على رغم الأسلحة التي استخدمها النظام السوري وسيل الشهداء الذي تجاوز 15 ألفاً، لم ينجح نظام الأسد في إنهاء الثورة، بل أدى القتل وحرق القرى والأحياء إلى انتشار الثورة وسط قطاعات جديدة من السكان. الذي مر على سورية منذ مارس/ آذار 2011 لم يكن عادياً، وقد أخطأ النظام وكل من فكر في إطاره في تبسيط الحالة السورية على أنها جماعات صغيرة. في سورية ثورة تنتشر وسط غالبية السكان، وهي في هذا كحال ثورات المنطقة العربية الساعية لديمقراطية وحريات وتنمية على أنقاض ديكتاتوريات مريضة بحب السلطة وتوريثها.
إن تبسيط النظام لحالة الثورة في سورية جعله يعلن المرة تلو الأخرى عن قرب نهايتها، وفي لحظات، أعلنت بثينة شعبان، الناطق الأقرب باسم النظام، أن الأصعب أصبح وراءنا، وإذا بالأصعب لم يبدأ، ولايزال طور النمو. ومنذ أيام، أعلن النظام أنه سيصدر عفواً عن كل من يستسلم من «الجيش الحر» وحملة السلاح، وإذا بالقصف يزداد وتيرة و «الجيش الحر» يزداد عدداً.
لقد تجاوز البطش في الحالة السورية كل شيء تخيله السوريون والعرب. لم نرَ مثل هذا البطش في الثورة اليمنية ولا المصرية أو التونسية، فالأنظمة في تلك المجتمعات تفاعلت مع الثورة ضمن حدود النتائج، كما أن الجيوش في تلك الدول تصرفت بصورة مغايرة. لكن الفارق بين سورية وبقية ثورات العرب هو كالفارق بين يوغوسلافيا البلقان وبين ثورات بولندا وتشيكوسلوفاكيا ودول أوروبا الشرقية، ففي الحالة اليوغوسلافية برزت عقدة صربية مع الذات والتاريخ والمكانة ما أدى لنمو شخصية دموية من شاكلة ميلوسوفيتش. ومع ميلوسوفيتش جاءت مشاريع التطهير العرقي ضد المسلمين، لكن ما لم يعه ميلوسوفيتش في حربه أن صبر العالم على صور القتل والمجازر ينفد في لحظة مفاجئة، لهذا انتهت حرب البوسنة بتدخل دولي أدى إلى إيقافها.
لقد حررت الثورة الشعب السوري من بنية الخوف، وجعلته يقبل على فك قيوده بحرية. ولم يكن هناك ما يشير إلى أن الأسد بتربيته الغربية سيواجه متظاهرين سلميين، كما فعل القذافي. لكن الثورة بينت أمام الشعب السوري، أن النظام في جوهره معاد للشعب، وأن كل ما كان يمارسه في السابق كان يهدف إلى الإمساك بملفات القوة والسلطة المحلية والإقليمية، وتبين أن النظام لم ينظر إلى شعبه سوى كوسيلة للسلطة والتوريث العائلي.
والأوضح في الثورة السورية (وهذا عنصر رئيسي في استمرارها)، أن النظام السوري عاجز عن إصلاح حاله وعن القبول بحق المتظاهرين السلميين في التظاهر وعاجز عن ممارسة حوار حقيقي مع المختلفين معه، وعاجز عن إيقاف منطق العنف ضد المدن والقرى والمدنيين، وعاجز عن إيقاف معسكرات الاعتقال والتعذيب والقبول بدخول وسائل الإعلام العربية والعالمية لتغطية الوضع في سورية. العجز في كل شيء إلا عن آلة البطش هو الصفة الأهم للأنظمة الأمنية المتحجرة التي لا تعرف طريقاً سوى العنف.
