العدد 3604 - الخميس 19 يوليو 2012م الموافق 29 شعبان 1433هـ

أميركا ستقدم كل ما تستطيع لإنشاء ديمقراطية مصرية حقيقية

هيلاري رودام كلينتون comments [at] alwasatnews.com

يسعدني جداً أن أكون هنا في الإسكندرية، وهذه أول زيارة لي لهذه المدينة، وأتمنى ألاّ تكون الأخيرة. إنها زيارة قصيرة للغاية. فمنذ طفولتي، كنت أقرأ الكثير حول تاريخ هذه المدينة الرائعة، وحول المساهمات التي قدمتها ليس لمصر فحسب، بل وأيضاً للإنسانية جمعاء. وأنا أتطلع قُدماً لقراءة الفصول المقبلة من تاريخها.

في 30 سبتمبر/أيلول 1993، أُنزل العلم الأميركي عن مبنى قنصليتنا في الإسكندرية. وعلى رغم أننا حافظنا على وجود لنا هنا، فقد أُغلقت أبواب القنصلية. ولحسن الحظ، كان لدى البعض ما يكفي من بُعد النظر للاحتفاظ بالعلم الذي أُنزل في ذلك اليوم، لأنهم كانوا يأملون، أن يعود هذا اليوم الذي يُرفع فيه العلم في الإسكندرية من جديد، وهذا ما نفعله اليوم.

لقد قلتُ للناس خلال زيارتي إلى مصر إنني أريد أن أستمع أكثر مما أتحدث. أريد أن أستمع بصورة مباشرة إلى الهواجس والقضايا والطموحات، وكيف سيكون شكل الانتقال الديمقراطي في مصر، وإلى أين سيقود؟ وهل سيسفر عن استحداث المزيد من الفرص الاقتصادية للذين ظلوا ينتظرونها كل هذه المدة الطويلة? وهل سيؤمن خدمات أفضل في التعليم والرعاية الصحية؟ وهل سينشئ مؤسسات، ودستوراً، وحكومة تحمي حقوق جميع المصريين؟ يعود الأمر للمصريين في الإجابة عن جميع هذه الأسئلة بأنفسهم. نريد أن نكون شريكاً جيداً لكم، ونقف إلى جانبكم، ولكن الثورة هي ملك لكم، وكذلك هذا الانتقال والتحول، وكل ما ستولّده عملية الانتقال.

لقد جئت إلى الإسكندرية لإعادة التأكيد على دعم الولايات المتحدة القوي للشعب المصري ولمستقبلكم الديمقراطي. تحدثتُ بالأمس في القاهرة حول الأسئلة الملّحة التي تواجهكم. وأريد الحديث عن ذلك النوع من الديمقراطية التي تحاولون بناءها. وأدرك جيداً أن وسائل الإعلام المصرية يمكنها أن تكون خلاَقة جداً عند تصويرها لبلادي. وأدرك أن بعض المصريين يرتابون من مواقفنا، وسمعت أننا ندعم إحدى الفئات السياسية في مصر ومن ثم بعد أسابيع لاحقة سمعت أننا ندعم فئة سياسية أخرى. أريد أن أكون واضحة حول هذه النقطة، بأن لا شأن للولايات المتحدة في اختيار الفائزين والخاسرين في مصر، وهذا حتى ولو كان باستطاعتنا ذلك، وهو أمر بالطبع لا قدرة لنا عليه. نحن مستعدون للعمل معكم وأنتم ترسمون مساركم بأنفسكم وترسخون ديمقراطيتكم.

إننا نملك بعض التجربة في مجال الديمقراطية، فنحن أقدم ديمقراطية في العالم. والهند لديها الشرف العظيم في أن تكون أكبر ديمقراطية في العالم. وقد اكتسبنا بعض الدروس خلال السنوات الـ 236 التي مارسنا خلالها الديمقراطية. ونريد أن نقف إلى جانب المبادئ والقيم، ليس من أجل الناس أو الأحزاب فحسب، بل من أجل ما تعنيه لنا الديمقراطية في مفهومنا وتجربتنا.

