العدد 360 - الأحد 31 أغسطس 2003م الموافق 04 رجب 1424هـ

المسلمون قادمون... الخليج والتحولات الكبرى

بعد الحرب على العراق وتداعيات المواقف العربية

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

كنت نويت حقيقة أن أسجل بعض ملاحظاتي على ما طرأ على الفكر الإسلامي/ الشيعي الإمامي الثوري منه خصوصا منذ تغيره في بداية القرن العشرين، وما طرأ على الصورة الثورية التي يظهر بها جليا للعيان منذ النصف الأخير من القرن الماضي، غير اني تركتها جانبا، لتسارع الحوادث وتغير المشاهد، واتساع الرقعة الجغرافية للفكر الشيعي الامامي المتجدد خصوصا، والإسلامي الحديث عموما، وكثافة الفكر الإسلامي الشيعي المتوارث والمتجدد نتيجة لسعة باب الاجتهاد فيه خصوصا وفي الإسلامي عموما.

غير أن مقالة حسن عبدالهادي بوخمسين التي نشرت تحت عنوان: «شيعة العراق... التوازن الصعب»، في العدد 702، ليوم الثلثاء الأول من شهر أبريل/نيسان 3002، في صحيفة «الوسط»، والتي تطرق خلالها إلى مسألة «الشيعة في العراق» قاصدا الشيعة الامامية، وهي مسألة ذات خصوصية حساسة جدا، وعميقة جدا، إلى جانب اتصالها وتأصلها في كيان مجتمعات كثيرة، العربي منها وغير العربي، نتيجة لزيارات العتبات المقدسة في العراق من قبل مجاميع كبيرة من المسلمين. تلك المقالة فتحت شهية البحث والكتابة في هذا الموضوع من جديد بمفهوم جديد، وجاءت هذه الشهية نتيجة لما يجري في العراق وغير العراق، من معارك، على الأصعدة كافة، المعلن منها وغير المعلن على حد سواء.

ومقالة بوخمسين المذكورة أعلاه، اختزلت الكثير، عن وعي وإدراك منها، لتبين القليل والمتيسر بوضوح، ومن ثم لتتساءل لكونها عجزت عن الإجابة على أسئلة طرحتها هي نفسها اختارتها من ضمن ما يطرح على الساحة أو مما طرحه كاتبها من وجهة نظره خاصة. فهي إذ لا تنكر أن العراق هو «العمق الاستراتيجي لكل الشيعة في العالم العربي» وتعني على الخصوص الشيعة الامامية، وهي إلى جانب ذلك، لا تنكر أيضا، أن كثيرا من مبدعي العراق مثل: «الجواهري، ومعروف الرصافي ونازك الملائكة والبياتي والسياب» الذين قرروا منذ أمد بعيد نبذ الطائفية كان مركزهم المناطق الشيعية في العراق مثل: «كربلاء» و«النجف» و«سامراء» وغيرها، وذلك للدلالة على أن تلك المناطق ليست فقط حصرا على رجال الدين والفكر الديني الشيعي بشكل خاص.

كما تطرق الكاتب إلى ان «العراق» - نظاما ومعارضة وشعبا - «يعيش» منعطفا تاريخيا كبيرا يتمثل «في التهديد الأميركي بالاجتياح والغزو، ولربما السيطرة والاستعمار لفترة طويلة من الزمن» (حدث وجرى كل هذا كما بينها لنا الإعلام بمختلف صوره ومازال). وان الحديث يجري «كثيرا عن موقف شيعة العراق أمام هذا الحدث الجلل! وخصوصا ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة من دور المعارضة الشيعية في هذه التطورات الدراماتيكية المتسارعة والخطيرة، وموقفها سلبا أو إيجابا، وذلك لما تمثله هذه المعارضة من قوة وثقل كبيرين على أرض الواقع». ومن ثم يورد الكاتب بعض المقترحات التي ربما يأخذ بها الشيعة الامامية منها: «نسيان الماضي والتغاضي عن كل هذه الآلام والجراحات وكل هذا السيل الكبير من الدماء التي سالت»، و«الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية التي قد لا تتكرر والمتمثلة في وجود طرف دولي قوي مثل أميركا»، و«بالتالي الدخول والمساهمة في هذا المجال بحسب الطريقة والأسلوب اللذين يرى صحتهما كل طرف من المعارضة». بعد مجمل هذا الخطاب، يتساءل بوخمسين في مقالته عن «الموقف السليم الذي يجب أن تتخذه أطراف المعارضة العراقية الشيعية على وجه الخصوص». غير أنه وبعد طرحه لمثل هكذا سؤال ينتهي إلى القول: «سؤال لا أملك الإجابة عليه بهذه السهولة والبساطة». ننتهي هنا من موجز ما ورد في مقال بوخمسين.

