الدعوات التي انطلقت أخيراً من قبل البعض بشأن استحالة وحدتنا الوطنية جاءت متناغمة مع الحملات الإعلامية الهادفة إلى شق الصف الوطني وخلق واقع جديد يؤسس لمجتمع غير متصالح مع ذاته. وهذا البعض الذي ابتلي بنزعة الاستئثار وعقدة الشك غير مدرك لعواقب تقسيم المجتمع على أسس فئوية أو مذهبية كما سنرى لاحقاً.
لسنا هنا في وارد إثبات القواسم المشتركة بين جميع مكونات المجتمع والتي جعلت من التعايش والتعاضد واقعاً ملموساً على مر السنين. فلم يعرف عن أهل البحرين على مستوى الإقليم وأبعد منه إلا الوداعة والسلمية والتحضر. فقد تعالوا دوماً على الجراح وتكاتفوا في أوقات المحن، وتقاسموا لقمة العيش في أحلك الأيام وأشدها قساوة، وتشاركوا دوماً في الأفراح والأحزان حكاماً ومحكومين. فكانوا خير من ضربت بهم الأمثال.
إن هذه القواسم المشتركة وكذلك الألفة بين الحاكم والمحكوم هي التي حافظت على سلامة الوطن ودرأت عنه المخاطر في منعطفات تاريخية عدة، فهذا الموروث الحضاري هو ما ينبغي البناء عليه لصد كل أشكال التطرف العابر إلينا من خلف الحدود. من هنا يحق لنا التساؤل عن مغزى قيام البعض بأبراز عوامل الفرقة، والتشكيك في وجود هذه القواسم التي توحدنا. فهذا التفكير والسلوك لا يساعدنا على درء المخاطر عن الوطن، وهو الهدف الذي نسعى جميعاً إلى تحقيقه. أليس في محاولة شق الصف الوطني من جانب، ودق إسفين بين الحاكم والمحكوم من جانب آخر، تقويض لأمن الوطن واستقراره؟
ألا يشكل هذا السلوك ضرباً من الشيزوفرينيا والانتهازية السياسية؟ إننا لا نبرّئ أحداً من هذه الخطايا في حق الوطن ولكن المسئولية والحجة هي أكبر على من يمتلك النفوذ والأدوات التي تجزّئ الوطن وفقاً لمعايير المصالح الفئوية وسلم توزيع الغنائم بعيداً عن معايير المواطنة والقدرة على العطاء، وهي المعاييرالسليمة الدالة على الولاء للوطن والنظام. من هذا المنطق ليس بوسع أحد أن يجادل أو يقنعنا بأن سلامة الوطن وتحصينه من التدخلات الخارجية تكمن في شق الصف وتصنيف الناس وفقاً لسلالم وقوالب مصنوعة لهذ الغرض، أو في الوقوف كجلمود صخر في وجه كل محاولة لرأب الصدع. فليس من الصدفة أن يصبح من يرفض الاتفاق على القواسم المشتركة الموحدة هو الداعي لتثبيت الفرقة كحالة واقعية.
يسخّر دعاة الفرقة الاختلاف المذهبي الطبيعي الذي تعايشنا معه منذ قرون عدة كأداة للخلاف الذي يبرر سياسة الاستئثارالتي تعرقل جهود الناس لبناء مجتمعهم وفقاً لمعايير المواطنة المتكافئة وحكم القانون. لهذا السبب يحلو لقوى التزمّت تصوير الخلافات السياسية الطبيعية في المجتمع على أنها حروب صليبية، ولكن بين شركاء الوطن واللغة والدين والثقافة والحضارة. فهل أصبح هذا النوع من التناغم مع مخططات الخارج بجميع تلاوينها نهجاً قويماً وجب السير عليه؟ ومتى أصبح الاحتراب الداخلي صكاً من صكوك الجنة؟ ألم توفر الأهوال التي تصيب من حولنا العبر الكافية لنا للاتعاظ؟
إن خطاب الكراهية من أي طرف ليس هو النموذج الذي يزدهر به الوطن، بل إن الوسطية والاعتدال هو النموذج الذي يتناسق وثقافتنا التي حافظت على كياننا منذ الأزل. كيف لا وبلادنا لم تكن يوماً ما مصدراً للتطرف بل كانت مصدر إشعاع حضاري ألقى بظلاله على محيطه. لهذا السبب فإن أي محاولة لقلب الصورة في الداخل ستمس بالقدر ذاته المحيط المتشابك في الأعراق والأنساب، إضافة إلى ما يسببه هذا التحول من بروز لظاهرة الاستقطاب التي تجعل من بلادنا الآمن ساحة لتصفية صراعات خارجية.
إن المتأمل لسير الأمور في بلادنا في العقود القليلة الماضية يدرك تماماً أن نموذج المكابرة والمشاكسة لم يكن حلاً مستداماً لقضايانا يوماً ما. فقد شهدت مرحلة تدشين الميثاق الوطني انحساراً لنهج الفتوة واستعراض القوة في وجه العدالة وحكم القانون فاثمرت ازدهاراً إقتصادياً وسياسياً وانفراجاً في الحالة النفسية الكئيبة التي عصفت بالوطن ومكوناته دون استثناء. ولأننا فشلنا في استثمار هذه الفرصة التاريخية رجع المختلفون مرة أخرى إلى التمترس، ولكن بقوة مضاعفة هذه المرة عن سابقتها فاصطبغت مشاكلنا المحلية بطابع إقليمي ودولي وأصبحت بلادنا في دائرة الاستقطاب بصوررة مباشرة. وعلى رغم رغبتنا الجامحة في أن يكون قرار الحل في أيدينا إلا أن الواقع أصبح غير ما نتمناه. وهكذا تثبت الحقائق مرة أخرى أن التمترس وراء المدافع بدلاً من حكم العدالة القانون لم ولن يوفر الأمن والتنمية المنشودة.