يملك الشعب المصري كل الحق في هذه الديمقراطية الجديدة للتطلع إلى قادتهم لحماية حقوق جميع المواطنين، وممارسة الحكم بطريقة منصفة وشاملة، واحترام نتائج الانتخابات. وكثيراً ما نقول إن أول عملية انتخابات تكون صعبة، ولكن الانتخابات الثانية تكون أكثر أهمية لأن عملية انتخاب واحدة لا تصنع الديمقراطية. يجب أن يكون هناك تسليم سلمي للسلطة. لقد فزتُ في انتخابات، كما خسرتُ في انتخابات أخرى. وأتذكر الماضي عندما بدأت رحلاتي كوزيرة للخارجية، حيث كان السؤال الرئيسي في أذهان الناس: «كيف تستطيعين العمل مع الرئيس أوباما؟ فقد رشحت نفسك ضده. وحاولت إلحاق الهزيمة به، ولكنه هزمك»، والجواب على ذلك بسيط: كلانا نحب بلادنا، وكلانا نريد خدمة شعبنا.

وهكذا، عندما نتحدث عن دعم الديمقراطية، نعني بذلك الديمقراطية الحقيقية، لأن في جميع أنحاء العالم اليوم هناك أناس يدعون أنهم ديمقراطيون، ولكنهم يقمعون شعوبهم، ويمارسون التمييز ضد بعض مواطنيهم، ويستخدمون أدوات الحكم ليس لتأمين تقدم مصالح شعبهم بل لإثراء أنفسهم.

وهكذا، فإن ما نؤمن به هو ترسيخ المبادئ الديمقراطية وليس مجرد تلك المنصوص عليها في الدستور، أو تلك القائمة في المؤسسات الحكومية، بل وأيضاً تلك المحفورة في قلوب وعقول الناس. فما الذي يعنيه ذلك عملياً؟ بالنسبة لنا، تعني الديمقراطية الحقيقية أن كل مواطن له الحق في العيش والعمل والعبادة كما يرغب، سواءً أكان رجلاً أو امرأة، مسلماً أو مسيحياً، أو من أية خلفية أخرى. تعني الديمقراطية الحقيقية عدم تمكن أية مجموعة أو فئة أو زعيم من فرض إرادتهم، أو ايديولوجيتهم، أو دينهم أو رغباتهم على أي فرد آخر. وعندما تكون هناك منافسة سليمة، يكون هناك تبادل حر في الآراء. لا أحد منا يمكنه احتكار الحقيقة، وسنتخذ أفضل القرارات إذا استمعنا إلى بعضنا البعض وإذا تعلمنا التوصل إلى تسويات مشتركة.

إننا نسعى لتحقيق مبدأ المراقبة والتوازن، كي لا يصبح أي قائد قوياً أو أية مؤسسة قوية إلى حدٍ مفرط. لقد شددت خلال مناقشاتي مع الرئيس مرسي على أننا نعتقد أن نجاح رئاسته - وفي الواقع نجاح مصر - يعتمد على بناء إجماع في الآراء عبر مختلف الأطياف السياسية المصرية والاستجابة لاحتياجات وهواجس جميع المصريين، جميع الأديان، جميع المجتمعات الأهلية، رجالاً ونساءً على حدٍ سواء. لن يتطلب ذلك مجرد إجراء الحوارات وقبول التسويات وحسب، بل يتطلب أيضاً قيادة حقيقية ونشاطاً سياسياً حقيقياً.

لقد التقيت أعضاء من أبناء الجالية المسيحية المصرية مع عدد من القيادات النسائية ومناصري حقوق المرأة، ورواد أعمال شباب يرغبون في التأكيد أن الشباب في مصر مبتكرون وناجحون مثل الشباب في أي مكان آخر من العالم. ولديهم هواجس مشروعة، وقلت لهم: يجب عدم اضطهاد أي مصري، أي إنسان، في أي مكان من العالم بسبب دينه أو بسبب عدم اعتناقه أي دين أو بسبب خياراته حول العمل أو عدم العمل.

