العدد 3617 - الأربعاء 01 أغسطس 2012م الموافق 13 رمضان 1433هـ

في أوطان تخوّنك تصبح «بلاد الغَرْب أوطانك»

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

في تأمّل الأوطان التي لاشيء يدل عليها، يجد أي واحد منا نفسه محشوراً بين الانتماء المصطنع والفارغ، وبين التخوين والانتماء إلى ما بعد تلك الأوطان، في ازدراء لا يطولك فحسب بل يطول ما بعد المكان الذي تنتمي إليه. وكأن الأوطان التي تنتمي إليها تركت ولو شبر قيمة لك. أنت الذي لن تتجاوز كونك موضوع وصاية في أقل تقدير. أقول لاشيء يدل عليها بحكم غيابك عن كل ما يدور فيها وحولها؛ أو بمعنى أدق، تغييبك.

كل شيء يبدو بطيئاً في أوطان بتلك المواصفات. بطيئاً لأنك خارج حركته إن كان ثمة حركة في الأوطان أساساً بعيداً عن إنسانها.

المستقبل البشري يتم صوغه بذهنية الاستيلاء. بذهنية وهيمنة تاريخ ليس بريئاً إطلاقاً. إنه متورط في المخجل والمرعب من امتهان واحتقار قيمة الإنسان وكرامته. من يتحكّمون في مستقبل الإنسان على الأقل ضمن جغرافيتنا المبتلاة بالإرث في كل شيء ممن لا يحسنون احترام أية قيمة فيه وينظرون إليه ضمن مجموعة مقتنيات في الزوايا والمخازن والاسطبلات. تلك مأساة حقاً أن ينظر إلى الإنسان باعتباره أداة استعراض، وليس بالضرورة أن تراعى قيمتها الحقة، بقدر ما يراعى استعراضها في مهرجانات ومزادات الزهو.

أوطان كتلك تعيدك إلى حنين لا تتمناه؛ أن تكون وحشاً في بريّة مفتوحة على حركتك واحتجاجك بعيداً عن مدن رخوة اتكأت على الأبراج في مداخل المدن وتخفي البؤس وتحظر الاقتراب منه في صور ومشاهد ما دون عصر الكهوف.

ليس سراً إذاعة أن الإنسان عبء وضرورة في هذه الجغرافية.عبء في انتباهه وصحوه واحتجاجه وعلو صوته وتحديه لصور التجاوز والقمع ولو أدى ذلك إلى أن يكون رقماً في إحصاءات الشهداء الذين تعتبرهم دولهم مارقين وخارجين على القانون الذي تم صوغه لهكذا صحوة تدين أصحابها وتخرجهم من الملّة في تضامن مع نصوص وتاريخ يلعلع بهكذا تخريب لما يراد له أن يكون نصاً مقدساً بموازاة نصوص مقدسة في قيمتها حقيقة وواقعاً، وضرورة لأن لا سلطة يمكن أن تحقق غايتها إلا بموضوع من تمارس عليه تلك السلطة. تماماً كضرورة أن يكون مرمى لكي يتحقق هدف!

ثم إنه بعد كل هذه الفخاخ والمكر الذي لا ينتهي، وهو بالمناسبة مكر ردئ وساذج يبعث على الغثيان كلما تكررت سيناريوهاته في مشاهد تكشف عن سطحية وسذاجة من يقف وراءها. لا يمكن الحديث عن أوطان بالمعنى المتداول حقيقة وواقعاً لأنها تحولت إلى مستوطنات لأهل الأرض وأوطاناً للطارئين عليها في لحظات مأزق وفشل وورطة يتم تعمّد البحث عن مخارج وحلول لها لتأبيد الفخاخ والمكر والاختطاف أيضاً. ولا تهم بعد ذلك الكُلَف المترتبة على كل ذلك. من قال إن الجغرافية بمنأى عن الاختطاف بالسياسات الرعناء والفاشلة؟

الأوطان بهكذا وصفات معلّبة ومرتجلة ومختطفة في نهاية المطاف لا يمكن أن تحقق قدراً ولو ضئيلاً من أُلفة الأوطان والركون إليها. تصبح عندها مفارز للنوايا وتفتيش القناعات ورصد الأذواق ومصادرة الأحلام.

ولأن الأوطان لم ينلها أو يطلها تاريخ المصادفات؛ تظل الأوطان التي نحن في صددها تاريخاً من المصادفات بالنسبة إلى كثيرين؛ وخصوصاً أولئك الذين يعيشون في ما دون هامشها، ومن هم في نهاية المطاف خارج الحسبة أو الحسبان.

والأوطان التي تختفي وتتحلل فيها بوادر ما يدل على المستقبل لا تتجاوز كونها إقامة جبرية في أمكنة فُرضت عليك المجهول في كل شيء بفعل السياسات والتخبّط فيها.المجهول الذي تراه في كل صور وشواهد الحياة من حولك، إذا صح أن يطلق عليها مسمّى حياة.

ويتذكر أكثرنا التغني ببيت الشعر البليد الذي حشوا به رؤوسنا على مقاعد الدراسة وضمن مناهج بدائية ومتخلفة - ومازالت -: «بلاد العُرْب أوطاني» في هكذا واقع مزرٍ ومحبط ومُهدّد لسلامة أي كائن بشري بفعل ممارسات صارخة في عنفها واستلابها واستهدافها له، صار لزاماً إعادة النظر في صوغ ذلك البيت الشعري الفارغ في مضمونه والواقع على الأرض، ولو بفارق نقطة على «العين»بحيث يصبح: «بلاد الغَرْب أوطانك» بفعل الملاذات التي توفرها لكرامة الإنسان وقيمته وأمنه العام.

لكن ومع كل هذا الجحيم المفتوح الذي وُسمتْ به تلك الأوطان تجد التشبّث به من مقتضيات المعنى المفقود له ولكرامته وإن لم يتح لأي منا أن يكون مقيماً فيه وقد جُرّد من أبسط حقوقه لن ينسى بأن يُوصى بإيداعه في قبر حين تأخذ منه الغربات كل مأخذ وتمتص رحيق سنواته، بحيث يصبح القبر هو الوطن النهائي له بعد أن حُرم من وطن نهائي يسهم في حركته وضجيجه.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3617 - الأربعاء 01 أغسطس 2012م الموافق 13 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 10:48 ص

      الوطنية .

      الوطنية هي من حقنا و واجب ان ندخل الى مناطقنا بسلام بدون ان نرى قمامة محروقة اطارات محروقة وهذه ابسط الوطنية .وشكرا .

    • زائر 5 | 7:35 ص

      بيدكم

      استاذنا الفاضل لا نختلف اننا لسنا في المدينة الفاضلة ولا نختلف ان هناك تقصير من الحكومة لاكن هل من الوطنية ان أشوة صورة بلدي في الداخل والخارج هل من الوطنية ان اذكر كل ما هو قبيح و لا اذكر ما هو جيد هل من الوطنية ان اضع يدي في يد الاجنبي ليعيث في بلدي فساداً استاذ قبراً لي في وطني خيراً لي من قصر و بلدي محتل . اذا لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل وشكراً

    • زائر 4 | 7:08 ص

      نصيحه لك يا أستاذ من خريجة آداب

      أنصحك أن تكتب باسلوب يفهمه جميع القراء لأن المصطلحات التي تستخدمها لا تصلح الا للروايات لأنها أدبية بحته و موجهه لفئة معينه فقط... بالتوفيق

    • زائر 2 | 4:01 ص

      الغرب الوطن

      حفظ الله لك ضميرك الحي يا أخي

اقرأ ايضاً