العدد 3599 - السبت 14 يوليو 2012م الموافق 24 شعبان 1433هـ

«المطابخ السرية» للطائفية

سعيد محمد saeed.mohd [at] alwasatnews.com

أتفق على الدوام مع الرأي القائل أن الترويج لأكذوبة «الإنشطار والفتنة الطائفية» في المجتمع البحريني ما هو إلا وسيلة لرفع درجة التأزيم وضرب السلم الاجتماعي، ولا أدل على سقوط تلك الأكذوبة من أن العلاقات بين أبناء الطائفتين الكريمتين، ممن تربطهم علاقات دينية وأخوية وإنسانية، كانت ولا تزال في حالها المبني على «الأخوة»، لكن هناك بلا شك حال رهيب من «الإنشطار» المشار إليه، وهو في حدوده يشمل في الأصل «الطائفيين، والمؤزمين، وذوي المصالح الفئوية المتاجرة بالصدام الطائفي»، وهؤلاء لا يمثلون الشريحة الأكبر من المجتمع، فهم ينشطون في المطابخ السرية للطائفية، ولم ينجحوا في ترويج تلك الأكذوبة، إلا بين أنفسهم وبين من يسير على منهجهم المريض.

قد يقول قائل : «ألا ترى ما حل بالمجتمع البحريني منذ يوم 14 فبراير 2011 حتى اليوم من علاقات بين الناس انهارت، وعداوات اشتعلت، وحراب ارتفعت في وجوه الأخوة؟»، وبالنسبة لي شخصياً لا أرى الانهيار، والعداوات، والحراب، إلا لدى من هو في الأصل طائفي بغيض لا يهمه «الوطن» واستقراراه -بأي شكل من الأشكال- قدر اهتمامه بأن يكون طرفاً في ضرب أي تقارب وعلاقات طيبة بين أبناء الطائفتين، لكن كل تلك المحاولات اليائسة، لم تفعل فعلها إلا في قلوب من يتلذذ بمشهد الصدام الأهلي، وهذا ما لم ولن يحدث إلا في مخيلة التهويل الإعلامي بكل وسائله، وهو إعلام في حقيقته مأجور.

على مستوى الوطن العربي والإسلامي، لن يتوقف عمل «المطابخ السرية» المصنعة للفتن الطائفية، ولعلني استحضر قول سماحة العلامة السيد عبدالله الغريفي في حديث له بمسجد الإمام الصادق (ع) بالقفول حين قدَّم طرحاً موجزاً مقدمته تقول :» الطائفية خطرٌ مرعبٌ، إذا اشتعلت نارُها أحرقت كلَّ شيئٍ على الأرضِ، ولم تبقِ أخضرَ ولا يابسًا، ولم توفِّر أمنًا ولا أمانًا، ولم تحفظ أرواحًا، ولا أموالاً، ولا أعراضًا... وإنَّنا ندين كلَّ الخطابات الطائفية التي تمزِّق وحدة الشعوب، وتوقد نيران الأحقاد والعداوات، ونأسف كلَّ الأسف، رغم كلِّ مواقفنا الواضحة كلَّ الوضوح في التصدِّي لكلِّ المشروعات الطائفية، ورغم ما عانينا واكتوينا بنيرانها».

ولخطورة «المطابخ السرية» للطائفية في الأمة الإسلامية، يحق للمرء أن يتساءل :من هم صناع الطائفية في أوطاننا؟، وبالضبط هذا هو السؤال الذي أجاب عليه العلامة الغريفي في حديثه، إذ أشار إلى ثلاث جهات، الجهة الأولى: القوة الكافرةُ المعاديةُ لمصالح هذه الأوطان، والطامعة في استثمار خيراتها، والسيطرة على ثرواتها، وعلى شعوبها، وعلى كلِّ أوضاعها السِّياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية، فمن مصلحة هذه القوى أن تبقى أوطاننا ضعيفةً، مسلوبةَ الإرادة، ممزَّقة القوى، وهكذا يعتمدون تغذية الطائفية وسيلةً من وسائلهم في الهيمنة والسيطرة وفرضِ النفوذ.