القرآن الكريم يعطينا هذه الصور من المعاني: «ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا» (مريم:91). المفردة «شيعة»، هنا تعني، «أمة»، أو «من أهل كل دين». وجاء في الصافات «وإن من شيعته لإبراهيم» (38) وهنا «شيعته» تعني «من أصل دينه» أو «على منهاجه وسنته». وجاءت على شكل «شِيعَ» وتعني «فرقا» وتعني «أمما» في آيات كريمة أخرى. من هنا يتبين لنا جليا أن المفردة بالمعنى القرآني تشمل المسلمين جميعا دون استثناء.

يورد «لسان العرب» تعريفا للمفردة «شيعة»، على النحو الآتي: «الشيعة: القوم الذين يجتمعون على الأمر. وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة. الشيعة: أتباع الرجل وأنصاره، وقد غلب هذا الاسم على من يتوالى عليا وأهل بيته». وهنا أيضا نرى أن المفردة «شيعة» ليست حكرا على الشيعة الامامية، بل هي تنسحب على جميع الفرق الإسلامية فهم جميعا شيعة بدرجة ما.

فالاسم أريد منه أن يشمل كل «الشيعة» بالمعنى القرآني، الذين ينتهجون منهجا جديدا للكفاح، منهجا تنطوي تحت لوائه جميع الفرق الاسلامية التي تنبذ «الطائفية» وتجاهد لعودة الحق إلى أصحابه وتزيل بفكرها النير ذي الأهداف السامية من ردهات التاريخ المظلمة ظلمتها وتنقي هواءه المعكر من جميع الشوائب التي لصقت به عبر السنين.

إن «الشيعة» بالمعنى القرآني هم القادمون أما «الشيعة» بالمعنى الطائفي الضيق (وهنا لا نعني الشيعة الامامية أو غيرهم من فرق الشيعة الإسلامية أيا كان شكل تشيعها) فقد انتهى زمنه وهو إلى زوال بصورته التي نتجت عن «ضروب القمع السلطوي». ونستدل على ذلك بالخطاب الإسلامي الجديد الذي يخرج به علماء الأزهر في مصر وعلماء فلسطين ولبنان والعراق والدول المطلة على الخليج كما يخرج عن الحوزات العلمية في العراق وإيران ولبنان وغيرها من البلدان التي توجد فيها دور العلم الإسلامية.

وان «التحولات الكبرى» التي أتينا بها نعني بها تلك التي بدأت منذ تولي «حزب البعث» سلطة الحكم في العراق، وقيام «الثورة الإسلامية» في إيران وبروز الجماعات الإسلامية في دول الخليج كافة، وظهور واندحار «حركة طالبان» وبروز «بن لادن»، وعودة الديمقراطية في البحرين بنظام المجلسين «المنتخب» و«المعين» وعودة المبعدين وإطلاق سراح سجناء الرأي، وزيارة رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران التاريخية للبحرين، وإشراك المجتمع السعودي من خلال النخبة في إدارة شئون الدولة عن طريق مجلس استشاري، وسيطرة الإسلاميين في مجلس الأمة في الكويت وتحجر بعض مفاهيمها خصوصا فيما يتعلق بشئون المرأة، وقيام مجلس الشورى في قطر، ودخول المرأة المجلس النيابي في عمان، وغيرها من قضايا مسّت الخليج وغيرت كثيرا من أوجه الحياة فيه وخصوصا السياسية منها، وقيام «أميركا» بغزو العراق والاستيلاء عليه أرضا وشعبا وتراثا ونفطا وماء، وحدوث الاغتيالات الكثيرة في صفوف الإسلاميين وغيرهم في العراق، وظهور بوادر حرب أهلية قد تؤدي إلى تقسيمه إلى دول أو جمهوريات جلها قد يكون إسلاميا، إلى جانب وصول ما تمت تسميته مجلس الحكم في العراق.

