المشهد الاول كان في الثامن والعشرين من مارس/ آذار 2011 كانت قد تناولت أدويتها للتو وهجعت بتعبها عندما أرخى الليل سدوله على سماء الوطن. وبمجرد أن بدأت عيناها تغمضان كان هناك أناس لم تغمض لهم جفون، فتم مهاجمة بيتها بواسطة مجموعة ملثمة مسلحة من نحو 12 فرداً تساعدهم طائرة هليكوبتر. حدث ذلك منتصف الليل والناس بملابس النوم.
المشهد الثاني في السادس من ابريل/ نيسان 2011، شعر بالمرض فاتصل بخاله ليأخذه إلى الطبيب حيث أقله بسيارته عصراً، ثم توجه به إلى بيته ومكث هناك. وفي وقت متأخر من الليل «سمعنا طرقاً شديداً على باب المنزل الخارجي، ومن سطح المنزل اكتشفت وجود عدد من المقنعين بملابس مدنية يقفون خارجاً. بقيت ساكناً بضع دقائق وإذا بي أفاجأ بأحد المقنعين الذي تسور بيت الجيران؛ يقف على رأسي وأنا فوق السطح وبيده مسدس يهددني به، وبدأ بضربي على رأسي وهو يرفع صوته فرحاً بأنه تم القبض على الهدف بعد أن أخبرته باسمي. عندما اقتربنا من حافة المنزل كان قد ركب شخص آخر مقنع ليساعده في إنزالي ولكن المقنعين في الأسفل صاحوا به جميعاً (إرمه من فوق). ولم أصدق أن ذلك يمكن أن يحدث، ولكن الاثنين قاما فعلاً بدفعي من على سطح المنزل إلى الأرض، وسالت الدماء من رأسي وأنحاء متفرقة من جسمي، فقامت المجموعة المتواجدة في الأسفل بركلي بأحذيتهم على كل أجزاء جسمي دون هوادة وشتمي بأقبح الألفاظ».
هل تصدقون بأن هذين المشهدين لم يحدثا في اعتقال شخص من مجرمي حرب أو سفاكي دماء؛ بل مربيين فاضلين طوال عمرها الأربعون ونيف في المشهد الأول، والخمسون في الثاني، بشهادة المسئولين عنهما في التربية وشهادات التقدير التي حصلا عليها. إنه رئيس جمعية المعلمين البحرينية مهدي عيسى مهدي أبوديب وسليل أسرة الحاج عبدالله أبوديب المناضل الوطني الذي طالب بالاستقلال للبحرين في فترة الحماية البريطانية، ونائبة رئيس جمعية المعلمين البحرينية جليلة محمد رضا السلمان.
هذان المشهدان كمثل فقط مما حدث لرموز جمعية المعلمين البحرينية التي يدعي البعض بأنها «لبعض المعلمين» وليس كلهم، مع أنها بإدارتها عندما دافعت عن كادر المعلمين وحصلت على بعض حقوقهم من خلاله، لم تكن لفئة دون أخرى! بل استفاد منها جميع المعلمين المنتسبين للجمعية أو غير المنتسبين، فكيف تحكمون؟
هذان الشخصان، الرئيس ونائبته، يمثلان جميع المتضررين من الكادر التعليمي في المدارس منذ يوم الواقعة حتى اليوم، وهما ليسا مدرسين عاديين وحسب؛ فمهدي أبوديب هو مؤسس ورئيس جمعية المعلمين البحرينية (BTA) العام 2001 بهدف حفظ ورعاية حقوق كل المعلمين في البحرين. وهو في الوقت نفسه مساعد الأمين العام لاتحاد المعلمين العرب منذ العام 2010. وباعتباره فناناً تشكيلياً مميزاً أصبح أبوديب، العام 2001، مسئولاً عن برنامج تدريس الفنون بمدارس وزارة التربية، وكان قد أنهى رسالة ماجستير في «التفوق والموهبة» بجامعة الخليج العربي ولم يتبق عليه، قبل اعتقاله، إلا المناقشة فقط!
أما جليلة السلمان فقد عملت مربية فاضلة لمدة 25 عاماً. وكان لها دور مشهود كرئيسة فريق إصلاح التعليم بمدرسة سبأ الابتدائية للبنات باعتبارها المديرة المساعدة بالمدرسة ضمن مشروع ولي العهد لإصلاح نظام التعليم في البحرين. كما أنها خريجة جامعة البحرين علوم حاسوب العام 1980 بامتياز، وعملت في عدة مواقع تربوية وتعليمية متميزة، منها رئيسة لجنة الرصد والضبط لكنترول الثانوية العامة.