أما الجهة الثانية التي تدخل ضمن صناع الطائفية في البلاد الإسلامية والعربية، فقد عرَّفها العلامة الغريفي بأنها الأنظمة المستبدة فمن صالح هذه الأنظمة أن تتصارع الطوائف والمكوِّنات والأحزاب والمجموعات، ليوفِّر ذلك مناخات السيطرة، وليشغل الجماهير بصراعاتِها عن محاسبة سياساتِها، فمتى ما توحَّدت إرادات الشعوب شكَّل ذلك خطرًا عليها...

وهكذا تصرُّ هذه الأنظمة على إنتاج الصراعات الطائفية في داخلِ الأوطانِ مستخدمةً شتَّى الطرق والوسائل، ولعلَّ منها ممارسة سياسات التمييز المكشوفة أو المتسترة، أو القيام بأعمال تعبِّر بوضوحٍ عن (استهدافاتٍ طائفية)، وكثيرًا ما تحرِّك هذه الأنظمة وسائل إعلامها من تلفازاتٍ وإذاعاتٍ، وصحافة، وأقلامٍ موظَّفةٍ لكي تمارس شحنًا طائفيًا مكشوفًا، وهذا ما يتنافى كلَّ التنافي مع رسالة هذه الوسائل في صنع المحبَّة والألفة، والوحدة بين مكوِّنات الشعوب، لا أنْ تغذِّى الصراعات والعداوات والخلافات خدمةً لمصالح الأنظمة الحاكمة المسكونة بنزعات طائفية مقيتة...

وماذا عن الجهة الثالثة؟ تلك هي التي حددها العلامة الغريفي بالقول :«منابر دينية تمارسُ خطاباتٍ تغذِّي الطائفية والكراهية بين مكوِّنات الشعوب، استجابة لإملاءات الأنظمة الحاكمة، أو بدافع العصبيَّات المسكونة في النفوس، أو تعبيرًا عن جهالاتٍ وحماقاتٍ مسيطرة على العقول، وهكذا تتنكَّر هذه المنابر لأهداف الدِّين، وتتحوَّل مواقع للفتن الطائفية، والعداوات المذهبية، وعلى مرأى ومسمع من أنظمة الحكم التي لا تحرِّك ساكنًا، من أجل إيقاف اعتداءاتٍ سافرةٍ بين طوائف ومذاهب ومكوِّنات».

كان حديث العلامة الغريفي صريحاً، ذلك «إنَّنا ندين كلَّ الخطابات الطائفية التي تمزِّق وحدة الشعوب، وتوقد نيران الأحقاد والعداوات، ونأسف كلَّ الأسف، رغم كلِّ مواقفنا الواضحة كلَّ الوضوح في التصدِّي لكلِّ المشروعات الطائفية، ورغم ما عانينا واكتوينا بنيرانها»، (انتهى الإقتباس)، غير أنه من الأهمية بمكان التأكيد على أن تطبيق القانون لا يجب أن يستثني أحداً بصيغة الكيل بمكيالين اتجاه كل الأطراف الطائفية! فلا يصح أن يُستهدف خطيب، أو ناشط، أو سياسي، أو مثقف، أو كائن من يكون بدعوى إثارة الطائفية، ويلوى القانون ليغض الطرف عن آخرين اشتهروا على مدى سنين بتأجيج المشاعر، وشتم هذه الطائفة أو تلك بأرذل الأوصاف، وارتفعت أصواتهم القبيحة بتشجيع كل الممارسات العنصرية المدمرة. حين يُطبق القانون على الجميع بعدالة، حينها فقط، تبرهن الدولة على أنها ضد الطائفية، أما دون ذلك، ووفق معايير طائفية مقصودة، فإن الدولة تصبح طرفاً في فتح الباب على مصراعيه للطائفيين، وهذا ما صدق في وصفه العلامة الغريفي :«خطر مرعب».

إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"

العدد 3599 - السبت 14 يوليو 2012م الموافق 24 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 8:00 ص

      سنبقى أخوان

      مشكلة الطائفية مشكلة من إختراع النظام حيث أجّر المأجورين ليقولوا بأن الشيعة خرجت على الحاكم لأنه سني و !! و أنا عن نفسي لا أخشى من الوقوع في الفتنة الطائفية لان شعب البحرين أطيب شعب على وجه الكرة الارضية و لا يمكن لهذا الشعب أن يصبح عدوانيا في يوم من الايام

    • زائر 19 | 6:59 ص

      اشكر جهودك يا بومحمد

      اشكرلك جهودك يا بومحمد الاعلامية ومشاركاتك في الفعاليات والأنشطة فأنت كالجندي المجهول الذي تساعد الجميع، وكم انني خالفتك في مقال (اكذوبة الانشطار والفتنة الطائفية) في العام الماضي وجدت اليوم كلامك صحيح.. انا كنت ابني على الاعلام المأجور لكن على ارض الواقع العلاقات بين اخوتنا السنة واجد ممتازة، نعم هناك بعض الخلافات هناك خصام لكن تدري بين من؟ بين المغفلين حتى لو كانوا متعلمين.. صغار العقول فعلاً والا الطيبين والمحترمين والمستقلين فكرياً لا والله كل شي تمام التمام يا فندم

    • زائر 18 | 6:54 ص

      المواطن دايخ يا استاذي الكريم

      المواطن دايخ يا استاذي الكريم.. المواطن البحريني سني شيعي طيب من احسن ما يكون.. المواطن البسيط يمكن ما له علاقة بالسياسة لكن الحال في الكون كله سياسة..معليه خل نتكلم سياسة ويكون لكل واحد موقف سياسي شعاد.. س مو ضروري جوع وضرب جموع.. نعم كان البعض ولا يزال يحاول تخويف الطائفتين من بعضهم بعض لكن نجحو شوي وفشلوا وايد اكا الاوضاع من احسن ما يكون.. ما عرف احد من ربعي الشيعة عادى سني من ربعه الا قليل وهم فعلاً من الناس الموتورين واللي عقولهم صغيرة من الأصل.. المواطن دايخ استاذ سعيد والسبب القانون الهش

    • زائر 17 | 6:45 ص

      اذكرك بتغريدة لك ايها الكاتب

      الاخ الكريم الكاتب الفاضل الدرازي البلادي نتشرف بك درازي كما نتشرف بك بلادي الأصل.. انا اتذكر لك تغريدة في تويتر تقول بما معناه: الطائفية لا تنتشر وتسعر نارها الا في المجتمعات التي تحكمها دول وحكومات هي تريد أن تشعل الطائفية.. هذا لب الحديث.. فالطائفيةالخطيرة في الكثير من المجتمعات هي برعاية الدول ولن تجد دولة ترفض الطائفية وتحاربها الا وتجد الناس يمشون على العجين ما يلخبطهوش..

    • زائر 15 | 6:07 ص

      اسأل اصحاب المنابر كلام سليم

      اتفق مع زائر 1 فيا استاذ سعيد اسأل أصحاب المنابر وكما يقول الاخ منع الحديث في السياسة؟ والله كلامه لا يجاري منطق الخطاب الإسلامي كأمة، فلا يمكن منع الخطاب السياسي في المنبر الديني بل كلاهما متلازمان، انما المسألة هو في مضمون الخطاب السياسي من على المنبر.. الخطاب السياسي على المنبر الديني مطلوب وخصوصاً في مراحل سياسية خطيرة مرت وتمر بها الأمة، والمسألة ليس منبر هذه الطائفة او تلك.. بل تعال قل ما هو المضمون والهدف والرسالة من الخطاب السياسي اما المنع فمستحيل الا لمن يميل للدفاع عن الظالم

    • زائر 14 | 2:51 ص

      قادة الكشافة

      بالنسبة لقادة الكشافة فإن موضوع الطائفية البغيضة بعيد عن هذه الفئة المضحية و لكن يعلق في النفس رواسب زملاء في الكشافة كانوا سببا في فصل آخرين من أعمالهم بسبب وشاية جاسوسية غبية،دقت أسفين في الجسم الكشفي فتوقفت أغلب الأنشطة الكشفية و ضعفت

    • زائر 13 | 2:14 ص

      الصحف والقنوات الخبيثة

      بعض الأقلام والقنوات الخبيثة التي لاتريد الخير لهذا المجتمع عاهدت نفسي ان لا انطر اليها وتشفيرها بالمرة افضل للصحة