«الشيعة» الذين نعنيهم وهم على غير نهج من سبقهم بكل المقاييس، قادمون مسلحين بكلام سيد الأنبياء محمد بن عبدالله (ص) القائلة لمجرمي وعتاة مكة، لمجرمي الجاهلية حين سألهم: «ما تظنون اني فاعل بكم؟» فقالوا: «أخ كريم وابن أخ كريم»، فقال النبي العربي ذلك القول المأثور: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، قادمون مسلحين بـ «اذهبوا فأنتم الطلقاء» متسامحين بشهامة عربية إسلامية حتى النخاع في الأساس، قادمين صارخين في وجه كل متكبر وعات «هيهات منا الذلة» كما يرددها حسن نصر الله وأتباعه في الجنوب اللبناني النابذين للطائفية والعرقية. شيعة القرن الحادي والعشرين التي لا تشتمل في مجموعها على عناصر إسلامية فقط، بل إلى جانب ذلك عناصر من مختلف الأديان السماوية والمذاهب الفكرية التي تؤمن بحرية الإنسان وصون كرامته. وبما أننا نعي ونؤمن بأن العقل البشري يتطور دائما نتيجة تجارب كثيرة وينشد إلى جانب ذلك دائما الى الأفضل ويختار من صور هذا التطور ما يحفظ له إنسانيته وكرامته دائما مما يرى أمام بصيرته وبصره من معارف فيها الغث والسمين، وجب علينا إذا القول إن التراث الإسلامي الشيعي بالمعنى القرآني فيه جاهلية كثيرة لابد وأن عقل الإنسان العصري يرفضها جملة وتفصيلا، منها وأكثرها شهرة الطائفية التي إن دلت على شيء فإنها تدل على قصر نظر وجهل. وهي بذلك ستكون أول الأصنام التي سيدمرها القادمون الشيعة.

ها هي الحرب دقت أبواب العراق وللمرة الثالثة على التوالي وانتهت، وهي كما قيل حرب تلد أخرى، وهي في طريقها إلى دق أبواب منطقة الخليج بجهاته الأربع بشكل جنوني إذا لم ننتبه إلى ذلك ونعي حقيقة الجنين الذي يضمه رحمها. ها هي قوات التحالف الأميركية والبريطانية قد انتهت من دك الأرض العراقية دكا بمدافعها وصواريخها، وبقينا نحن مشدوهين غير عارفين مسبقا أو لاحقا بنتيجة حرب لسنا فيها طرفا قويا يساهم في صنعها وصنع أهدافها، وهي ماضية إلى صنع مستقبلها الذي تريد. ومع هذا فنحن نؤمن بأننا لسنا المستضعفين في الأرض قاطبة لا لسبب إلا لكوننا خارج الزمن.

الشيعة الذين يتداول أمرهم هذه الأيام، وخصوصا، بعد انتصار«الثورة الإسلامية» في إيران بزعامة الإمام الخميني وقيام «الجمهورية الإسلامية» هم حقيقة المسلمون الذين يوالون الإمام علي بن أبي طالب (ع) وأهل بيته وهم لا يخفون ذلك ويصرحون به جهارا نهارا، وهم ليسوا جماعة جديدة من الجماعات الإسلامية التي ظهرت حديثا أو انهم جماعة طارئة، بل لهم في حقيقة الأمر جذور تمتد إلى زمن الرسول الاعظم (ص) فهم امتداد لـ «شيعة محمد» (ص) المستضعفين في الأرض حين كانت قريش تمسك بزمام الأمور وتتسلط وتجور.

