في إحدى قصائده التي تختصر المرارات وتختزل حالاً كأنه في الأبدي من الممارسة فيه من حيث تعبيرها عن واقع الشعوب العربية على رغم كتابتها في فترة متأخرة مما وصلت إليه أوضاع العالم العربي، يكتب الشاعر السوري الراحل نزار قباني:
«حين يصير الناس في مدينة
ضفادعا مفقوءة العيونْ
فلا يثورون ولا يشكونْ
ولا يغنّون ولا يبكونْ
ولا يموتون ولا يحيونْ
تحترق الغابات والأطفال والأزهارْ
تحترق الثمارْ
ويصبح الإنسان في موطنه
أذل من صرصار».
كان قباني يقرأ واقعا هو في اتجاه تصاعده من حيث التراجع والتخلف والتعامل مع الإنسان باعتباره أدنى القيم التي يمكن تجاهلها واستبعاد الالتفات إليها.
كان يقرأ طبيعة وحقيقة ما يدور في دول هيمن عليها الشعار ونسيت موضوعه بل قتلته بدم بارد.
لا يمكن أن نعتبر الدول التي تذل إنسانها وتسحقه كما تسحق فرقها الصحية الصراصير بالمبيدات الحشرية، على الخريطة. هي ليست كذلك مادامت تتعامل مع مواطنيها من وراء الكواليس في أحط الصور وأمام الكاميرات هو في المقدمة في الحضور وباختيار لا يجهل أكثرنا تفاصيله ومدعاته.
الدول لا تحتل مكانتها على خريطة العالم بعضوية هيئة الأمم أو لجانها. تحتل المكانة حين يكون الإنسان فيها محترماً ومقدماً وله اعتباره. حين يكون الإنسان فيها مبتدأ وخبر كل تخطيط وإنجاز هو في العمق منه والفاصلة في جدواه ونجاحه وأثره البعيد. حين يكون الإنسان صاحب الفضل الأول فيما تم إنجازه والوجه الذي تقدم به الدول صورتها إلى العالم.
في أقل الوعي وأبسط الفهم، أنه بالتحولات والحراك والمراجعات التي شهدها العالم وخصوصا عالمنا العربي، أن تبادر تلك الدول إلى تصحيح الخلل في أوضاعها وهو أكبر من الخلل بكثير ولكن لتخفيف الأمر على من لديه حساسية من هكذا كتابة. تصحيح أوضاع استمرت وتم استمراؤها عقودا من تغييب الإنسان وإهانته، وفي ذلك قراءة صحيحة ولا كلفة فيها بالمراجعات تلك بل على العكس من ذلك سيكون ركنها وتأجيلها وعدم الالتفات إليها واعتبارها تنازلا يمس كرامة الدول تلك له من الكُلف أضعافا مضاعفة. وهذا ما بدأته بعض الدول وإن على استحياء وتواضع في المبادرات وفاعليتها ولكنها على الأقل امتصت بركان غضب سنوات واحتقان عقود من إذلال حكومات تغافلت عن واقع الحال وخطورته.
ثم ما هي مصلحة أي دولة في أن يتحول مواطنوها إلى صراصير تعمد إلى سحقهم في كل لحظة انتباه أو احتجاج؟ كيف سيتهيأ لها أن تدير شئون مجتمع من «الصراصير» التي قررت أن تصنفهم ضمن تلك الكائنات لسهولة سحقها؟ وأي دولة من المفترض أن تكون عضوا في هيئة الأمم التي من أهم مبادئ قيامها ليس فقط حقوق الدول باعتبارها حدودا وخرائط وأنظمة حكم فحسب بل الأهم من كل ذلك هو الإنسان الذي هو في حدود تلك الخرائط ومن المفترض أن يكون مراعى ومحفوظ الكرامة والحقوق من قبل أنظمة الحكم تلك مع قيام أولئك المواطنين بالواجبات التي من المفترض أن يساءلوا عنها في حال الإخلال بها.
ثم إننا لم نسمع قط أن شعوبا يراد لها أن تكون من الصراصير استطاعت أن تحتل مكانة بين الأمم كما أن الدول التي تحكم الشعوب تلك وبالمواصفات المذكورة لم تنل مكانة لها قيمتها أو ادعت احتلال فرادة هي الأخرى إلا بذهابها في التعامل مع شعوبها ضمن ذلك النظر والأسلوب وما بعد ذلك لا شيء يمكن أن يكون له ذكر.
ثم ما هي المتعة التي يمكن لأي دولة من الدول أن تحققها بإجراء التعامل مع شعوبها باعتبارهم حشرات تظل موضوع سحق أو إذلال؟ كيف لها أن تضمنهم في النازلات والكوارث والاستهداف والمطامع واضطراب الأوضاع التي يشهدها العالم؟
يوم أن أعزّت الدول إنسانها كان له السبق في الريادة والإبداع على أكثر من مستوى ومحفل وصعيد ويوم أن أهانت كرامته لم يكن له من الحضور إلا عبر وثيقة السفر والصيت الذي يمس دوله بما لا يسر.
المعادلة التي لا يمكن لأحد أن يجادل في ثباتها وحقيقتها وواقعيتها في الوقت نفسه، أن الدول لا قيمة ولا معنى ولا جدوى من قيامها من دون أن يكون الإنسان أسسها وعصبها مضمون الكرامة مقدما في كل ركن من أركان تلك الدول. ولا دولة يمكن لها أن تفخر بانجاز تحويل شعبها إلى كائنات من الصراصير.
وبرؤية أستاذ الفلسفة أحمد البرقاوي: «المشكلة أن الدولة في الوطن العربي مازالت دولة رعية» لذلك ليس مستغربا أن تعامل بعض تلك الدول مواطنيها باعتبارهم صراصير خلقت للسحق. ما يجب أن تفهمه الدول ويفهمه المواطن أيضا: لا قيمة للدول من دون مواطنيها.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3607 - الأحد 22 يوليو 2012م الموافق 03 رمضان 1433هـ
4
فعلا متى يكون المواطن البحريني هو المبتدأ وهو الخبر??
وعي الدولة بالمواطن ووعي المواطن بالدولة
الوعي بأن الدولة ترعى مواطنيها، فهذا يتظمن التخطيط والتنفيذ والتنظيم والمراجعة والتقييم والتقدير فهل مواطنين من نوع الصرارصير يستحقون مثل هذه الرعاية؟ أم أن لا وجود للدولة من الأساس لترعى. فهل صورة الدولة التي لا تشبه أم المواطنين لا يعيشون في دولة ؟
واقع حالنا يقول امحي كلمة النفي ليس
بل نحن كذلك هناك من يتعامل معنا كذلك البعض ممن عاش بعض الوقت في دول تحترم الانسان عندما يأتي هنا لفترة قصيرة تضيق به الدنيا بسبب تردي حقوق الانسان بل بعض الاحيان انعدام حقوق الانسان.
ومثل ما قال الفنان دريد لحام صرنا فرجة للعالم
ليس كل الدول في مستوى واحد.
يجب التفريق بين الدول فمنهم من يعتبر الانسان مواطن له ما له وعليه ما عليه من الحقوق والواجبات, مثل هذه الدول ممكن ان توجيه هذا المقال لها, اما في الدول التي تعتبر مواطنيها عدوا لها فلا مجال لمعاتبتها بل يجب استبدال القاإمين عليها.
جميل لسنا حشرات ابدا
مقال رائع استاذة يستحق القراءة سلمت اناملك ليتهم يقرأون