لا تتعلق الديمقراطية بمجرد الخضوع لإرادة الغالبية، لكنها تتعلق أيضاً بحماية حقوق الأقليات. لقد تعلمنا بالطريقة الصعبة. عندما كُتب دستورنا فإنه لم يشمل النساء. ولم يشمل العبيد الأميركيين الأفارقة. ولم يشمل البيض الذين ليست لديهم ممتلكات. كان في الحقيقة دستوراً مخصصاً لعدد صغير جداً من الناس في بلادنا في ذلك الوقت، ولكننا تعلمنا على مر السنين كيف يمكننا توسيع دائرة المواطنة والفرص. ونحن نؤمن أن ذلك هو الآن الأمر المتوقع في القرن الواحد والعشرين. ونتطلع إلى مصر وإلى جميع المصريين كي يدعموا الديمقراطية الحقيقية.

والآن، لا ينحصر انخراطنا على الحكومة المصرية فحسب، بل سيكون الانخراط مع الشعب المصري أكثر أهمية بكثير. جئنا إلى مصر للتحدث مع الناس، لتقديم المساعدة لهم بالطرق الملائمة، وللعمل مع مختلف المجموعات، ولاسيما مع المجتمع المدني. ونركز اهتمامنا على مساعدة المصريين في خلق فرص عمل، وتنمية الاقتصاد، وتوسيع دائرة الازدهار. سنقدم ما نصت عليه الحزمة الاقتصادية التي أعلن عنها الرئيس أوباما بتخصيص مبلغ يصل إلى مليار دولار تحصل عليه مصر لإنشاء صندوق للمشاريع المشتركة بين الولايات المتحدة ومصر يديره رواد أعمال بارزون مصريون وأميركيون، يفتشون عن طرق لتقديم قروض إلى شركات صغيرة ومتوسطة الحجم التي ستشكل جوهر النمو الاقتصادي المصري. سيكون ذلك مهماً على وجه الخصوص هنا في الإسكندرية، التي تعرفون جيداً أنها المحرك الاقتصادي لمصر، بحيث يقدم نقطة توقف وحيدة لمعاملات شركات الأعمال من أجل اختراق جميع الحواجز البيروقراطية المانعة للنمو وجعل الأمور تسير بشكل أسرع، كي تتمكن الشركات من بدء عملها في السوق. سأرسل وفداً رفيع المستوى من شركات الأعمال الأميركية في مطلع سبتمبر/ أيلول لدراسة فرص التجارة والاستثمار.

إن علاقتنا ليست بجديدة، فقد زار ملايين الأميركيين هذا البلد، وخصوصاً هذه المدينة، وأعجبوا أيما إعجاب بتراثكم. ونحن فخورون لكون الأميركيين المصريين يشكلون جزءاً من مجتمعنا. وعلى امتداد ما يزيد على ثلاثة عقود، ساعدت الولايات المتحدة أكثر من 3 ملايين من رواد الأعمال المصريين في الحصول على التمويل، وقدمت منحاً دراسية لنحو 200 ألف امرأة وفتاة، وساعدت ملايين المصريين على التمكن من الوصول إلى المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي. في الواقع، لقد استثمرنا هنا في الإسكندرية ما يزيد على 700 مليون دولار خلال السنوات الـ 15 الماضية لتحسين الخدمات الأساسية كالمياه ومرافق الصرف الصحي.