غير أن اسم «الشيعة» ارتبط منذ بدايته ارتباطا وثيقا بالعراق؛ لأن الكثير من الحوادث المكونة للتاريخ الشيعي وقعت هنا. ففي العام 166م، اغتيل علي بن أبي طالب (ع)، الخليفة الرابع والإمام الشيعي الأول، في أحد مساجد الكوفة. وقتل الحسين بن علي (ع) مع صحبه في معركة وقعت في سهل كربلاء العام 086م. وأمضى الكثير من أئمة الشيعة الاثني عشر، شطرا على الأقل من حياتهم في العراق. وفي العراق توجد مدن العتبات المقدسة الشيعية الأربع، الأكثر قدسية، وهي النجف وكربلاء والكاظمين وسامراء. ويضاف إلى ذلك أنه «ومنذ المراحل المبكرة للتاريخ الإسلامي، كان الكثير من النشاط الأكاديمي الشيعي يمارس في مراكز العراق كالكوفة والحلة وبغداد والنجف وكربلاء»، وان «حوزات الفكر الشيعي» في العراق تحتل مكانة مرموقة متفوقة، نظرا لأصالتها ولاستقلالها عن القوى السياسية الظالمة، وان العراق كان فيما مضى أرضا حكمتها سلالات شيعية، أبرزها البويهيون (549-5501)، وان «التشيع حدث في العراق طيلة التاريخ الشيعي» يعني ما يقارب من ألف وثلاثمئة وخمسين سنة. غير أنه «في الفترة التي بدأت بنفي مهدي الخالصي في العام 3291 وحتى ثورة 5391 بذل الشيعة أول محاولة لوضع أنفسهم على الخريطة السياسية للدولة الجديدة في العراق».

وتعود أصول «الشيعة» العراقيين جميعا إلى القبائل العربية (ونحن لسنا بصدد إعطاء تاريخ الشيعة الامامية هنا)، ونورد هنا بعض مسميات هذه القبائل على سبيل المثال لا الحصر: العدنانية، القحطانية، الحميرية، ربيعة، الطائية، شمر، بني تميم، عنيزة. إضافة إلى ذلك هناك طائفة عظيمة ممن استوطن العراق حديثا من المسلمين الشيعة العرب ومن مختلف الأمم الإسلامية غير العربية.

تذكر الاحصاءات الرسمية المعلنة أن مساحة العراق تبلغ 429434 كيلومترا مربعا، ويبلغ تعداد سكانه 72 مليون نسمة، يشكل 59 في المئة منهم المسلمون الشيعة بالمفهوم القرآني منهم 56 في المئة شيعة امامية، و53 في المئة الباقية من مختلف الديانات والمذاهب، ويتكون مجموع شعبه 57 في المئة من العرب و02 في المئة أكراد والباقي من مختلف الاعراق. كما نرى فإن الشيعة الامامية في «العراق» يشكلون أكثر من 06 في المئة من مجموع التعداد العام للسكان، وهم لذلك - كما يقال - يشكلون مشكلة من مشكلات العراق التي تختصر على هذا النحو: أقلية شيعية في وسط بحر عربي من السنة في مجمل الوطن العربي، وهي في نظرنا وفي نظر الشرفاء مشكلة وهمية تعشش في أفكار المأخوذين بالطائفية الجاهلية قديما وحديثا، ودليلا على وهمية هذه الأفكار نذكر بمواقف شيعة العراق الامامية البطولية والقومية مع كل القضايا العربية وأهمها على الإطلاق قضية فلسطين، ودليلا صارخا آخر على وهمية هذا الهاجس وهو موقف «الشيعة» الامامية في العراق من كل الحكومات التي تأخذ بالفكر «السني» نهجا لها وهي أقلية تتساوى ربما مع بعض الأقليات الأخرى غير الإسلامية في العراق إذ هو موقف مشرف إجمالا يخلو من طائفية أو تعصب يعمي الأبصار عن مصلحة الوطن.

أما بالمعنى الذي نأخذ به للشيعة، والذي أخذناه من «القرآن الكريم» فإن شيعة العراق في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحادي والعشرين يميل الكثير منهم إلى تأليف القلوب والعمل على تقريب وجهات النظر بعضها من بعض، والإتيان بحكومة «علمانية» يكون فيها لكل مجتهد نصيب، بل ذهب بعض منهم إلى القول بـ «فصل الدين عن الدولة». كما أن هذه الفئة تؤمن بأن الخطر المحدق بالأمة لا يمكن أن يزول «إلا بتحقيق حرية الشعوب والعدالة الاجتماعية وقلع جذور الظلم والعدوان وقمع رذيلة الحرص والشره على حق الغير والتجاوز عليه».