أن يتم توثيق جرائم النظام وارتكابها بأوامر من شخصيات معروفة في الأجهزة الأمنية يكتسب مزيداً من الأهمية في هذه المرحلة، وهذا ما تقوم به قواعد مهمة في الثورة السورية. إن تمسك النظام السوري بالسلطة سيصاحبه مع الوقت مزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان ومزيد من التوثيق المحلي والدولي لهذه الانتهاكات، ثم مزيد من تحريك قضية الحماية الإنسانية. ويتم كل هذا في ظل مشاهدة العالم لما يقع من خلال وسائل الإعلام الجديدة التي يبثها الثوار السوريون.
وتشكل عملية تجميد مهمة المراقبين الدوليين في سورية حالة جديدة، فالعالم يزداد اقتراباً من الوصول إلى منعطف جديد في العلاقة مع النظام السوري. التدخل الإنساني له تاريخ في مجتمعات العالم، ومبرراته في سورية تزداد كل يوم، انطلاقاً من أن الأنظمة مسئولة عن حماية المدنيين من سكانها، وعندما تفشل في هذه الحماية تتحول حمايتهم إلى قضية محركة للرأي العام وللدول.
وفي الجانب السوري المعارض، نجد الكثير من ضبط النفس، بينما تشير تقارير إلى تجاوزات في مناطق المعارضة، إلا أن المعارضة وقوى الثورة لم تنجر لممارسات مضادة كتلك التي يمارسها النظام، كما حصل في سلسلة المجازر الأخيرة، ومنها مجزرة الحولة. ويوجد في الشارع السوري تيار كبير يعيش غضباً ضد النظام، والواضح أن هذا الغضب بدأ يأخذ منحى موجهاً تجاه العلويين بصفتهم القوة الرئيسية وراء قوات الشبيحة وأمن النظام والقمع الراهن. في سورية توريط للطائفة العلوية، فباسمها يقع الكثير مما يباعد بينها وبين الغالبية السنية، فالنظام السوري يبني على تجربته التاريخية في حرب لبنان الأهلية ويحاول خلق حالة من الرعب والخوف الأهلي الذي يمنع أيّاً من أبناء الطائفة العلوية والأقليات الأخرى من الانشقاق عنه.
السوريون يعون أن النظام يستخدم ورقة الطائفة العلوية بصورة أساسية لإبقائها متباعدة عن بقية السوريين. هذا يجعل التوجه إلى الطائفة العلوية وعدم القيام بممارسات قد تصب لمصلحة النظام أمراً رئيسياً في تقدم الثورة. ويسجَّل للمعارضة السورية مرونتها وقدرتها على التحرك، إذ نجحت في تغيير رئيسها، وفي انتخاب شخصية وطنية كردية في رئاسة المجلس الوطني. بطبيعة الحال، بناء الدولة القادمة في سورية سيتطلب مشاركة كل فئات الشعب السوري، وسيتطلب عدالة لكل الفئات التي يتشكل منها المجتمع السوري.
هذه ثورة المستحيل، لأنها تواجه نظاماً أقوى ما فيه أمنه واستخباراته وأجهزته المتخصصة بالبطش وأضعف حلقاته رعايته لشعبه. لهذا يواجه الثائر السوري الرصاص والمدافع والشبيحة والاعتقالات والتعذيب، لكنه يكسب كل يوم مزيداً من المنضمين إلى الثورة ممن يعانون من بطش النظام وسوء إدارته وضعف إنسانيته. الثورة السورية كشفت وجهاً لم يكن معروفاً عن نظام الأسد، فبين يوم وليلة، فَقَدَ الأسد الابن شرعيته السياسية، وبين يوم وليلة سقطت كل الأوهام حول وطنية النظام وقوميته او إصلاحه وتأهيله. النظام السوري واقع الآن بين ثورة متنامية صامدة من جهة وبين آفاق التحول في الوضع الدولي لصالح الثورة.
إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"العدد 3576 - الخميس 21 يونيو 2012م الموافق 01 شعبان 1433هـ
الى رقم 7
اولا حزب لله امطر اسرائيل بآلا ف الصواريخ وكذالك حماس وثانيا صدام دخل حربامع ايران دامت 8سنوات راح ضحيتها مليون شهيد من الشعبين العراقي والايراني ومجزرة حلبجه خير شاهد علي ذالك واخيراً صدام ليس شهيد لانه اعدم بعد محاكمه عادله علي بعض جرائمه
الي رقم 2
انت بهجومك علي سيد شهداء العصر صدام حسين معناها انت مع امريكا والصهاينة لان صدام هو الوحيد بين القادة العرب الدي امطر الصهينة 45 صاروخ ولي نسيت والحين قاعد تشتنم
جبر
الزوار من واحد الي خمسه طائفين في ردكم نفس مريضه لا تعترف بالخطا
لا نرى حيادية
عزيزي الكاتب ماذا عن المعارضة المسلحة التي عاثت فساداً وقتلاً واغتصاب النساء وسرقة الأهالي وبدعم امريكي وبعض الدول
الثورة السورية كشفت اشياء
لا ننكر المجازر في سوريا،ولا ننكر ان هناك ثورة. لكن الشيء الذي نستنكره،هو هذه الفزعة الطائفية المقيته.اين كان الكتاب العرب حين كان صدام حسين يقصف العراقيين حتى وهم يحتمون بضريح الامام الحسين ع ؟ اين كانت هذه الفزعة حين كان صدام يرش الاكراد بسمومه كالذباب ؟ الكل قد تخاذل،ولو لا امريكا وحلفائها الغربيين لما سقط صدام.الثورة السورية تكشف لنا ياسيدي،ان الدم العراقي وغيره ارخص من الدم السوري؟
شكرا جزيلا لك سيدي الكاتب.
وماذا عن المجازر التي ترتكبها المعارضة؟!!
قبل يومين خرج 300 مسلح معارض من منطقة دير بعلبة متوجهين للانقضاض على الأهالي في حي العباسية وهم يصرخون: (حيَّ على الجهاد)، قتل الأطفال من الطوائف الأخرى واغتصاب نسائهم وتدمير أحيائهم صار (جهادًا)!! وهذه الشرذمة الإرهابية المتجردة من معاني الإنسانية صارت لدى المفكر الغبرا (معارضةً مرنة).
لا إنكار لوجود معارضة في سوريا ولكن الحراك المسلح ليس كله للمعارضة
نعم هناك معارضة للنظام ولكنها غير مسلحة وما ادخل السلاح في الحراك السوري الا دخول بعض الدول المخططة لضرب النظام السوري واضعافه نكاية بدعمه للمقاومة. هناك دول دخلت على الخط واصبحت تموّل وتدعم دعما مباشرا ماديا وتسليحيا لا من اجل الشعب السوري ولكن فقط وفقط لحاجة في نفس يعقوب، ولو من غد يحصل الشعب السوري على حقوقه كاملة ولكن يبقى موقفه داعما للمقاومة فسوف لن تقف هذه الدول مع الشعب السوري.
لا ننكر حق الشعب السوري في الحرية والديمقراطية ولكن ليس بأيد صهيونية
اتفق واختلف
اتفق معك فيما قلته وابصم بالعشر ولكن استغربت من عدم ذكر دور امريكا واسرائيل في دعم اسقاط نظام الاسد بسبب مواقفه من المقاومه وكذلك تسليح الثوار السوريين وهي ظاهرة فريده وجديدة في عالمنا العربي ان يتم التسليح....
وحفاظا على الدم السوري اتمنى ان يكون الحل سياسي يتم على اساسه اعطاء الصناديق دورها للتصويت على النظام الذي يرتضيه الشعب السوري بوجود منظمات دولية تشرف على الانتخابات منعا للتزوير