في عام 1997 وقعت حادثة طالما كان الأطباء يخشون حدوثها، فقد استجاب 3 من المرضى في مناطق جغرافية متباعدة استجابة ضعيفة لعقار الفانكومايسين (Vancomycin)، الذي كان يعتبر من المضادات الحيوية المهمة لعلاج بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus). كان ظهور هذا الجيل من البكتيريا العنقودية المقاومة لعقار الفانكومايسين نذيرا» مقلقاً» بظهور أجيال أخرى مقاومة لمضادات حيوية أخرى. من المعروف أن المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للفانكومايسين تصيب نزلاء المستشفيات، إلا إنه لوحظ في الفترة الأخيرة وجود هذا النوع من البكتيريا ضمن المرضى الذين لم يسبق لهم دخول المستشفى من قبل. تسبب هذه البكتيريا أمراضاً كثيرة مثل إلتهابات الجلد والأنسجة، إلتهاب الرئة، تسمم الدم، وعدوى الجروح.
لا تعتبر المكورات العنقودية الذهبية البكتيريا الوحيدة المقاومة للمضادات الحيوية، إنما هناك أنواع أخرى من البكتيريا باتت مقاومة للعديد من المضادات مثل المكورات المعوية (Enterococcus faecalis) وبكتيريا السل الرئوي (Mycobacterium tuberculosis). تسبب المكورات المعوية إلتهابات البول وتسمم الدم، وتسبب بكتيريا السل إلتهابات مدمرة قد تصيب أي عضو في الجسم.
إذن هي حرب ضروس بيننا وبين البكتيريا. ما يحدث لنا الآن هو وجود أنواع من البكتيريا مقاومة لنوع أو أكثر من المضادات الحيوية، بينما لا يوجد في الأفق القريب أنواع جديدة من المضادات التي يمكن أن تعالج هذه البكتيريا المقاومة للأدوية الموجودة. ما الذي يمكن أن يعنيه هذا الكلام؟ إنه يعني كارثة طبية بكل المقاييس! ففي بداية الأربيعينات من القرن الماضي، عندما اكتشفت المضادات الحيوية، اعتبرت أدوية سحرية تخلص الجسم من البكتيريا دون إلحاق أي ضرر به. لكن مع مرور الوقت، أدرك الأطباء أن هذا الاعتقاد غير صحيح للأسباب التالية:
- إن المضادات الحيوية لا تعتبر دواء سحريًا بلا ضرر، فهي كأي دواء لها العديد من الأعراض الجانبية التي قد يكون بعضها خطيراً.
- لا تقتل المضادات الحيوية البكتيريا «الشريرة» فحسب، وإنما البكتيريا «الطيبة» أيضاً. هذه البكتيريا المفيدة ضرورية جداً لعمليات عديدة في أجسامنا، والتخلص منها يخل بتوازن الجسم.
- استطاعت معظم أنواع البكتيريا إيجاد طرق للتغلب على المضادات الحيوية، وبالتالي أصبحت هذه الأدوية السحرية أقل فاعلية في علاج الكثير من الأمراض الجرثومية، وبعد أن كان البنسيلين يعالج الكثير من الإلتهابات، بات بلا فائدة، لوجود الكثير من أنواع البكتيريا المقاومة له.
ما الذي أدى إلى نشوء هذه الكارثة الصحية التي لو استمرت وتفاقمت قد تعود بنا إلى عصور ما قبل اختراع المضادات الحيوية؟ يمكن تلخيص أسباب تزايد ظاهرة مقاومة البكتيريا للمضادات فيما يلي:
- الإفراط في استخدام المضادات الحيوية لعلاج إلتهابات غير بكتيرية. يصف الكثير من الأطباء تحت ضغط المريض مضاداً حيوياً لعلاج أمراضاً فيروسية مثل الزكام العادي. يؤدي هذا إلى قتل البكتيريا الجيدة، وتكاثر البكتيريا المقاومة.
- الاستعمال غير الصحيح للمضادات الحيوية (النوع أوالجرعة أوالمدة). يلجأ بعض المرضى لغير الطبيب لوصف المضاد الحيوي مما يؤدي إلى اختيار نوع غير مناسب للمرض. أحياناً لا يلتزم المريض بتعليمات الطبيب، فيستعمل الدواء بجرعات أقل أو لمدة أقصر من المطلوب.
- إضافة المطهرات (disinfectants) بالصابون، والمنظفات المنزلية المصنعة للاستهلاك العام. لا يتوفر أي دليل علمي على إن إضافة المطهرات يقلل من الإصابة بالعدوى، إلا إنه يسبب قتل البكتيريا الحساسة فتتكاثر تلك المقاومة للمضادات.