ومن يقرأ تاريخ العراق يلحظ دون معاناة تذكر أن هناك تحولا كبيرا طرأ على الفكر الإسلامي هناك، وأن هذا التحول في الفكر الإسلامي العراقي نحو توحيد الأمة في مسائل الثوابت الإسلامية وخصوصا في مسائل العبادات الجوهرية، وجعلها هي الأساس الذي تبني عليه مستقبلها، وإنها شاءت أن تترك بعض شواذ المجتمع من الجهلة يتشبثون بقشور الزمن الرديء لعلمها بأن الزمن كفيل بها، ويجعل من ثم بعد ذلك أفراد المجتمع بناء شامخا يصمد في وجه مختلف عوامل التعرية الفكرية والجهل. إن الشيعة القادمون الى العراق ديمقراطيون وتنويريون ومتسامحون هذا هو المعلن وهو ما نتمناه وما ننشده ونتوقعه.

نأتي إلى الدولة الثانية المطلة على الخليج: إيران، مساحتها الجغرافية على الخليج أكبر من جميع المساحات الأخرى للدول المطلة عليه إذ تبلغ مساحتها الإجمالية 0008461 كلم مربع، ويبلغ تعداد سكانها ما يقارب من السبعين مليون نسمة، يشكل الشيعة بالمعنى القرآني 99 في المئة، منهم ما يبلغ 3 في المئة من أصول عربية أي ما يقارب من مليونين ونصف المليون، منهم ما مجموعه 59 في المئة مسلمون شيعة امامية، و4 في المئة من مختلف فكر المذاهب الأخرى.

«الشيعة الامامية» في إيران، يشكلون الغالبية المطلقة، وهم لا يشكلون الغالبية الطائفية فقط، بل يشكلون أيضا الغالبية العرقية، أي انهم في مجملهم «إيرانيون» مع بعض من الأقليات العربية وغير العربية. معرفتنا بـ «إيران» ناقصة حقيقة، فنحن لا نعرف إلا الجزء اليسير فقط من إيران الحديثة، ومعرفتنا في معظمها لا تعدو كونها معلومات عن «الثورة الإسلامية» أو الثورات التي قامت فيها وعن قادتها وهي معلومات لمحطات تاريخية في سلم النضال الاجتماعي؛ ولا نعرف أيضا من تاريخ إيران الثقافي والسياسي والإسلامي إلا القليل عبر كتابات تخرج علينا بين الحين والآخر ترصد بعض التحولات التي جرت عبر تاريخها الطويل، وفي بعض منها يحاول كتّابها جاهدين ربط هذه التحولات التاريخية بنهج الثورة الإسلامية من الناحية التنظيمية والسياسية، غير أنها تفشل في هذا الربط لا لسبب إلا لأن الظروف بمجملها تختلف اختلافا جوهريا عن تلك الظروف السابقة لمختلف الدول التي قامت على أرضها. إضافة إلى ذلك فإن الترجمة قد تكون شحيحة جدا وبالكاد تذكر فيما عدا بعض الاستثناءات وخصوصا في الشعر (رباعيات الخيام وشعر الشيرازي وسعدي) والعلوم الدينية. وقد تكون كتابات بعض مثقفي إيران وسياسيِّيه في الدوريات والصحف العربية شرارة نتمنى اشتعالها لتنير لنا دروب المعرفة لهذه الجارة فكرا على الاصعدة كافة.

«الثورة الإسلامية» وهي كما ذكر ثورة عظيمة في إيران ترى عبر كتابات زعمائها ومفكريها أن «الدين» قد يصاب بآفات كثيرة نتيجة «العادات والأعراف والتقاليد والذهنيات الضيقة والمعتمة». وأخطر هذه الآفات على الإطلاق يكمن في «تقييد أصل الدين وقداسته ومطلقيته بمدارك البشر» وفي «التحجر» أي الاطمئنان الى التقاليد الفكرية والعادات الاجتماعية والتشبث العشوائي بها، ومن ثم سريان قداسة الدين ومطلقيته على هذه التقاليد والعادات. فعليه (أي الإسلام) «أن يكون حلال مشكلات الإنسانية في مجال الحياة العملية». فلهذا من هذا المنطلق الفكري يبدو أنها قد نبذت الطائفية وتحاول - كما نرى ونسمع - تضييق الهوة بين المسلمين كافة، وتستميل بهذا النهج عاطفة الشباب المتحمس لفكرة الإخاء وتوحيد الكلمة.

