لم يجد المعتصمون مساء أمس الأول (ليلة الجمعة) أمام منزل الناشط السياسي عبدالوهاب حسين ضالتهم، بثني حسين عن قراره باعتزال خطبة وصلاة الجمعة، وتجميد لقائه المفتوح مع الناس يوم الاثنين (ليلة الثلثاء)، كما لم يفلح الشيخ عيسى قاسم في ثنيه أيضا عن قراره، إذ حضر قاسم إلى منزل حسين مرتين متتاليتين أمام أعين المعتصمين، ودعاه في الأولى للتفكير في القرار مليا وعرضه على إيمانه وتقواه، ثم اتخاذ القرار المناسب.
وفي المرة الثانية (ليلة الاعتصام الأخير) بعد خلوة مع حسين، طلب منه الحضور إلقاء كلمة، فاستجاب لهم قائلا «أحييكم على هذا الوجود المسئول، وأنا أعادي وجهة نظر الأستاذ، ولا أشترك معه في قناعته، لكنه سيبقى واحدا من أكثر الرموز وعيا وإخلاصا وتفانيا في سبيل الله، وسيبقى أخا مخلصا لكل المجموعة التي ينتمي إليها».
وأخذ الاعتصام طابعا احتفاليا، إذ تم إلقاء مجموعة قصائد كما كان لحسين كلمة، أكد فيها أن امتناعه عن إقامة صلاة ولقاء الثلثاء يدخل في باب «المقاومة السلبية» نتيجة الظروف التي يعيشها الواقع السياسي، بعد أن كان اتخذ مواقف إيجابية، ومنها قرار التصويت على الميثاق بعد تردد أطراف المعارضة، إذ دعا الناس إلى مراقبة الواقع السياسي لتخفيف سلبيات القرار.
وبدأ حسين كلامه بالقول: «إني أخشى ما أخشاه أن تقودني نفسي الأمارة بالسوء - ولاسيما أن هناك من يعتمد على عبدالوهاب في أقواله - إلى أن أكون حجابا بينكم وبين الله، فالإنسان التقي حينما يتمسك بإنسان، فإنما يتمسك به ليقربه من الله، لا ليكون حجابا بينه وبين الله، فلا تكن عاطفتكم تجاه عبدالوهاب حجابا بينكم وبين الله، لأن أسوأ شيء يمكن أن يؤذيني أن أجد نفسي بمثابة ذلك الحجاب».
وأضاف: «فالموقف الذي وقفتموه، كنت أتوقعه من شعب البحرين، لأنه في غاية الوفاء والإخلاص، وظاهر الأمر أن الناس يعتقدون في عبدالوهاب أنه وقف معهم، وحينما توقف عن الصلاة، فإن الناس لن تقول له «سلام عليكم»، فأرجو ألا أكون أقل وفاء وإخلاصا منكم، إذ حينما تأتون بهذه الجموع، لتطالبوني بالرجوع عن قراري، وأنا أقول لكم لا، فهل معنى ذلك أني متكبر عليكم، أو أني لا أقدر ولا أحترم وجودكم؟».
وأجاب على ذلك قائلا: «حينما جاء الشيخ عيسى قاسم، هذا الشخص العظيم يختلف مع عبدالوهاب في موقفه... فحينما أصر على موقفي، فهل معنى ذلك أنني لم أقم لهذه الشخصية الكبيرة وزنا، ولم أقم للشخصيات الأخرى وزنا؟» مؤكدا أن «المسألة لو كانت تخضع للضغوط، لما كان هذا الحدث من البداية، ولا اتخذت هذا القرار أصلا، فالمسألة غير متعلقة بمصلحة شخصية، وغير خاضعة لمجاملة، فالمسألة أكبر من أن أجامل فيها».
وذكر حسين أنه «منذ شهر مارس/آذار 2001 أعلنت انه لن تكون لي علاقة بالقرار، وأنني سأبقى صاحب رأي فقط، ثم لما وجدت الآن أن طرح الرأي السياسي فيه ضرر توقفت عن صلاة وخطب الجمعة، لكنني وعدتكم بأن أبقى متابعا لمجريات الساحة السياسية، وأن أقدم المشورة إذا طلب مني ذلك، وأن الحديث الفكري والثقافي سيستمر... سيتوقف التوجيه السياسي من خلال خطب الجمعة ولقاء الثلثاء فقط».
وتطرق حسين إلى بعض ما يثيره المراقبون من الانسحابات الكثيرة التي اتخذها، بانسحابه من الترشح لإدارة الوفاق، ثم استقالته من التوعية، ورد على ذلك بالقول: «إنني اتخذت مبادرات إيجابية قوية، ومنها التصويت على الميثاق بعد تردد أطراف المعارضة في الداخل والخارج، ومواقف أخرى إيجابية، أما الآن فإني اتخذ مبادرة باتجاه المقاومة السلبية، وفي كلتا الحالتين أجد في ذلك مصلحة الناس».
وأضاف: «موقفي الحالي ليس تخل عن الناس، وليس في وسعي أن أتخلى عنهم، لأنني معجون بهم، وأقدر أن لهذا القرار سلبيات خطيرة، ولكنه أهون الضررين، فكما أن في عدم التوجيه السياسي ضرر، فإن في الاستمرار ضرر أكبر، وكما أن في الاستمرار في التوجيه السياسي مصلحة، فإن في التوقف عن ذلك مصلحة أكبر».
ودعا حسين الناس إلى البحث عن إيجابيات التوقف من خلال مراقبة الساحة السياسية، مشيرا إلى أن تعامل الناس مع الحدث قد يضخم ويكبر السلبيات، وقد يقلصها ويضمرها، إذ أكد أنه «لم يذكر السبب الحقيقي لتوقفه، وكان بإمكانه أن يعطي أسبابا غير حقيقية يخدع الناس بها، وقد حرصت على ألا أضلل أحدا، فعليكم أن تفكروا التفكير الإيجابي الذي فيه مصلحة لكم ولوضعكم».
وشدد حسين على أن النزاع غير موجود ولا علاقة له بالقرار، إذ إن هناك من يقود الساحة كما قال والآراء موجودة، وعليكم أن تنفتحوا على هذه الآراء وتقيموها بموضوعية، داعيا الناس إلى قبول قراره، «فمن أجل الله وأجلكم سأستمر في القرار».
وأشار حسين إلى أن استمرار الاعتصام، قد تنتج عنه سلبيات خطيرة، فلا تنسوا أنني إنسان، وقراري هذا لا يخضع للضغط ولا للمجاملة، وحضوركم المستمر سيشعرني بأني إنسان سيئ، لم يقم وزنا لهذا التجمع، وأنا أحتاج منكم أن تربوني، فهذا الذي يحفظني من الضياع، وأنا مهدد في أخلاقي إذا استمر تجمعكم، لأني أنظر لكم أشخاصا كبارا، وكلمتكم شيء كبير عندي، وقد تعودت الدفاع عن كلمتكم بأن تكون مسموعة، لأني أحتفظ بكم دائما كبارا، وأنا أدعوكم الى عدم الاعتصام وقبول قراري.
إلا أن الاعتصام ختم ببيان أكد فيه المعتصمون ضرورة رجوع الأستاذ عن قراره، مذكرينه بمواقفه التي وقفها مع أبناء شعبه، كما تم توقيع عريضة تطالبه بالرجوع عن قراره أيضا
العدد 358 - الجمعة 29 أغسطس 2003م الموافق 02 رجب 1424هـ