِق خيالنا. دققوا في هذا العالَم. ماذا سنجد؟ كلُّ شيء له تضاد ومقابل. الصدق/ الكذب. الحاكم/ المحكوم. الكبير/ الصغير. العادل/ الظالِم. هذا هو نظام الأشياء. إذاً، ما الذي يجعلنا لا نؤمن بأن هناك صديق يقابله عدو! نعم... هناك أصدقاء يمتلكون مقومات الصداقة، التي من خلالها نثق بهم، ونتعاطى معهم، ونأنس لهم، وهناك أعداء، لهم أنيابٌ نمريَّة، يتحيَّنون اللحظة لغرزها في رقابنا.
هل يشك أحد منا، أن الصديق، يفعل من أجلك كلَّ ما هو حَسَن؟! يَجبرنا حين يرى عظمنا مَهِيضًا، ويؤوينا حين يرى أحدنا شريدًا. أفلَم يقل رسول الله (ص) أن الأخ نسيب الجسم، والصَّديق، نسيب الروح. أما العدو، فهو يفعل نقيض ذلك تمامًا. هو السَّاعي إلى رمينا من كعب أخيلنا. لا قلب له ولا ذمَّة، في أن يفعل كلَّ ما تأمره غريزته الذئبيَّة. وربما جاءت كلمة العدوان في معاجم اللغة، على أنه الظلم الصُّراح، للتدليل على مدى تشيين فعل الأعداء وخطرهم البيِّن.
هنا، قارَبْنا أن نصل إلى منتهى القول. ترى، هل يُعقَل أن يكون صديقاً لنا، مَنْ يسعى إلى ضرب تعايشنا وسِلمنا وسكينة حياتنا؟! هل يُعقل أن يكون صديقاً لنا، فمن يدفع إلى قتلنا، وتصحُّر إنسانيتنا والتعريض بمقدساتنا؟!هل يُعقل أن يكون صديقاً لنا مَنْ يُشعِل نارًا للحرب، تموت فيها الأنفس، وتنتَهَك فيها الحرمات، وتنقسم فيها المجتمعات، فتؤول إلى التفتيت والتقسيم؟!هل هذه الأفعال يقوم بها صديقٌ لنا أم عدو متربِّص حاقِدٌ علينا وعلى مستقبلنا؟!
أسقِطوا ذلك التوصيف، على دعاة الفتنة الطائفية، والتحريض المذهبي في عصرنا الحالي، فماذا ستجدون فيهم؟!هل سنجِد فيهم وفي أفعالهم صداقة أم عداوة؟! إذا كان خطاب أؤلئك المحرضين، بحروفهم وكلماتهم وفتاواهم، يؤدي إلى القتل، وتجييش مشاعر الناس على الناس، ونفخ الصّدور بالغيظ والضغينة والبغضاء، فتتشاحن العائلات والجيران والشعوب والملل والنِحَل حتى تنفجر أمام وجوه بعضها، وإلى إشعال حروب يموت فيها الناس على الهوية والانتماء الديني، فهل يصدق على هؤلاء صفة الأصدقاء، حتى ولو كانوا يدعون الإسلام ديناً لهم؟! لا أخالُ أحدًا يمكنه أن يدعي ذلك.
هؤلاء ليسوا أعداءً للأمة فقط، وإنما أشدُّ أعدائها على الإطلاق. لأن العداوة المركبة من الباطن، والمعقدة في ميكانزمياتها تكون أكثر ضرراً من العداوة الصريحة، التي تمثلها جهة وأفراد يقابلوننا على الضفة الأخرى من المكان. فحين يخرج أشخاص من ذات الرداء، فهم لا يعادونك فقط، وإنما يعادون توحُّدك وائتلافك ضد ذلك الخطر.
اليوم، تبدو سوق الطائفية رائجة. يقودها تجار الدَّم، والعدميَّة، ممن يرتقون أعواد المنابر بغير حق، ويتشِحون بلباس الدِّين، ليخفوا وراءهم وحوشًا كاسرة. هم ينطقون بالقرآن لكن القرآن أكثر لاعن لهم. هم يدَّعون الإيمان، لكنهم أبعد ما يكونون عن الإيمان والورع والتقوى. هم اليوم، يتاجرون بمليار وبضعة ملايين من المسلمين، يأخذونهم إلى المجهول، وإلى مواخير مظلمة، لطالما حرَّرهم الإسلام منها. مواخير العداء، والحروب، والجاهلية، والتعصب، والطبقية. هؤلاء يريدون لنا أن نعيد بناء تلك الأقبية، لكي نعيش فيها، وتعود الجاهلية لهذه الأمة، بعد أن انعتقت منها. نراهم وهم يُسَرِّجون الخيول، ويُثقفون الرِّماح، ويبسطوا الدروع، من أجل حرب عدميَّة خرقاء مُحرَّمة، نهت عنها الأديان وسجيَّة الناس.
