العدد 3593 - الأحد 08 يوليو 2012م الموافق 18 شعبان 1433هـ

الإنسان هو الصانع للحب

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

في البسيط والسهل، في الساذج والمباشر من الأمور كلها، لا أحد في الدنيا يدعي الشرف، وفيه ذرة تآمرٍ على من يحب ضمن محيطٍ خصوصي ومغلق.

الحديث عمّا بعد ذلك المحيط، بما يتضمنه من تفاصيل وحساسيات قِيَم، سيكون تآمراً على المحيط البشري بأسره، وخصوصاً حين تكون المواقف تبريراً لاستهداف ذاك، وحظوة ذلك.

سئم الناس من مثاليات تصدر عن أجهزة إعلام لا مثالية، ولا قيمة للذين هم من ورائها، ويضخون الدجل والكذب، والافتراء والفتن، عبر تلك المنابر، ولا يهم بعد ذلك درجة الزلزال الذي تحدثه تلك الفتن، ولا يهم بعدها كم هي الحياة بائسة ومخترقة بهكذا أشباه بشر، ومتطفلين على النوع والجنس.

مذ وعى الإنسان على قانون حضوره المنظم لعلاقاته، ومذ وعى على خطورة الخروج على ذلك القانون، ظل بطاقة استثنائية، في انتظاره حدوث ما يؤكد أنه ليس موضوعاً للنسيان، ومشروعات التأجيل. كان يعي خطورة أن يُهمش عنصر لا يمكن استتاب عناصر الحياة من دونه، وفي معزل عنه.

الحياة ليست بذلك التعقيد الذي نتوهم، هي سهلة وبسيطة، ومباشرة ومتفهمة، إذا لم نكن خلاف كل تلك الوصفات. نحن الذين نفسد تلك السهولة والبساطة، ونقحم عقدنا في الألغاز، كي نقطع عنها طريق المباشرة، ولدينا استعداد فائض، لكي نسيء الفهم من دون أي حافز أو محرض، أو حتى فراغ يدفعنا إلى كل ذلك.

الحياة جميلة، ونحن الذين نضخ فيها من الجمال أضعافاً مضاعفة، بقدرتنا على ألاّ ننحاز إلى القبح فينا، الطارئ أو حتى الذي نعتقد أنه مقيم.

قبل أعوام كنا ندخل إلى الحياة من دون خرائط أو كتيبات تعريف، لنتلمس علاقاتنا في الأمكنة. كنا قادرين بعفوية في الدم والتكوين على تلمس واكتشاف الغامض من الحياة، أو ما نظنه غامضاً من دون الخرائط والكتيبات تلك، لأن العفوية في بُعدها الجميل، لا تُترك رهناً لأية متاهة، أو ضياع، أو محاولة اكتشاف.

كل شيء برسم الوضوح، لأن النفس البشرية وقتها، لم تعانِ حالاً من التحفز والتوتر، أو تعيش حس الانقضاض عليها من هنا وهناك. اليوم بات كل شيء بحاجة إلى خريطة وكتيب توضيح، حتى في البيئة الواحدة المغلقة على جماعات وأفراد بعينهم، بل حتى في الأسرة الواحدة المكونة من شخصين.

ومنذ أن هبط الإنسان الأول من جنته إلى جحيم الأرض، عمل على جعلها (الأرض) جنته، عبر منظومة أخلاقية استطاعت أن تحدث توازناً بين البشر في علاقاتهم، وإن بدت تلك المنظومة غير ملزمة لكثيرين، يرون في قوتهم والأسباب التي تحملهم على الهيمنة بديلاً لتلك المنظومة الأخلاقية، وإنها هي المنظومة الأخلاقية الوحيدة التي يظنون ويؤمنون بها.

ومع ذلك، لا يمكن لذلك الشذوذ في النظر والتعامل، أن يحكم قدرة كل منا على أن يقود الحياة إلى مزيد من الجمال الذي تكتظ به نفوس الأصحاء في علاقاتهم، ونظرهم لبني جنسهم من جهة، وما يرتبط به من مخلوقات من جهة أخرى.

كأن الحياة في أول مطافها -ولا نهاية لذلك المطاف- محاولة لتذكير الإنسان بأنه الصانع للحب، وكل قيم الخير والجمال فيها، إذا ما انقاد إلى فطرته وبساطته، وانفتاحه على السويّ لا المعوّج، والمخاتل والمتربص منها.

وحين يغفل عن تلك الطاقة التي تكتنز بها نفسه وروحه، لا يمكن لهذه الحياة إلا أن تكون مسرحاً للعبث بكل شيء، وأول من سيمتد إليه ذلك العبث هو الإنسان نفسه.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3593 - الأحد 08 يوليو 2012م الموافق 18 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 10:38 ص

      لو شغلوا بالحب ...ز

      لو شغلوا بالحب وبالحب وحده لا صبحت حياتهم وحياة الاخرين كما يشتهون

    • زائر 3 | 3:45 ص

      حب الخلق من المخلوق و حب الخلق من الخالق!

      اللطيف الخبير خلق الموت والحياة كما جعل المودة والرحمة بين الناس.
      فالمودة والرحمة عنصران رئيسيان للحب والمحبة لا تقوم إلا بهما.
      فهل الحبيب خلق الحب؟
      أم المحبوب خلق الحب؟
      أم المحبة مِن خالقها؟

    • زائر 2 | 2:53 ص

      جميل

      شكرا لكم عزيزتي سوسن على عمود اليوم جميل مثلك ولعن الله من ايقظ الفتنة التي كانت نائمة

اقرأ ايضاً