    • زائر 12 | 1:50 ص

      هناك صحف واقلام همها اشعال الفتن

      بعض الصحف لا يمكن للانسان العاقل ان يمر عليها اذا كان يريد صحته وسلامته لما تتقيء من احقاد وفتن وكلام لا يمكن صدوره من انسان يحترم نفسه
      عن نفسي وعن الكثير عاهدت نفسي ان لا امر على مثل هذه الصحف او القنوات لأنني ارى انني ارتكب اثما لمجرد النظر اليها او سماعها

    • زائر 11 | 1:47 ص

      الويل لأرباب الفتن يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين

      الاحتطاب والاحتمال معناه التكلف في حمل الذنوب اي ان البعض يحمّل نفسه مالا تطيق من ذنوب حتى يأتي يوم القيامة وقد باء بإثمه وآثام الآخرين.
      وأشعال الفتن تترتب عليه ذنوب متراكبة ومتراكمة
      فكل ما يحدث بعد تشب نار الفتنة فإن من سعّرها له نصيب في كل ما يحدث إن كان قتلا فهو شريك وان كان ظلما وتعديا وتعذيبا وسرقة فهو شريك في كل ذلك

    • زائر 9 | 1:09 ص

      علاقتي بهم لم تنقطع

      بالنسبة لي لم تنقطع علاقتي بربعي وأصدقائي وزملائي من الطائفة السنية الكريمة ، التقي معهم كل ليلة في النادي والقهوة والمقهى ونسهر لغاية الصباح لم تتأثر علاقتنا بما تشهده الساحة السياسية البحرينية ، نعرف أنها سحابة صيف وستزول لذلك مازالت علاقتنا طيبة بل وممتازة. من يطبخون في المطابخ السرية الطائفية ستحرقهم نار طائفيتهم ولعبهم بالنار سيؤول عليهم وبالا بمشيئة الله.

    • زائر 8 | 1:02 ص

      خاصة منابر الجمعة

      الذي يعلتيها أصحاب الفتن ويسبوا طائفة بأكملها أو البعض الذي يحرض على ظلم فئة ويتهمها بالخيانة ويكرر إسطوانات يعرفها قبل غيره بأنها شماعة للتهرب من الواقع..

      فهل يمكن اجبارهم هؤلاء على الالتزام؟ هنا مربط الفرس وياريت يعقب الزائر على هذا الراى..

    • زائر 7 | 12:58 ص

      مطابخ الفتن والذنوب الكبيرة -فلا كبائر لدينا

      نعم ايها الكاتب انها مطابخ الفتن وقلب الحقائق وشق الصفوف وشب نيران الطائفية واختلاق فتن لم يعرفها شعب البحرين. نعم انها الفتن التي وصفها الله سبحانه بأشد وأكبر من القتل. والمعنى إنكم ايها الشاعلون للفتن الطائفية إنما تقومون بأعمال عقابها ووزرها اكبر من قتل النفس وقتل النفس وصفه الله تعالى بأن من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا.
      فلتتخيلوا أيها الطبابيخ والشيفية اي شيء تطبخون لآخرتكم إنها النار وغضب الجبار نعم هي كذلك
      تنعنوا بما تقومون به وتوبوا قبل ان يأتيكم المنون وانتم على هذا الحال

    • زائر 4 | 10:35 م

      اخطر المطابخ الطائفيه

      من اخطر مطابخ الطائفيه هي المنابر الدينيه فد قيل كلمة رجل الذين الطيبة دواء والكلمه الخبيثة داء ، ورجال الدين كلمتهم مسموعة وممتبعه ،فاذا صدق رجال الدين فى أفعالهم وأقوالهم سلمت آلامه ،فليتق رجال الدين ويحالوا الله فى ما يفعلونه بآلامه الاسلاميه

    • زائر 1 | 10:27 م

      اسال اصحاب المنابر

      صدق الغريفى حول دور المنابر في تاجيج الطائفية : لماذا لا نتفق على اسكات ومنع من يعتلى المنبر عن الحديث في السياسة ؟ شيوخ ... يمكن اجبارهم على الالتزام ولكن هل تظمنون التزام الشيعة ؟ هنا مربط الفرس وياريت يعقب الكاتب على هذا الراى

اقرأ ايضاً