يُذكر في الشرط الثالث من الاتفاقية ما يلي: «إن العرب المصالحين، لهم في البر والبحر عَلم أحمر فيه حروف، أو بلا حروف على مطلوبهم، وهو في كفه أبيض وعرض الأبيض الذي في الكفة يعادل عرض الأحمر، كما هو مصور في الحاشية، وإن هذا هو علَم العرب المصالحين فيستعملون به ولا يستعملون بغيره».
رغم ركاكة الترجمة بالعربية لهذا الشرط وغيره من شروط أو نصوص مواد معاهدة السلام العامة لعام 1820 التي حررتها سلطات «دولة سركار الإنكريز» في رأس الخيمة ظهر يوم السبت 22 ربيع الأول لسنة 1235 هـ، ووقعها معظم شيوخ الخليج من الكويت (القرين) شمالاً حتى ساحل (الإمارات) جنوباً بين شهور ربيع الأول، والثاني، وجمادى الآخرة؛ إلا أنها تُعد حتى اليوم أهم رموز السيطرة والهيمنة البريطانية على الخليج في تلك الفترة.
ذلك العلم أو الراية التي فرضت بريطانيا لونها الأحمر من البداية، كما هو مبين في الشرط الثالث أعلاه، كان يحوى 27 مثلثاً أبيض وسط اللون الأحمر في علم البحرين بين أعوام 1932-1972، وفي فبراير 2002 تم تغيير عدد المثلثات إلى خمسة. وعموماً فإن اللون الأحمر الذي يتواجد في أعلام دول الخليج العربية يشير إلى معارك النصر القديمة، في حين يمثل اللون الأبيض السلام الدائم كما هو متعارف عليه.
والغريب أنه منذ فبراير 2011 صار لهذه الراية طعم آخر عند كل مواطن. فتجدها اليوم معلقة وراء ظهر كل شاب وشابة، أو رجل طاعن في السن أو امرأة أو طفل أو طفلة في حراك البلد على الجانبين، قد أضحت ذات معانٍ ودلالات لم تكن تُثير الناس كثيراً ذات يوم قبل هذا التاريخ في شيء لا من حيث «ترموميتر» الوطنية أو عدمها. ومما يلفت النظر في الحراك السياسي حالياً، أن تصبح هذه الراية عنواناً للولاء للوطن ولترابه على جانبي الحراك، ولربما يحدث النزاع حول مفهومها أحياناً لدى الجانبين اللذين يقفان على النقيض في الفكر والممارسة السياسية على أرض الواقع، إلا أن الجميع يرفع هذه الراية، المعارضة أو نقيضها، مع اختلاف الرؤى والتفسير في سبب التمسك بها بعيداً عن كونها مجرد قطعة قماش لا تقيكم حر الصيف ولا برد الشتاء. أو حتى دون أن نتذكر ما كان يُطلق عليها سابقاً من اسم «البنديرة» وارتباط ذلك بزمن السيطرة البريطانية على الخليج طوال القرنين التاسع عشر والعشرين إلى ما قُبيل الاستقلال.
وإن كان لفظ «البنديرة» يذكرنا بتلك الحقبة القاسية من زمن الإنجليز، إلا أن لفظ راية أو عَلم ليست خاليةً من بعض الإشكاليات أيضاً في ظل الحراك الحالي. فهل تحوّلت هذه الراية، أو «البنديرة» الإنجليزية عفواً، إلى حالة من العشق الواعي عند البعض واللاواعي عند الآخر، وإن كان أحياناً كثيرة لا تجد له تفسيراً موحداً حتى عند كتلة الموالاة فيما بينها أو كتلة المعارضة فيما بينها، المهم أنها ترمز لحراك معين أو مطلب معين والسلام.
إذن من هنا يمكن أن نبدأ ولا ننتهِي، فتعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله وليس البشر، وإن أغدقوا علينا وعوداً قيصرية. فإذا كانت قطعة قماش حمراء وبيضاء تحمل معنى الدم والسلام جمعت كل الناس على حبها والتعلق بها لدرجة أن بعضهم سالت دماؤه عشقاً وهو ملتحف بها؛ فحري بها فعلاً أن تكون هي بادرة السلام بين أطياف هذه الأمة. وحريٌ بالآخرين أن يسألوا أنفسهم لماذا كل هذا العداء لبني أمتي الذين يعشقون نفس الراية التي حولناها من رمز للسيطرة البريطانية المنحوسة إلى بساط وغطاء ولحاف ورداء لآمالنا على هذه الأرض الطهور؟!
هذه الأرض لا يعرف قدرها إلا كل من تطهّر بقلب صادق من ماء «بوزيدان» و»أم السجور»، أو رمى بنفسه في ماء «عذاري» ليغسل أدران زمن التيه عن الحقيقة، وذاق حلاوة «إخلاص» مزارع سترة والبسيتين والضلع وكرزكان، ليتغير نظره ويصبح (6 × 6) وتزاح الغشاوة عن اكتشاف الحقيقة المستلبة منه قسراً في النظر إلى أخيه في الدين والتراب الذي ترفرف عليه الراية الحمراء والبيضاء منذ سنوات.
إذن هي الراية التي تجمعنا، كما هو رمضان بكرمه وألفته ورحمته، حين نستمع جيداً وملياً لدروس القرآن الكريم في ليله ونهاره، فتدنوا السواعد رويداً رويداً نحو تلك الراية لتلمس الأصابع عمودها ثم ترفعها عالياً وتجعل منها راية حق وليس ضلال، راية هدى وليس غواية وفتنة كما يريدها البعض. راية إصلاح وليس إفساد وتفرقة. راية عز وليس ذل ومهانة. فعلامَ نختلف إذن وبأيدينا نفس الراية؟ التي سيثبت الزمن أن الأيدي التي ترفعها حالياً بحق وهي تعي رمزيتها الوطنية، وليست الإنجليزية؛ لقادرة أن تصون كرامة أهلها وتحقق آمالهم البحرينية البسيطة والطيبة دائماً في حياة حرة كريمة تحت تلك الراية المنصورة، وصوّر يا زمن. ورمضان كريم.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3612 - الجمعة 27 يوليو 2012م الموافق 08 رمضان 1433هـ