هناك من يقول إن الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج قد فاقت أخيراً من غفوة أهل الكهف، التي استمرت مئات السنين، بعد نزع رداء الخوف التي أٌلبست فيه وهي لا تعي ما يجري حولها من كيفية إدارة الحكم قبل الغفوة الكبرى.
لا أفهم لماذا تضيق الأنظمة ذرعاً، عندما تريد الشعوب أن تتطور وتنزع العبودية عنها، فمثلما يتطور الاقتصاد والعلم المعرفي، تتطور بالتوازي عقول الناس وتطالب بالتحرر، وعدم القبول بالتبعية المطلقة.
نلحظ كثيراً من الأنظمة العربية تقوم بالدفع نحو تقدم بلدانها اقتصادياً، ولكنها تصد وتمنع تطور شعوبها سياسياً واجتماعياً، مع أن ذلك يساعدها في إدارة شئون الحكم ويريحها من أرقه وإزعاجه، ويعمل على استقرار البلدان ويحفظها من عبث العابثين. ولكن لا يروق للأنظمة التطور المجتمعي والسياسي كونهما يصبان في بوتقة التحرر وخلع العبودية من البشر.
بالمقابل نتفهم بأن التغيير الديمقراطي قد يصاحبه عدم استقرار لأمد قد يطول، ويلازمه تخبط وصعوبة هيكلة الدولة، كما حدث في البلدان التي شهدت تطوراً ديمقراطياً شاملاً (لبنان والعراق)، وكما حصل في بعض الدول التي شهدت ثورات بتغيير الأنظمة التي شاب حكمها إغراق في الاستبداد، بأنها عاشت في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار لفترة قد تمتد لسنوات أيضاً (ليبيا واليمن ومصر).
ولكن بالمقابل لا يساورني الشك بأن هذه الثورات ستؤتي أكلها ولو بعد حين، وبإمكانها ترتيب صفوفها وأوضاع بلدانها سياسياً، والعمل على اتفاقات بين القوى المتصارعة تساعد على استقرار البلد لاحقاً.
ما لا تستسيغه الشعوب العربية، أن بعض أنظمتها تتفاخر بالتطور الاقتصادي والعمراني والتكنولوجي بين الدول - نماء في الطوب والحديد - ولكن يشوبها نقصان في التعليم، وضعف في التنمية البشرية والتحرر من العبودية. أَلاَ يُخجلنا بأننا أمة مازالت لا تحترم النفس البشرية ويكون فيها القتل مباحاً، والتعذيب والسجون مشاعة واضطهاد العقول والتفكير متاحاً.
المؤسف أن بعض وسائل الإعلام الرسمية لعبت دوراً كبيراً في فرض وتكريس كل ما ذكر، فيما يخص تكريس وفرض العبودية، لما تتمتع به من استعباد خلوي أو وراثي، لا تستطيع الحياد عنه حتى لو وصل بعضها إلى أعلى مراتب العلم الديني أو الأكاديمي أو درجات التطور المختلفة، وذلك لأسباب دنيوية معروفة، كاقتناص الفرص الغنائمية والمهنية.
ما نريد أن نؤكده أن وقت العبودية انتهى بتغير الزمن وتطور الفكر البشري، فلا يريد أحد أن يعيش في هذا الزمان مستعبداً مسلوب الإرادة، ولهذا نرى كل الأمم تدعو للتطور الديمقراطي والفكر الحر وحرية الاعتقاد والمواءمة الفكرية، وهذه سنة الحياة، التي فُرِضت بحتمية تحرك الشعوب ضد الفساد.
التخلص من الاستعباد أصبح أمراً ملحاً وضرورياً للعيش برخاء واستقرار للجميع، ومن المفترض ألا تنزعج منه الأنظمة السياسية، بل على العكس يجب التعامل معه بأسلوب ديمقراطي حكيم، مع أن شعوبنا العربية تأخرت كثيراً عن المطالبة بحقوقها وبحكومات مدنية منتخبة. ولو تصرفت الأنظمة العربية التي شهدت ثورات، بحكمة ومواكبة للتطور، لما حصل ما حصل من تدمير لأركان هذه الدول، وسفك لدماء الشعوب، وزجّ للناس بالسجون، والتعذيب الوحشي الذي لا ترتضيه الأديان السماوية، ولا النفوس التي تمتلك القيم الأخلاقية، ولما حصل من تكالب الدول الأجنبية على التدخل بشئوننا الداخلية لوضع الحلول وسيناريوهات الحوار لنا، أو الازدراء من سلوكنا غير المرغوب فيه نفسياً وعقلياً ودينياً وأخلاقياً.
ما يخدش الحياء حقاً أن كثيراً من الأنظمة أسرفت في التعامل الوحشي مع شعوبها، وزجّت بالكثيرين في السجون، ما أدى إلى خلل اجتماعي عظيم وخسائر اقتصادية جمة، واكبته شروخ اجتماعية كبيرة، يصعب أن تلتئم على المدى القريب.
إن النزعة التملكية السائدة وطريقة الحكم المطلق، التي تعيشها الكثير من الدول العربية لا تنفع في هذا العصر ولن تستقيم إلى أبعد الأمد. فإن لم تواكب هذه الدول ما تصبو إليه شعوبها، سيبقى إقليمنا في توتر دائم، وشد وجذب بين الأمم، والذي بالطبع سيساعد على إرجاع الدول الاستعمارية لوضع الخطط التي تتناسب مع مصالحها، وسنبقى أسراء لهذه السياسات الخارجية التي تضع لنا الحلول إلى أمد قد يطول كثيراً.
إقرأ أيضا لـ " أحمد العنيسي"العدد 3574 - الثلثاء 19 يونيو 2012م الموافق 29 رجب 1433هـ
صح لسانك دكتور أحمد
ما قلته يا دكتور هو واقعنا المرّ، أرجو أن تجد كلماتك العقل الحكيم الّذي لا يرى مصلحته فوق مصلحة الجماعة، ولا يقول إذا متّ ظمآنا فلا نزل القطر !!!
بوركت صديقي
the slavery
One of the reforms that Prophet Mohammed (PUH) came with was to abolish slavery but as the time passed by the slavery came in different forms.
DW8
(: x)