أقرّ البرلمان الأردني، بعد سلسلة من الإصلاحات المستوحاة من الربيع العربي، قانوناً انتخابياً جديداً في 19 يونيو /حزيران، ممهِّداً الطريق أمام إجراء الانتخابات بحلول نهاية العام الجاري. لكن التصويت على القانون لم يخلُ من الخلافات، ففي خطوة تُجسِّد السجال الأوسع المحتدم حول نوع النظام الانتخابي الذي يجدر بالهيئة التشريعية اعتماده، هدّد عشرون نائباً بالاستقالة على خلفية مشروع القانون المقترح، حتى إن اثنَين منهما تعاركا بالأيادي. وبعد ساعات من إقراره، انتقده أمين عام جبهة العمل الإسلامي حمزة منصور، واعتبر أن الدافع من ورائه «الإصرار على التفرد بالسلطة وحرمان الشعب من حقه في المساءلة والمحاسبة».
لطالما دعت أحزاب المعارضة إلى تعديل نظام «الصوت الواحد» المطبَّق منذ العام 1993، انطلاقاً من أنه يصب في مصلحة المرشّحين القبليين بدلاً من أولئك المنتمين إلى الأحزاب (من جملة عيوب أخرى). خلافاً لمعظم النظم الانتخابية، يجمع نظام «الصوت الواحد غير المتحوِّل»بين الدوائر الانتخابية متعدّدة المقاعد التي تفرض الاقتراع بصوت واحد لمرشّح واحد، ويؤدّي في معظم الأحيان إلى فوز المرشّحين بالاستناد إلى دعم أقلّية صغيرة من المقترعين.
ويمنح القانون الجديد الناخب صوتين، الأول للدائرة المحلية بموجب النظام القديم أي «الصوت الواحد»، والثاني على مستوى البلاد بموجب نظام القائمة النسبية. وفي حين أن الصوت الثاني لصالح قائمة وطنية يصبّ في مصلحة الأحزاب وليس القبائل، لاتزال المعارضة تهدّد بمقاطعة الانتخابات لأن 17 مقعداً فقط، أو 12 في المئة، من إجمال عدد نواب المجلس (الذي رفعه القانون من 120 إلى 140) سيُنتخَب على هذا الأساس.
رداً على التهديد بمقاطعة المجموعات المعارِضة للانتخابات، طلب الملك عبدالله في 29 يونيو من مجلس النواب عقد جلسة استثنائية لإعادة النظر في القانون، وفي 4 يوليو /تموز أقرت الحكومة بزيادة عدد المقاعد على القائمة الوطنية الى 27 (أو 19 في المئة). رفضت جبهة العمل الإسلامي هذا التعديل وإحالة القانون المعدل إلى البرلمان، فهي تسعى لرفع هذه النسبة إلى 30 في المئة على الأقل.
وفي حين أثارت نسبة المقاعد الوطنية الكثير من الخلافات، يأتي القانون الجديد بتعديلات إضافية. فيسمح لعناصر الأجهزة الأمنية بالتصويت لأول مرّة، الأمر الذي من شأنه أن يؤثّر في نحو عشرة في المئة من مجموع الأصوات في البلاد (بحسب تقديرات محافِظة تعتمد على أرقام نشرت على موقع الحكومة الإلكتروني). نظراً إلى أن هذه الفئة من الأشخاص تعتمد على النظام في كسب رزقها وتتحدّر في شكل عام من أصول قبلية (لايحقّ للأردنيين من أصل فلسطيني تولّي مناصب في الجيش)، من المستبعد أن تصوّت للمعارضة. إضافةً إلى ذلك، رفع القانون عدد مقاعد دوائر البدو من خلال منحهم ثلاثة مقاعد جديدة على الكوتا النسائية، مما يمنح هذه الدوائر القبلية الممثَّلة أصلاً بفائض من النوّاب مزيداً من النفوذ في البرلمان.
يطرح نظام الصوت الواحد غير المتحوّل عدداً من المشاكل لحزبٍ كبير ذي دعم متفرِّق مناطقياً، مثل جبهة العمل الإسلامي التابعة للإخوان المسلمين. فهو يجعل من الصعب على الأحزاب معرفة العدد الأمثل من المرشّحين الذين يجب تقديمهم للانتخابات، ويواجه الناخبون أيضاً صعوبة في تنسيق أصواتهم. ففي كل دائرة، على الحزب أن يُقدِّم عدداً من المرشّحين مساوياً بالتمام لعدد المقاعد التي يعتقد أن بإمكانه الفوز بها، فإذا زاد عدد المرشّحين على المطلوب، يؤدّي ذلك إلى تشتّت كبير في الأصوات التي تصب لمصلحته ويتسبّب بالتالي بخسارة جميع مرشّحيه؛ أما إذا كان أقل من المطلوب، فيُضيِّع الحزب على نفسه فرصة الفوز بالعدد الأقصى من المقاعد. لكن يمكن أن يقع الحزب في ورطة أيضاً إذا فشل أنصاره في توزيع أصواتهم بالتساوي بين مرشّحيه؛ فعلى سبيل المثال، إذا صبّت أصوات جميع الناخبين لمصلحة مرشّح الصدارة، فسوف يحصل على عدد أكثر من كافٍ من الأصوات للفوز، ولن تبقى أصوات كافية لدعم مرشّحي الحزب الآخرين.