«الشيعة الامامية» في «شبه الجزيرة العربية» وخصوصا في المناطق المطلة على الخليج مثل: الاحساء والقطيف والبحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان والكويت نسبتهم من مجموع السكان كبيرة، وقد يشكلون ما نسبته 05 في المئة أو أكثر. فالمملكة العربية السعودية مساحتها 00000422 كلم مربع ومجموع سكانها يقارب العشرين مليون نسمة وما نسبته 001 في المئة منهم من الشيعة بالمعنى القرآني، وشريحة كبيرة لا تعرف نسبتها الصحيحة من «الشيعة الامامية» تتوزع على مجمل مساحتها الجغرافية جلها في المنطقة الشرقية. دولة الكويت مساحتها 81871 كيلومترا مربعا، تعدادها السكاني يبلغ مليون نسمة ما نسبته 99 في المئة من الشيعة بالمفهوم القرآني و03 في المئة شيعة امامية. البحرين تبلغ مساحتها 617 كيلومترا مربعا، وسكانها ما يقارب من 000006 نسمة، منهم 99 في المئة شيعة بالمعنى القرآني و 57 في المئة من الشيعة الامامية. دولة الإمارات العربية المتحدة مساحتها 00777 كلم مربع، ويبلغ تعداد سكانها مليونان منهم 99 في المئة شيعة بالمعنى القرآني و 03 في المئة من الشيعة الامامية. عمان مساحتها الجغرافية 754212 كيلومترا مربعا، مجموع سكانها مليونان ونصف المليون منهم 99 في المئة شيعة بالمعنى القرآني و03 في المئة شيعة امامية. قطر مساحتها 73411 كيلومترا مربعا وتعداد سكانها ما يزيد على نصف مليون نسمة منهم 99 في المئة شيعة بالمعنى القرآني و03 في المئة من الشيعة الامامية. مجموع مساحة الدول هذه 4799552 كيلومترا مربعا ومجموع سكانها يبلغ 00000562 نسمة. وجل البشر هؤلاء البشر يؤمنون بالإسلام أي انهم أمة واحدة مع وجود بعض الفئات التي ترى غير ذلك وهي شواذ الأمة.

هناك في المنطقة المجاورة للخليج عدد كبير من الشيعة بالمعنى القرآني والمعنى الامامي، ففي لبنان شيعة بالمعنى القرآني والمعنى الامامي ويتفاعل لبنان مع المراكز الدينية في كل من مصر وإيران والعراق، ويستطيع الباحث الجاد أن يرى بكل وضوح التعاون بين المراكز الإسلامية وبين الفئات الإسلامية في البلدان الواقعة على الخليج. فـ «شيعة» مصر لهم تعاون كثيف مع «شيعة» الخليج في دوله كافة ومختلف آفاق فكره؛ كما أن «شيعة» السودان لهم اتصال وثيق مع الجميع كما هي الحال مع سورية وفلسطين والأردن والبلاد العربية كافة. كما أن هناك شيعة بالمعنى القرآني في باكستان وأفغانستان والهند وهم بأعداد كبيرة جدا ولهم اتصال بشيعة الخليج ولهم تأثير كبير اقتصاديا وتربويا وجهاديا.

كما لا يفوتنا أن نذكر أن الشيعة هم أعضاء في أحزاب قائمة كثيرة في هذه البقعة من الأرض بعض منها يعمل في الخفاء وبعض منها يعمل في الجهر، نذكر بعض منها من يعمل في الجهر: «البعث» و«الشيوعي» و«الاشتراكي» و«الناصري» و«حزب الله» و«حركة القوميين العرب» وغيرها يؤمنون بأن الدين لله والوطن للجميع.

وبما أننا وصلنا إلى نهاية مطاف هذه العجالة يلزمنا أن نقول في شأن ما تساءل عنه بوخمسين إنه ما دام «الحكم» في العراق «سقط» فإن موقف الشيعة حتى قبل سقوط النظام هو رفض كل ما من شأنه تمزيق العراق جغرافيا على أية خلفية كانت، طائفية، عرقية أو أيديولوجية فيها يتم فصل الدولة عن الدين أو في مسألة تمزيق لحمته الاجتماعية ونحن نستنتج كل هذا من خلال أدبيات المقاومة المعلنة للنظام وهم إضافة إلى ذلك لن تكون لهم مساهمة في التعاون مع محتل ناهيك عن محتل مدمر.

العدد 360 - الأحد 31 أغسطس 2003م الموافق 04 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً