مضى الآن عام وأشهر على أحداث دَرعا. طيلة تلك الفترة، ونحن نكتب عن الثورة السورية، تأييداً ومنافحَة عنها، وعن مطالبها في الإفضاء إلى نظام سياسي تعددي مدني به مؤسسات ناظِمَة وغير مُجوَّفة. وبجانب ذلك التأييد، كان النقد مستعراً على النظام السوري، كما هو يستحقه فعلاً. اليوم، أكتب عن الثورة السورية ناصحاً وناقداً لها. نقدٌ ليس لجوهرها؛ وإنّما للفعل والخطاب الذي ينتهجه بعض منتسبيها ادعاءً. وهي حاجة ماسَّة، يجب يسمعها مَنْ أخطأوا فيها، لكي يتقوَّم الأداء ولا يستفحل الجرم.
الملاحظة الأولى: وهي معنيَّة بالأساس بالنفوذ الأميركي على النشاط الثوري السوري. هذا محذور حقيقي، ليس فيه مزاح، ولا ديماغوجيا. فحين تعتمد الثورة على المال والدعاية والمشروعية الدولية والقوة والتنسيق واللوجستيات والتبني الأميركي فهو أمر يدعو للقلق. فما هذا التماهي الغريب، بين الولايات المتحدة الأميركية مع ثورة شعب من شعوب العالم الثالث؟ إنه وبالجزم، محل شبهة حقيقية؛ لأنه دعم أسوَد، لا يُراد منه سوى الاستيلاء على البلد كما حصل لغيره.
لا نريد أن نكرّر تجربة المعارضة العراقية، التي كابدت ودفعت بكل ما تملك من أجل التحالف مع الأميركان، حتى وقع البلاء. عندما أرى السَّعي الحثيث، واللهاث من المعارضة السورية نحو المندوبة الأميركية في مجلس الأمن سوزان رايس، أتذكر ما كانت تفعله المعارضة العراقية مع المندوب الأميركي في مجلس الأمن آنذاك جون نيغروبونتي، للدفع بسرعة للتصويت على قرار ضد العراق. وحين أرى استئناس المعارضة السورية وفركها ليدها أثناء مرافعات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في مجلس الأمن ضد سورية أتذكر كيف كانت المعارضة العراقية قبل العام 2003 تفعل الأمر ذاته خلال مرافعات وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول في مجلس الأمن، عندما كان يتحدث بحنان متدفق عن معاناة الشعب العراقي!
نستحلفكم بالله ألا تكرروا الخطأ ذاته. فالمنطقة ليس لها قِبَلٌ بذلك. الأميركان والبريطانيون والفرنسيون يريدون تدخلاً عسكرياً في الشام، وهو أمر خطير، سيقضي على البلد وعلى شعبه ومكوناته ومستقبله، وستغدو الثورة مسروقة، كما سرقت السي آي أي مظاهرات العام 1953 في إيران. لا تُخرِجوا الأسد، لتأتوا بالذئب مكانه. الأميركان ذئاب، وهم ليسوا بمحل ثقة أبداً. اسألوهم وأنتم تقرأون التاريخ القريب والمنظور: لماذا كنتم أيها الأميركان تصِفُونَ المطالبين بالحرية في دول أميركا اللاتينية بأنهم عملاء للشيوعية والمد الأحمر، وتساندون الأنظمة التي كانت تقمعهم تحت كل حجَر ومَدَر؟ لماذا وقفتم ضد المنتفضِين في السلفادور ونيكاراغوا والفلبين وتشيلي وغواتيمالا وبوليفيا ودعمتم أنظمة تلك الدول المتسلطة والدكتاتورية؟
اسألوهم: لماذا ساندتم رجالَ حكمٍ دمويين مثل أوغستو بينوشيه في تشيلي والجنرال سوهارتو في إندونيسيا والشاه محمد رضا بهلوي في إيران وأنتم تعلمون أنهم حكام ظالمون لشعوبهم، وينتهكون أبسط حقوق الإنسان وحرية الكلمة؟ ولماذا ساندتم ماركوس في الفلبين وفرانسوا دوفالييه في هايتي وشون دوهوان في كوريا الجنوبية وهم حكام قَتَلَة لم يتورَّعوا في أن يقيموا المجازر، ويعلقوا أحبال المشانق لشعوبهم، حتى هَلَكَ على أيديهم خلق كثير دون خجل ولا حياء؟
اسألوهم كذلك: لماذا ساندتم موبوتو سيسيسيكو في الكونغو طيلة حكمه الدموي، الذي دام اثنين وثلاثين سنة وارتكب خلاله مجازر بحق الطلاب والعمال والنشطاء السياسيين بأعمال يندى لها الجبين؟ اسألولهم: لماذا تخليتم عن الثورات البرتقالية أو المخملية في جورجيا وأوكرانيا وبعتم شعوبها وسياسييها للروس فقط من أجل ألا يتوقف الغاز إلى أوروبا؟ نعم، هذا هو التاريخ الذي يجب أن نستعين به لا أن ننساه، وإلاَّ لما أدركنا من حظوظ السياسة شيئاً يُذكَر.
الملاحظة الثانية: وهي المتعلقة بعسكرة وتسليح الثورة السورية. هذا الأمر غايةٌ في الخطورة. ليس من الصَّواب مطلقاً أن تتحوَّل الثورات إلى ثورات مسلحة؛ لأنها وباختصار تنزع عن نفسها صفة الثورة وتحوّل نفسها إلى خصم عسكري، يدخل لميزان الصراع التقليدي. ربما حصَلَت نزاعات ثورية، دخَلَ فيها السلاح، لكنه لم يدخل إلاَّ في الرمق الأخير لعُمر الأنظمة، ولقطف فروة الرأس. اليوم، النظام السوري، لم يتهالك بعد. وهو لايزال يتحرك بفئات اجتماعية صامتة ومؤيدة في الداخل السوري وبمؤسساته وبجيشه وبأمنه الاستخباراتي وبإعلامه، وعلى أرض وجغرافيا معلومة، وبالتالي، يصبح الصراع (بالسلاح) أقرب إلى الصراع الأهلي والاجتماعي.
السوريون (وطبقاً للثقافة العسكرية المتبعة في سورية منذ عقود) جميعهم قد دخلوا إلى دورات تدريب عسكرية، ضمن التجنيد الإجباري المطبَّق، وبالتالي، فإن ثقافة القتال متوفرة، ولا يبقى سوى مَنْ يُعَمِّرها بالسلاح، الذي هو متوفر بالمناسبة في الحزام الحدودي والقبلي للبلد. هذا الأمر يزيد من فرصة الصراع الدموي. أكثر من ذلك، فإن تلك العسكرة، تمنح النظام فرصة يتمناها في شرعنة القتل والقصف والاعتقال الذي يقوم بها، لأنه سيحاول استثمار الأمر، والظهور بمظهر المُعتدَى عليه. حَدَثَ ذلك في دول عديدة. هذا الأمر خطير جداً، وقد تنبَّه له العديد من قادة المعارضة في الداخل وفي الخارج، لكن ومع الأسف لايزال صوتهم ضائعاً وسط الصراخ.
الملاحظة الثالثة: وهي المتعلقة بالخطاب المتطرف. للأسف، فقد دَخَلَت إلى الحراك الثوري السوري أطرافٌ يتسم خطابها بالتطرف والشوفينية، حيث كان له وقعٌ سلبي على الثورة. ففي غير مرة، كنا نسمع تسميات ومصطلحات، وتهديدات للطوائف في سورية من قِبَل تكفيريين. سَمِعنا عن النصيرية والعلوية والصليبية والطوائف الباطنية، وكأننا في معركة عَدَميَّة هابطة. وقفت على أحد مشاهد الاختطاف، والتي قام بها مسلحون، يدَّعون أنهم ثوار، حيث كانوا يتعاملون بقسوة وبعنصرية وطائفية متناهية مع ضحاياهم، وكأننا في شريعة الغاب. إن فعلها النظام فهو من سوءاته، لكن، أن يفعلها الثوار، فهذه فضيحة، لا يمكن أن تغتَفَر.
الشعب السوري ذو مكونات عرقية ودينية ومذهبية متنوعة (ثمانية عشر عرقاً وديناً ومذهباً) وهو أمر جعله شديد الحساسية تجاه الدم والانتماء والحقوق والعيش المشترك. والسوريون (كما كان العراقيون قبل الاحتلال) سطَّروا أروع مشاهد التلاحم والمجاورة الراقية. تزاوجوا وتصاهروا وتراحموا مع بعضهم البعض على مدى سنين طويلة. كانت الجيرة السورية في الحارات أهم مُنجَز يُسطره الشعب السوري في عيشه المشترك. كان المسيحيون هناك يمتنعون عن الأكل والشرب في شهر رمضان المبارك احتراماً لقداسة الصيام لدى جيرانهم المسلمين. بل إن بعض نسائهن، كانت تضع الخمار على وجوههن، وكأنهن مسلمات. وفي عيدَي الفطر والأضحى، كانت الكنائس في أرجاء سورية تقرع الأجراس فرحاً بالمناسبة. هذا الأمر يجب أن تتم المحافظة عليه لا العكس. أتمنى أن تصل تلك الكلمات لأصحابها. فالمعركة وإن كانت حامية دامية، لا تجعل النقد محرماً.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3607 - الأحد 22 يوليو 2012م الموافق 03 رمضان 1433هـ
ايهما افضل السيء ام الأسوأ ؟
انا الفقير الضعيف ارى ان الاسد سيء والأسوأ ان يتولى مكانه الارهاب والتكفير
ذريعة المقاومة والممانعة - 4
فلا يمكن أبداً اتخاذ المقاومة والممانعة كذريعة لسحق هذه الثورة المجيدة وقتل أكثر من 15000 شهيد, فالديكتاتورية والمقاومة شيئان لا يستويان أبداً, فالديمقراطية هي التي تحقق المقاومة والممانعة وتعززها, لإن النتائج التي ستسفر عن العملية الديمقراطية هي من اختيار الشعب السوري ((المقاوم والممانع))
ذريعة المقاومة والممانعة - 3
فالشعب السوري هو المقاوم والممانع والنظام حقق جزء من مطالبه بل إن لديهم مآخذ على هذا النظام لأنه فرط في قضية الجولان المحتل, تصوروا أن جبهة الجولان هادئة منذ عقود لم يطلق فيها رصاصة واحدة, فلماذا إذاً لا يوجه بشار دباباته نحو الجولان لتحريرها بدلاً من أن يوجهها نحو شعبه المطالب بالديمقراطية؟ لماذا لم يسقط النظام الطائرات الإسرائيلية التي انتهكت السيادة السورية وحلقت فوق القصر الرئاسي؟ لماذا لم يرد على العملية التي قصف فيها الإسرائيليون المفاعل النووي السوري؟
ذريعة المقاومة والممانعة - 2
عندما كان النظام يقدم الدعم لحزب الله - الشيء الذي لا ننكره - في حرب تموز 2006, كان السوريون يؤيدون ويناصرون حزب الله في حربه ضد إسرائيل بل أنهم قدموا الملجأ لعناصر الحزب, وقيل وقتها أن الإخوان المسلمون يعيشون شهر العسل مع حزب الله نتيجة موقفهم الإيجابي من الحزب أثناء حرب تموز 2006
المقاومة والممانعة - 1
من يتحدث عن مدى مقاومة وممانعة هذا النظام الإجرامي, كأنه يصور الشعب السوري المطالب بالحرية بأنه يريد التطبيع مع إسرائيل أو عملاء صهاينة, السوريون احتضنوا المقاومة واحتضنوا الفلسطينيين وتشاركوا معهم لقمة عيشهم ومأكلهم ومشربهم وحلمهم بإقامة دولتهم...