وبسبب ما حدث في فبراير/ شباط 2011 ضمن حراك الربيع العربي، فقد كان لجمعية المعلمين دور مهم في الفترة من 19 فبراير حتى 16 مارس شارك فيه أكثر من خمسة آلاف معلّم ومعلمة. وبعد أحداث السابع عشر من مارس 2011 تم تفكيك الجمعية من قبل وزارة التنمية الاجتماعية واعتقال رئيسها ونائبته.
مهدي أبوديب، الذي مازال معتقلاً، حدث له الكثير بين سجن القرين وجو حيث بقي في السجن الانفرادي لنحو 64 يوماً. كما نشرت الصحافة - خلال جلسة محاكمته في 2 أبريل الماضي بمحكمة الاستئناف العليا – تفاصيل ما تعرض له من تعذيب قائلاً «إنه تلقى صنوفاً من التعذيب بالأنابيب البلاستيكية وأدوات أخرى والأيدي وكان الضرب على مختلف أنحاء جسده، وأنه تم تعليقه أكثر من مرة وضربه وأجبروه على التوقيع على أوراق لم يستطع مشاهدة ما كتب فيها لأنه لا يرى، إلا عن طريق نظارة طبية، وأنه عندما طلب قراءة الإفادة تم تعليقه مرة أخرى وضربه من جديد، كما منع من دخول الحمام على رغم أنه يعاني من مرض السكري، إضافة إلى الشتم والسب والتعرض لشخصه ومذهبه وعقيدته، وأنه لم يسمح له بأداء الصلاة لمدة 4 أيام، كما أركب وهو مقيد ومصمد في سيارة إسعاف، وتم ضربه هناك أيضاً فكانت نتيجة كل ذلك كسر ضلعين، احتكاك في الركبة ومشكلة في الرقبة وغيرها».
أما جليلة السلمان فقالت في جلسة الاستماع الأولي، يوم 6 يونيو/ حزيران 2011 انها اعتقلت من بيتها بعد منتصف الليل أمام عائلتها، بما في ذلك أطفالها الثلاثة، وهي بلباس النوم. وأضافت: «تعرضت للتعذيب أثناء وجودي في السجن. في الأسبوع الأول، تم اقتيادي إلى مديرية التحقيقات الجنائية، حيث احُتجزت في زنزانة انفرادية لمدة 10 أيام، وأجبرت على الوقوف لفترات طويلة، والتحقيق في ظروف قاسية وأجبرت على التوقيع على أوراق لم يسمح لها بقراءتها، وهددت أيضا بالاعتداء الجنسي. ثم نُقلت إلى سجن القرين حيث بقيت لمدة شهرين. ثم إلى مركز احتجاز النساء بمدينة عيسى، هنا فقط علمت أسرتي بمكان وجودي». وبعد 149 يوماً، وبعد إضراب عن الطعام لمدة ثلاثة أسابيع مع سجينات أخريات احتجاجاً على اعتقالهن وسوء معاملتهن في السجن؛ أفرج عنهن بكفالة في 21 أغسطس/ اب 2011، في أعقاب الزيارة التي قام بها عدد من المحققين من اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق بضمانة سكنها وانتظاراً للمحاكمة.
وأمام محكمة السلامة الوطنية الابتدائية يوم الأحد 25 سبتمبر/ ايلول 2011، تمت محاكمة رئيس الجمعية ونائبته بتهم شملت استغلال إدارة جمعية المعلمين، التحريض على ارتكاب أعمال تعد جريمة كالدعوة إلى اعتصام المعلمين، ووقف المسيرة التعليمية والقيام بالمسيرات والمظاهرات والاعتصام أمام المدارس ومقاطعة المتطوعين، ودعوة أولياء الأمور إلى عدم إرسال أبنائهم للمدارس والتحريض على المسيرات والمظاهرات بأماكن متفرقة، والترويج لقلب نظام الحكم بالقوة بإصدار بيانات من الجمعية تدعو إلى ذلك، والتحريض على كراهية نظام الحكم وإذاعة بيانات وأخبار كاذبة، والتجمهر في مكان عام بغرض الإخلال بالأمن والنظام العام والمسيرة التعليمية. وحكم بالسجن لمدة عشر سنوات على أبوديب، وبالسجن ثلاث سنوات على السلمان بخصوص واقعة استغلال إدارة جمعية المعلمين.
كما حدث للأطباء والأكاديميين من وقوف جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني والتربوي العالمية والعربية مع حقوق الإنسان والإنسان البحريني ليس خارجها؛ مثل منظمة العفو الدولية التي ذكرت أن أبوديب والسلمان من سجناء الرأي، وتم استهدافهم بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير. ودعت المنظمة للإفراج عنهما فوراً، والتحقيق في مزاعم تعرضهما للتعذيب. وكان لـ «هيومن رايتس ووتش» موقف واضح حيث دعت لحرية تكوين الجمعيات. كما استنكرت منظمة التعليم الدولية حل جمعية المعلمين ومحاكمة قادتها أمام محكمة عسكرية، ودعت الحكومة إلى احترام حقوق الإنسان وحرية المعلمين الأساسية.