أضف إلى ذلك أنه يسهل التلاعب بحجم الدوائر الانتخابية في نظام الصوت الواحد غير المتحوِّل. فقد أنشأ النظام دوائر كبيرة ومتعدّدة المقاعد في معاقل الأحزاب المعارضة كي يزيد من تعقيدات المشاكل المرتبطة بالاستراتيجية الانتخابية والتنسيق بين الناخبين في تلك الدوائر. فكلما زاد عدد المقاعد التي يتوقّع حزب ما الفوز بها في دائرة معيّنة، يصبح تجاوز هذه المشاكل أكثر صعوبة - ويزداد احتمال فوزه بمقاعد أقل من تلك التي كان ليحصل عليها في ظل نظام نسبي.
تاريخياً، كان تمثيل الناخبين في الدوائر الانتخابية في الأردن غير متكافئ إلى حد كبير، فقد خُصِّص عدد أكبر من المقاعد للمناطق الموالية للنظام، وعدد أقل للدوائر التي يقيم فيها الإسلاميون والأردنيون من أصل فلسطيني. في الانتخابات الأخيرة (2010)، كان هناك مايزيد على 46000 ناخب لكل نائب في الدائرة التي تعاني من الإجحاف الأكبر في التمثيل في الهيئة التشريعية، في حين أن الرقم كان أقل من 8000 في الدائرة التي تملك الفائض الأكبر من التمثيل.
نظراً إلى أنه لدى النظام معلومات عن أحجام المجموعات القبلية المختلفة في المملكة وتوزيعها، بإمكانه تقسيم الدوائر الانتخابية بما يؤمّن فوز القبائل التي تشكّل العمود الفقري لدعمه. وفي هذا الإطار، يمكن تشبيه القبائل بأحزاب صغيرة وشديدة الانضباط؛ شرف القبيلة يُلزِم ناخبيها دعم أفراد العائلة في الانتخابات، وغالباً ماتنظّم القبائل انتخابات تمهيدية لتنسيق الأصوات استعداداً للانتخابات الفعلية. كما أن القبائل صغيرة عادةً، ولذلك تكتفي بتسمية مرشّح أو مرشّحَين فقط للانتخابات. تساهم هذه العوامل في حلّ مشكلة تشتّت الأصوات التي تواجهها المجموعات السياسية الأكبر حجماً.
أخيراً، يدفع نظام الصوت الواحد غير المتحوّل المرشّحين إلى السعي وراء «الصوت الشخصي». لدى سؤال النوّاب الأردنيين عن المهام التي ينجزونها يومياً، يقدّمون ثلاثة أجوبة: 1)إقرار التشريعات، 2)مراقبة موازنات الوزارات وشؤونها، و3)تأمين خدمات شخصية لناخبيهم.
يولّد النشاط الأخير تضارباً في المصالح في تنفيذ الوظيفتَين الأوليين للمنصب النيابي؛ فغالباً مايشترط النوّاب الحصول على منافع تتيح لهم تأمين خدمات شخصية لناخبيهم في مقابل موافقتهم على التشريعات والموازنات وسواها من الشئون الوزارية. كما أن نوّاباً كثيرين مرتبطون بقبائلهم من خلال قانون شرف يفرض عليهم السهر على رفاه عشائرهم. من الصعب على حزب سياسي مثل جبهة العمل الإسلامي التنافس في هذا المجال كونه لايُفيد من المنافع الحكومية الخاصة التي يتمتّع بها مرشّحو القبائل.
نظراً إلى هذه المعوِّقات، ليس مفاجئاً أن جبهة العمل الإسلامي قاطعت غالبية الانتخابات التي نُظِّمَت بموجب نظام الصوت الواحد غير المتحوّل. فالحزب يفضّل العودة إلى «نظام الكتلة» الذي كان مطبَّقاً في العام 1989، والذي يستطيع الناخب بموجبه التصويت لمرشّحين عدة في دوائر متعدّدة المقاعد، لكن لايمكنه التصويت سوى مرّة واحدة لكل مرشّح. غالباً مايؤدّي هذا النظام إلى منح المجموعة التي تملك دعم القاعدة الناخبة الأكثر اتساعاً والأشد تنظيماً، عدداً من المقاعد أكبر من ذاك الذي تستحقّه إذا أُجريَت الانتخابات بموجب النظام النسبي حصراً. فعلى سبيل المثال، في انتخابات 1989، فاز الإخوان المسلمون بنحو 20 في المئة من الأصوات، لكنهم حصلوا على مايقارب الثلاثين في المئة من المقاعد النيابية، في حين فاز مرشّحو القبائل بنحو 60 في المئة من الأصوات، إلا أنهم لم يحصلوا سوى على 40 في المئة تقريباً من المقاعد. صحيح أن هذا النظام معقّد بعض الشيء أحياناً - تخيّلوا أنه على الناخب أن يختار تسعة مرشّحين مختلفين ليصوّت لهم في إربد - إلا أنه يشجّع الناخبين على دعم المرشّحين بالاستناد إلى مؤهّلات موضوعية.
من شأن تطبيق النسبية على صعيد البلاد أن يخفّف من وطأة معظم المشاكل التي يطرحها نظام الصوت الواحد غير المتحوّل ونظام تصويت الكتلة في الأردن. لكن مايثير القلق الشديد هو عدم وجود أحزاب منظّمة في البلاد إلى جانب الإخوان المسلمين. فضلاً عن ذلك، لايُفرَض على المرشّحين الذين يتنافسون بموجب النظام النسبي الانتماء إلى لائحة حزبية، ولذلك لاتزال أمام القبائل الكبيرة التي تتجاوز حدود الدوائر الانتخابية فرصة جيّدة للفوز ببعض المقاعد الإضافية. إذاً يبقى السؤال ما إذا كان قانون الانتخاب الجديد سيؤدّي إلى تغيير فعلي في السياسة البرلمانية الأردنية.
إقرأ أيضا لـ "كريستن كاو"العدد 3603 - الأربعاء 18 يوليو 2012م الموافق 28 شعبان 1433هـ