لاشك أن بلادنا تمر بمرحلة عصيبة تتطلب من جميع الأطراف أن يرتقوا إلى مستوى المسئولية لكي يدركوا عواقب وأبعاد المخاطر المحدقة بنا جميعاً. وتكمن مؤشرات هذا الوعي في التعبير عن النية الصادقة والإحساس الوطني بأهمية التلاقي في منتصف الطريق، والتخلي عن نزعة الاستئثار واستعباد الآخر التي جاء البعض ليتبناها متأخراً بعد أن لفظتها دول المصدر التي تفوقنا عدة وعدداً. فالعقل يكمن في أن تنصت جميع الأطراف لنصائح الأصدقاء, والتخلي عن عادة الأدمان في الالتفاف على المواثيق الدولية أو اختزال القانون فيما نملك من أدوات القوة المجردة من الحكمة. فكل ممارسات الجهل هذه لا مبرر لها إذا ما سبغنا على عقولنا بعضاً من نعمة الحكمة، وعلى سلوكنا بعضاً من صبغة العدالة والإنصاف التي تجعل أهل البحرين جميعهم متساوين في الحقوق والواجبات وفقاً لما نص عليه الميثاق والدستور.
إن أهل البحرين الذين ينبذون العنف ويجنحون للسلم لقادرون على تخطي هذه المحنة بتفويت الفرصة على قوى الاستئثار والتطرف باختلاف أطيافها لمنعها من استغلال الاختلاف في الاجتهاد المذهبي للنيل من وحدتهم وحرف مسيرة تطلعاتهم. فالبحرينيون أولاً وأخيراً هم وجهان لعملة واحدة اسمها البحرين، فلا تشوّهوا بالتطرف وجه وطننا الجميل.
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 3586 - الأحد 01 يوليو 2012م الموافق 11 شعبان 1433هـ
ابو محمد
اشكر كاتب المقال على الطرح الجميل ويجب ان يطمئن الجميع بان البحرين سوف تعود واحة امن وامان وادعو الله ان ياتي اليوم الذي نرد الجميل للوطن وان نتحد ونخرج في مسيرة حب ووفاء للوطن وللقياده ونحتفل ومعنا اخواننا من دول مجلس التعاون وننسى الايام التي مضت ونتمنى ان تكون درسآ للجميع وحفظ الله البحرين واهلها
ابو محمد
اشكر كاتب المقال على الطرح الجميل ويجب ان يطمئن الجميع بان البحرين سوف تعود واحة امن وامان وسوف نرى ان الجميع حريصون على
تعود
وطني شريان دمي
صح السانك بو علا اتحفن بمقلاتك الجىده دام عزك
زاهد
جزاك الله خير والله إيكثر من أمناثلك
وقد عمد بضم العين الى الوجهين وفصلا عن بعض
نعم لشعب البحرين تاريخ طويل من التعايش الاخوي الحميم الذي لم تشوبه شائبة شاركت فيه الطافتان كل منهما الاخرى في اتراحها وافراحها ولكن جاءت بعض الايدي لتعبث بهذا النسيج وتشطره وتشطّره
وكان لزاما على اصحاب العقول ان يقفوا موقفا مضادا
لهذه الفتن ولكن يا للأسف اشعلت النار وزيد عليها الحطب من كل جانب وخاصة ممن يملكون ثقلا في الشارع صاروا امعة ينعقون بما ينعق به اصحاب الفتن
وبدل من الاصرار على رص الصف اصبح الضرب في الخصر وفي الظهر أكررها وا أسفاه على هذا الشعب
السنة والشيعة وجهان لعملة واحدة اسمها البحرين
نعم نعم وألف نعم ومن يقول ذلك فهو ليس من أهل البحرين وهذا الكلام يجب أن يعرفه المتمصلحون الذين يروا أن الإصلاح سيف مسلط على رقابهم بل لا يساورني شك في أنهم ليس لديهم جذور في تراب وأرض البحرين الغالية. نتمنى من الله أن تعود أيام الجدود بكل ما فيها من محبة وأخوة لا يذكر فيها سفاسف المنافقين هذا سني وهذا شيعي فأنا بحريني مسلم مالي ودمي فداء لأهل وتراب البحرين
من الذي مدّ يده و ردّد و ما فتأ يُردّد و سيبقى يُردّد ..
إخوان سنة و شيعة ... هذا الوطن ما نبيعه ..
من؟!!
كلام عين العقل
بدل البحث عن الفروقات التي اتعبتنا وجعلت كل فئة تتكلم بصفتها الفئوية يجب ان نبحث عن التناغم والانسجام وندعو للبناء فهذا في مصلحة الشعب
مستقبل البحرين
مستقبل البحرين لايتحقق إلا بتألف السنة والشيعة