- استعمال المضادات الحيوية في تربية الحيوانات الداجنة والزراعة. إن أكثر من 40 بالمئة من المضادات في الولايات المتحدة الأميركية تعطى للحيوانات. ويستعمل قسم من هذه الكمية في معالجة العداوي أو الوقاية منها، بيد أن حصة الأسد منها تمزج بالغذاء للحض على النمو. وتعطى في هذا التطبيق الأخير كميات ضئيلة جدا لا تكفي للقضاء على العدوى، ويستمر ذلك على امتداد أسابيع أو أشهر. وتستعمل المضادات الحيوية في الزراعة على شكل رذاذ في حقول الأشجارالمثمرة بغية مكافحة العدوى البكتيرية أو الوقاية منها. لا تكفي هذه الكميات الصغيرة من المضادات الحيوية لقتل البكتيريا المقاومة فتنتقل للإنسان عن طريق الغذاء إذا تناول الإنسان طعاماً ملوثاً أو غير مطهي بشكل كاف.
والآن وبعد أن عرفنا أسباب نشوء أجيال البكتيريا المقاومة للعدوى، يمكننا أن نتوصل إلى طرق الحد من هذه الظاهرة الخطيرة:
- عدم الضغط على الطبيب ليصف لك مضادا حيوياً لعلاج مرض غير بكتيري كالزكام مثلاً.
- استعمال المضاد الحيوي تماماً كما وصفه لك الطبيب (نفس الجرعة والتوقيت ومدة العلاج)، وعدم التوقف عن أخذ المضاد عند الشعور بتحسن المرض.
- غسل الخضراوات والفواكه جيداً، للتخلص من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، وتجنب أكل البيض النيء، واللحم غير المطهو جيداً.
- الالتزام بتعليمات الوقاية من العدوى عند زيارة المرضى في المستشفى كلبس القناع أوالمريلة الواقيين.
- عدم استعمال الصابون أوالمنظفات المنزلية المحتوية على مواد كميائية مطهرة إلا عند الضرورة القصوى.
- غسل اليدين جيداً قبل وبعد الخروج من غرفة المريض.
- عدم اصطحاب الأطفال لزيارة المرضى في المستشفى.
كما إن وضع قوانين لا تسمح للصيدليات ببيع أي مضاد حيوي بدون وصفة طبية، ومساعدة المزارعين على إيجاد بدائل لتحسين نمو الحيوانات والنباتات وحمايتها من العدوى، سوف يساهم بشكل كبير في الحد من هذه الظاهرة.
لقد حان الوقت كي نتعاون جميعنا للحد من هذه الظاهرة الخطيرة حتى لا نجد أنفسنا نعود للوراء، ولكي يستمر بقاء البكتيريا الحساسة للمضادات الحيوية، وإلا سوف نصل إلى مرحلة لا نجد فيها مضاداً حيوياص واحداً فعالاً. إن التوعية بهذه الظاهرة ومثلها للأمراض الأخرى كتلك الناتجة عن الفيروسات والطفيليات والفطريات أمر في غاية الأهمية حتى لا نعود إلى عصور الطب الحجرية.
إقرأ أيضا لـ "نهاد نبيل الشيراوي"العدد 3590 - الخميس 05 يوليو 2012م الموافق 15 شعبان 1433هـ
يعطيك العافية
يعطيك العافية يا دكتورة با اصيلة ع هذة النصائح المفيدة ...
شكراً دكتورة على هذا الموضوع الهام،ولكن لدي سؤال.
"- استعمال المضاد الحيوي تماماً كما وصفه لك الطبيب (نفس الجرعة والتوقيت ومدة العلاج)، وعدم التوقف عن أخذ المضاد عند الشعور بتحسن المرض."
هل هذا يعني ان المريض قد شفي من المرض ولكن البكتريا اصبحت محصنة من المضاد رغم شفاء المريض،و بالتالي يمكنها الانتقال الى شخص آخر واصابتة بالمرض؟
وشكراً لكم
شكراً دكتورة على هذا الموضوع الهام،ولكن لدي سؤال.
"- استعمال المضاد الحيوي تماماً كما وصفه لك الطبيب (نفس الجرعة والتوقيت ومدة العلاج)، وعدم التوقف عن أخذ المضاد عند الشعور بتحسن المرض."
هل هذا يعني ان المريض قد شفي من المرض ولكن البكتريا اصبحت محصنة من المضاد رغم شفاء المريض،و بالتالي يمكنها الانتقال الى شخص آخر واصابتة بالمرض؟
وشكراً لكم
دكتوره و كاتبه
لا عجب في دلك يابنة الأطباْء . . بوركت يأيتها المحرقيه الشيراويه الأصيله
جمعة مباركة
الله يخليج