نفرٌ من الحمقى يريدون فتح معارك التاريخ في الحاضر. معارك مضى عليها أزيد من ألف وأربعمئة عام، مات خصومها، ومات أولياء دمها، وماتت معهم قضاياهم حتى. هؤلاء وبكل حُمق وبُله، يريدون لنا أن نعيد تسعير أوار ذات المعارك، لنسفك الدماء فيها بغير وجه حق. يحملقون في كتب التاريخ، ينفضون عنها الغبار، ويفتشون في قراطيسها علهم يجدون مبتغاهم، فينتفون منها ما يشاءون، أو بالأحرى، ما تشاء عداوتهم لهذه الأمة، لكي يُثوِّروا الغرائز ضد بعضها، يقول هنا ورواية زخرف هناك، ما دامت هي الأسهل في أن توقِع أكثر الحروب ضراوة.
هل يتوقع أحدٌ منا، أن هؤلاء مسلمون، أو حتى أنهم من بني جلدتنا؟! أكثر من ذلك: هل نتوقع أن يكون هؤلاء غير مأجورين، لصالح مَنْ يسعد بتفرقنا واقتتالنا؟! بالتأكيد لا. تخيَّلوا أنهم اليوم يمتلكون صحفاً وقنوات فضائية، ومواقع إلكترونية، وبرامج للأسفار والرحلات، ودفع الأموال! ترى، من أين لهم كلّ ذلك المال والقدرات إن كانوا هم ملفوظين؟! هذا سؤال بسيط، لكنه جوهري، لكي نعرف، مدى خطورة أؤلئك. إذا كنا نؤمن ونعتقد وبالدليل والتجربة والتاريخ والوقائع، أن عديداً من الدوائر المظلمة في دول عديدة، قد جندوا ما جندوا من الوسائل والأدوات، للنيل منا ومن سلمنا واجتماعنا، فلماذا لا نصدِّق، أن الطائفيين اليوم هو موظفون عند أصحاب تلك الغرف، يغدقون عليهم الأموال بلا حدود، ما داموا يؤدون دورهم بلا حدود أيضاً في الإيذاء، بهذا الكم من البشر في أنحاء العالم.
ماذا سنستفيد إن نحن تناولنا كتاباً تاريخياً فيه من التحريض وقول المرسل والآحاد ما يفيض والكلام السَّمِج، فنريد عنوة أن نفتح قيحه النتن على هذا الحاضر الحساس. كم من هذه الثقافة الموجَّهة، تسببت في إقلاق عوائل ومجتمعات كاملة، واقتتال لا ينتهي، في حين أن مطلقيها يتنعَّمون على أرائِكِهِم، وكأنهم يشاهدون أحد أفلام الرعب، ومذاهب الحروب الدينية الأوروبية. هذه مأساتنا مع هذه الرايات المشبوهة، التي باتت أكبر مهدِّد لنا من الداخل. وهي مسئولية يجب ألا تضيع وسط الاهتمامات والمشاغل الأخرى، لأنها في الحقيقة أم المشاكل كلها، متى ما سُوِّيت استراحت الأمة ودامت سكينتها.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3617 - الأربعاء 01 أغسطس 2012م الموافق 13 رمضان 1433هـ
الحروف ليست كثيرة لكن الطريق اذ انحرف
ليس بسر أن وجود التناقض والتضاد والمذكر والمؤنث ما هي الا لمساعد ة الانسان على التعرف على الكون من حوله. كما أن القرين والتوأم من المساعدات كذلك. لكن هناك من الكائنات وان وجد لها شبه الا أن ليس لها مثيل. فالصديق المخلص الوفي والعنقاء من المستحيل وجودها في هذا الكون.
فهل انحراف الضمير بزاوية منفرجه أو قائمة لا يعرف بإنحراف عن الدين لدى الناس؟
علي الجرح
استاذ وضعت يدك علي الجرح كتاباتك كلها معبرة وهذا المقال يجب ان يناقش لمن يريد خير هذة الامة استاذ علي مر التاريخ و انت ادرى بة من هم من يخونون أوطانهم و يبيعونها للاجنبي باسم الدين و الثأر وحب ال بيت رسول الله ( ص )
الجرح العميق
بالمناسبة في احدى سفراتي الى سوريا العزيزة المنكوبة اليوم بفعل هؤلاء ، اتدكر يوما في سوق الحميدية بان احد السوريين العقلاء سالنا ونحن نتناقش مع بعض الاخوة السورين او نتسفه معهم في بخصوص تاريخنا هذا الموجع في كثير من منعطفاته فقال هذا الرجل العابر مالكم ومال علي مالكم ومال معاوية فان فتحتم هذا القيح الذي دام الف واربعمائة سنة فانتم مسؤلون امام الله فمن يداوي جرحا دام الف واربعمائة عاما غيرك ايها الانسان الذي حباك الله وميزك عن باقي المخلوقات بهذا العقل لتكون خليفة الله في الارض
هذه هي المشكلة باختصار
يحملقون في كتب التاريخ، ينفضون عنها الغبار، ويفتشون في قراطيسها علهم يجدون مبتغاهم، فينتفون منها ما يشاءون