عند جهينه الخبر اليقين
لتعرف حقيقة ما يجري فى سوري والأهداف المبتغاه استمع لسماحة السد حسن نصر الله الصادق الأمين و باعتراف أعداءه
القشة التي قصمت ظهر الاسد
يا استاذ لاتقول كنت مؤيدا ومنافحا مع بداية وتوجه النصائح فنصائحكم متاخرة فالكل يعلم بان الحراك في سوريا رغم تطلعات هذا الشعب وتتتوقه للحرية كباقي شعوبنا العربية الا ان هذا الحراك اصبح مصابا في مقتل ومدبوحا من الوريد الى الوريد حين تدخلت امريكا وعوانها في المنطقة بقوة وليس من اليوم اي قبل سنة وحين دخل المسلحون هؤلاء المشكوك في ولاءهم للثوار وهذا التدخل ليس حباا لشعبنا في سوريا بل الصورة واضحة هي حسنة واحده لهذا النظام بدعمه للمقاومة الفلسطينية وهذه القشة التي قصمت ظهر الاسد بدعم الفزعة العربية
نقد بناء لكم تقبله مني بصدر رحب
هذا الكلام كان معروفاً وقدمه لنا السياسيون الثقاة أمثال السيد نصر الله، ولكن البعض كان يقيس خطأً، ويظن أن تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين هي بالضرورة سوريا.. كانت مقارنة قسرية انساق لها كثير من المثقفين والكتاب والأستاذ محمد عبد الله أحدهم مع احترامي لكم وأنا ممن يهتم بما تكتبون كثيراً.. تلك المخاوف الثلاثة التي تضمنها مقالكم اليوم هي بالنسبة لمن يعتمد تحليلات الثقاة تحصيل حاصل، لكن يبدو أنها نتيجة جديدة بالنسبة لكم، وفي كل الأحوال تتجهون الآن الوجهة الصحيحة وأتمنى أن يتبعكم آخرون..
الله ينصر بشار الأسد على مايسمى بجيش الحر العميل
سوريا هي آخر ما تبقى من دول الممانعة والمقاومة للمشروع الأمريكي الصهيوني وقد أثبتت ذلك صريحا جليا أثناء حرب الكيان الصهيوني على لبنان ويكفي شهادة سماحة السيد حسن نصر الله في ذلك
غريب أمرك أيها الكاتب: ألا تشاهد التلفاز وترى المسلحين يقتلون جهارا نهارا أبرياء لاذنب لهم وهم في بيوتهم آمنين وآخرها في منطقة السيدة زينب؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!
بصراحة مقالاتك عن سوريا تفتقر إلى الموضوعية والحيادية.
سنذكرك إذا سقط النظام السوري ماذا سيحصل والأيام القادمة ستتكفل بذلك
ثورة دول على سوريا والشعب السوري هو المطحون
لا تقل لي انها ثورة الشعب السوري على حكمه
رغم اننا نعترف ان الحكم السوري دكتاتوري ولا يختلف عن الانظمة الباقية الا في ممناعته ودعمه لقوى التحرر العربية ولكن النظام مع شعبه لديه الكثير من الظلم وهو اعترف بذلك وحاول تقديم بعض التنازلات ولكن لدخول الدول ذات المآرب على الخط هي من اجهض الثورة السورية واهلكها بالارتهان لدول الارهاب
المعيار الحقيقي للثوره
التغيير والاصلاح مطلب لايتم التنازل عنه فاذاكان الاقساد اعظم من الاصلاح المرتقب فكيف يمكننا المضي بالثوره ومشكور يبوعبدالله على هذا الطرح العقلاءي البمتزن
اتفق واختلف
نعم اتفق في معظم ما قلت من ناحية التعامل مع العدو الأمريكي..
واختلف معك في عدم تسليح الجيش الحر، حيث ان بشار يقتل بلا هوادة فكيف بهم يدافعون عن انفسهم وقد زاد القتل عن 17000 قتيل غير المصابين والمهجرين
ولم هذه النظرة المتشائمة في ان العلاقات الانسانية الموجودة بين افراد الشعب السوري ستنتهي بالعكس تماما وانما ستتطور وستزدهر العلاقة فيما بينهم بإذن الله