إننا ندرك أن التحديات التي تواجهها مصر حقيقية، ولكن من وجهة نظرنا، نعتقد أن مواهب نحو 90 مليون مصري تتجاوز كل ما يتطلبه العمل، وسنعمل معكم وسندعمكم. وسنقدم لكم كل ما نستطيع من وسائل خلال قيامكم بإنشاء ديمقراطية مصرية. وبعد ذلك، بعد مرور مئة سنة أو مئتي سنة من الآن، سيستطيع مواطن من الإسكندرية أو القاهرة، أو من أي مكان آخر في مصر أن يتحدث حول الديمقراطية المصرية، وما عنته لشعب مصر من حيث تأمين فرص جديدة لأنفسهم ولأجيال عديدة من أولادهم.

كانت الإسكندرية لآلاف السنين مكاناً تعايشت فيه جميع الثقافات والأديان جنباً إلى جنب. فمنارة هذه المدينة ومكتبتها كانتا نقاط إرشاد للمسافرين وللعلماء الذين جاءوا من مختلف أنحاء العالم القديم لمناقشة المسائل العظيمة في أيامهم. ومن الصحيح تماماً أن يكون للولايات المتحدة وجود دبلوماسي صغير هنا. وإني أعتز بالانضمام إليكم في فتح هذا الفصل الجديد من الشراكة بين مصر والولايات المتحدة.

إقرأ أيضا لـ "هيلاري رودام كلينتون"

العدد 3604 - الخميس 19 يوليو 2012م الموافق 29 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 5:03 م

      المنافقة

      أكبر منافقة عرفها التاريخ على وجه الأرض. كيف

    • زائر 8 | 9:24 ص

      الضمير الحر أم التجارة الحرة

      كيف يمشي ولا يجري الاستماع لقول سيدة من سيدات البيت الأبيض تكتب عن بناء الديمقراطية في مصر ونسيت العراق وأفغانستان. فليس ببعيد جدا القرون الاولى وضعوا آلهة الحب تمثال لكنهم لم ينكروا الحرب بل تحاربوا وتقاتلوا. إن بناء الديمقراطية لا يقوم بثمال حرية وحرية الضمير ليست في حضور لغياب الحرية من الاساس.
      اليست التجارة مال وأعمال؟ فأين الاقتصاد متى ما كان الاستهلاك والاسراف في كل شيء عدى الاخلاق جائزٌ ومن المباح وغير المحرم.
      فهل ديمقراطية بلا حرية وبلا أخلاق لها مرجعية تكون دمقراطية؟

    • زائر 7 | 6:34 ص

      حقيقة

      سعادة الوزيرة لعلمك ان اي بلد ليس لبلدك يد فيها فهي امنة ومن تدخل يدكم فيها باي صورة من الصور كمساعدات تعليم دمقراطية علي مقاسكم فهي الي خراب و الامثلة كثيرة

    • زائر 6 | 6:11 ص

      يجب أن يكون العنوان كالتالي :

      أميركا ستقدم كل ما تستطيع لضمان حماية أمن إسرائيل

    • زائر 5 | 6:06 ص

      ودي اصدقش

      ودي ودي اصدقش يا هيلاري بس..

    • زائر 4 | 3:29 ص

      can we believe it !

      في مثل مصري يقول: أسمع كلامك أصدقك و أشوف أمورك أستعجب

    • زائر 3 | 3:23 ص

      انتبهوا ايها المصريون

      انكم لم تاتوا هنا لسواد عيون المصريين ايها الدجالون بل من اجل البنت المدللة اسراايل لحمايتها من غضب المصريين الذين ذاقوا الويلات من الصهاينة والتاكد من مرسي ان يحترم معاهدة كامب ديفيد والا لا يهمهم ديمقراطية ولا حقوق الشعب المصري

    • زائر 2 | 3:14 ص

      لا أمل منكم يا سعادة الوزيرة

      من يطمح للحصول على ديمقراطية انتم تقومون عليها فليبشر بالغبن

    • زائر 1 | 11:52 م

      يا هيلاري لماذا المصريون فقط

      ألا تستحق جميع شعوب العالم الديمقراطية

اقرأ ايضاً