من ناحية أخرى أصدر اتحاد المعلمين الأكبر في المملكة المتحدة وايرلندا الشّمالية (NASUWT) بياناً لدعم أبوديب والسلمان، وأدان التعامل معهما بوحشية غير إنسانية.
وقد قررت محكمة الاستئناف العليا بشأن الاستئناف المقدم من أبوديب والسلمان ضم التقارير الطبية للأطباء الشرعيين بلجنة تقصي الحقائق وتحديد أسماء شهود النفي من قبل الدفاع والاستفسار عن شكاوى التعذيب حتى 15 يوليو/ تموز، ثم عُدل الموعد حتى الرابع من يوليو. فهل يحكم لهم بالبراءة كما حدث للأطباء والأكاديميين ونغلق أكبر ملفات التأزيم التي صدعت رؤوس الجميع ونعود للدولة المدنية بحق؟
ألا تسمعون لرنة الحنان والنداء من مريم ابنة الرئيس القابع خلف القضبان في انتظار الحرية: «443 يوما وأنا أتمنى أن يعود بنا الزمن لاستيقظ في صبيحة جمعة على صوتك منادياً «مريم حسين طيبة ليلى... يلا... ريوق» وتسقط دمعتها وتتمتم «لك وحشة يا بابا»!
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3584 - الجمعة 29 يونيو 2012م الموافق 09 شعبان 1433هـ
تحية و اكبار لكم يا ابطال
ألف و تحية و اكبار للمناضلين المنسيين الأستاذ مهدي أبو ديب على مواقفه الوطنية الشجاعة و المخلصة في الدفاع عن أكبر تجمع وهم المعلمون وللأستاذة جليلة السلمان على صمودها وماقفها الصلبة المخلصة . فسلام عليكما يوم ادخلتما قعر السجون القمعية و يوم تخرجون منها قريبا مرفوعي الرأس .
المجد و الشموخ / أبو السيد حسين
سجن أبوديب
كلما امعنت الدولة في ظلم أبوديب والسلمان رفع الله مكانتهما بين الناس .. نسأل الله الفرج لأبوديب والقوة للسلمان لتطل تدافع عنا نحن المعلمين المظلومين رغم
الظلم الواقع عليها
هل تعلم انك في بلد الغانون
تعتقل بعد منتصف الليل بكسر الابواب و تسلق الجدران بدون مذكرة اعتقال تضرب و تشتم من رجال ملثمين لا تعرفهم اهم رجال امن ام عصابات تضرب بالسجن مع صنوف التعذيب لتعترف بما يريدون و ليس ما فعلت و توقع على ذلك دون ان تراه و انت مصمد العينين و الجلاد من خلفك
ولايزال الكثير من المعلمين والمعلمات يعانون
منهم الذي لايزال مفصول .....
ومنهم الذي يكرف بدون تقدير بل بذل ومهانة وحقوق مسلوبه....
فصبرا ايها المعلمون الافاضل
تحية
تحية إجلال لابوديب والسلمان وتحية لجميع المعلمين
والذي مازال الكثير منهم يعاني الظلم من تهميش او عدم الترقيات او الايقاف عن العمل والخصم من المرتب وغيرها من المظالم
هم الشموع
المعلمون لا يزالون مستهدفين ولا زالت وزارة التربية والتعليم تمارس سياسة العقاب الممنهج ضدهم وتحرمهم من حق الترقي وتناسى المسؤلون بأن هؤلاء هم من أفنوا حياتهم لأجل خدمة الوطن ولكن عندما طالبوا بحقوقهم المشروعة أصبحوا خائنين للوطن.
شمس الحرّية
ستشرق شمس الحرّية .. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين .. فوالله لم أرَ أبا ذيب إلا مسبّحا ومستغفرا لله .. والله لا يخذل عبده
الفرج يا الله
لأول مرة.يكتب عما حدث للاستاذ ابوديب والسلمان في عمود في جريدتنا المفضلة ... لقد تحمل الاثنان الكثير من مسئولي التربية ولازالا .. فهل هناك شجاعة وإرادة كافيتين لتبرئة هذين التربويين وإغلاق ملف من ملفات التربية والذي أدى إلى تراجع التعليم؟
حسيي الله و تعم الوكيل
حسيي الله و تعم الوكيل
صبرا جميل والله المستعان
فرج الله عنهم بحق
مواليد ابطال كربلاء