القلاع لا يمكن أن تكون صامدة إلا بتماسك وتلاحم وصمود الأفراد والجماعات التي تحتويهم. من دون ذلك لن تكون القلاع باعتبارها حجارةً وأبراجاً قادرة على توفير شيء من الحماية والطمأنينة للمهزومين من الداخل في ذواتهم والمنهارين في ثقتهم وإمكاناتهم.
ذلك أمر، أمر آخر، يمكن للعراء أن الأمكنة المكشوفة أن تكون قلاعاً في ظل توحد الأفراد والجماعات على اختلاف مكوناتهم. فما يحمي الإنسان ويحصنه ليس هو المكان الذي يأوي إليه أو موقعه أو قدرته على صد الهجمات والعدوان، بل ما يحميه ويحصنه هو قدرته على تلمس طرق وأساليب المواجهة في توقيتها وتكتيكها ولن يحدث ذلك ما لم يكن واثقاً من أنه وجد ليحيا بالشرط الذي لا يمس حق الآخرين في تلك الحياة وأنه متى ما غفل أو تغافل عن ذلك لن تستطيع كل قلاع الدنيا وحصونها أن تصد اليسير أو السهل من أي استهداف أو تربص يتعرض لهما.
والذين نصادفهم في حياتنا وهم لا يقوون على ضد أو ردع الهين أو البسيط مما يعترضهم، يمثلون مصدر قوة وبأس لذلك الهين والبسيط ويستمد منهم قوته ولو كانوا في أبراج وقلاع مشيدة. تلك الأبراج والقلاع لم تمنع ذلك الهين والبسيط من النيْل منهم لأنهم في دواخلهم مهزومون ومخترقون وجاهلون بإمكاناتهم ما أتاح لغيرهم أن يسبر غور تلك الإمكانات ويستثمرها لصالحه، تاركاً إياهم لفصول من ندب الحظ والبكاء على لبن هم ساكبوه ومريقوه ولم يتم سكبه بمحض الصدفة والفراغ.
ثم إن الأرض لا يمكن لها في الأوقات جميعها أن تتحكم في مصائر الخلق وخصوصاً في المواجهات والصراعات التي لا يخلو منها أي بقاء أو حركة حياة. صحيح أن ذلك يحدث بتداخل اعتبارات وعوامل ولكنه ليس قاعدة لا يمكن كسرها وتجاوزها بحيث تتهاوى أمام صلابة الإرادات من جهة وإعمال الفكر والتخطيط من جهة أخرى.
كم من الذين تحصنوا في القلاع عبر التاريخ وكانوا جبارين وفي مستوى متقدم من البطش والتنكيل وحين أزف وقتهم توهموا أن القلاع تلك ستحول بينهم وبين من هم خارج أسوار تلك القلاع منتفضين على قدرهم الذي أريد له أن يكون بلا نهايات، وبالبدائي من السلاح والمتقدم والمتحفز من الإرادة والإيمان بالحق وشرف الموقف الذي ارتضوه وارتأوه، سطروا وسجلوا أروع صور البطولات وتجاوز الأسوار والقلاع تلك والمهم تجاوز الحواجز والقلاع الرابضة في أنفسهم وتحول بينهم وبين تفعيل تلك الإرادة على الأرض وفي المصير من اللحظات.
وفي الوعي البسيط يمكن القول إن الحذر قلعة لا ترى، فيها فخ من يتوهمها سهلة فكأنما بذلك يختار موضع أجله. وعلاوة على كل ذلك ليست العبرة فيما يتطاول ليحصن الإنسان نفسه مما يستجد ويطرأ من مخاطر بل العبرة في قدرته أن يكون متهيئاً حتى في اللحظات التي يظن أن لا خطر سيدهمه أو ينال منه.
في نهاية المطاف، قلعة كل منا يصنعها هو ويحدد أبراج تحسسه من خلالها وزوايا تحصينها بحيث لا تكون عرضة للاختراق من أي خطر يدهمها. كل ذلك يبدأ بقلعة كل منا من الداخل. داخل نفسه التي يعي متطلباتها وما تريد.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3605 - الجمعة 20 يوليو 2012م الموافق 01 رمضان 1433هـ
مقال رائع
اعجبني المقال فعلا كل منا يصنع قلعته