العدد 3560 - الثلثاء 05 يونيو 2012م الموافق 15 رجب 1433هـ

نظرة على الاستثمار في العراق

نجلاء ثامر محمود

القائم باعمال سفارة جمهورية العراق

في أكثر من مناسبة، يبادلنا الأصدقاء من المهتمين في قطاع الاستثمار أطراف الحديث عن فرص الاستثمار في العراق، مجالاته، مميزاته، إيجابياته، سلبياته، ...الخ.

وقد لا نكون من الضليعين ولا حتى من أصحاب الاختصاص الدقيق في تناول هكذا موضوع لوقوعه واندراجه تحت طائلة القالب الاقتصادي الذي نحن في حقيقة الأمر لسنا من رواده وأربابه ما يجعل الإدلاء ضعيفاً، وفي أحيان أخرى غير موزون بمنطقية واقعية وعلمية.

ولكن من محاسن علم الاقتصاد وأبعاده والتي من بينها قطاع الاستثمار لا تحتاج إلى تحليلات أو دراسات ممنهجة بقدر حاجتها للمسعف الأوحد - من وجهة نظرنا - ألا هو لغة الاختصاص «الأرقام» لا غيرها. فالأرقام هي الحقائق الأساسية التي تدفع باتجاه خلق القناعات وتشكيل القرارات ذات الرؤية الاقتصادية الناجعة.

ومنها ستكون انطلاقتنا، ولكن قبلها من المفيد أن نحدد المفاهيم سبيلاً لطرح يحاكي المنطقية والعلمية في آن واحد. فالاستثمار بمفهومه الاقتصادي العام هو تخصيص رأس المال للحصول على وسائل إنتاجية جديدة أو تطوير وسائل إنتاجية قائمة للحصول على مزيد من السلع والخدمات.

ومن نافلة القول أن الاستثمار على نوعين: الأول، الاستثمار الوطني: والذي يعتمد على المدخرات الوطنية لمواطني الدولة, إذ تقوم معظم الدول المتقدمة والنامية بوضع سياسات مالية ونقدية لتشجيع تلك الاستثمارات, ويحتوي على إيجابيات عديدة على الواقع الاقتصادي والاجتماعي و تنعكس فوائده على المواطن. الثاني، الاستثمار الأجنبي: ويختلف عن المحلي كونه يمثل انتقال الرأس مال من موطنه إلى خارج حدود البلد, أي البلد المضيف للاستثمار، وكذلك يمكن تقسيم الاستثمار الأجنبي الى قسمين: الاستثمار الأجنبي المباشر، ويتمثل هذا النوع بالاستثمار في القطاع السلعي (كالصناعي والزراعي والسياحي والخدمي) ويتطلب ذلك الاستقرار السياسي والأمني وهو يتصف بطول الأمد ويشمل المشاريع الإستراتيجية وهو المفضل وهو أيضاً بدوره ينقسم الى قسمين: إمّا هيمنة كاملة، أو مشاركة مع المواطن من البلد المعني بالاستثمار. أمّا النوع الثاني فهو الاستثمار الأجنبي غير المباشر، ويتسم كونه قصير الأمد ويتركز على شراء الأسهم والسندات ويسعى الى الربح السريع من خلال المضاربة بالأسهم والسندات (مثال البنوك, وأسهم الشركات المساهمة).

وهنا يطرح التساؤل هل العراق يمثل بيئة استثمارية جاذبة؟ وما هي فرص الاستثمار في العراق؟ وما هي الصعوبات التي يواجهها المستثمر الأجنبي؟

يرى ويحذر أيضاً خبراء الاقتصاد والتنمية بأن الاعتماد على مصدر أو مصدرين للإيرادات يسهم في إبقاء البلد تحت طائلة التنمية المتعثرة وضعف الخدمات وضعف المستوى المعاشي وكثير من الأزمات الاقتصادية والخدمية والاجتماعية وضعف التنمية البشرية, وعدم القدرة على الصمود بوجه هذه الأزمات لضعف الاقتصاد وقلة الاحتياطي من العملات والموارد الأخرى.

العراق أخذ على عاتقه توظيف جميع الفرص المتاحة للاستثمار وتوفير المناخ الملائم للمستثمرين، وخصوصاً أن العراق يشهد الآن استقراراً أمنياً ملحوظاً، ما جعل الشركات الاستثمارية تقدم عروضها للاستثمارات، حيث بلغ مليارات الدولارات في كل القطاعات مع تأشير ان حصة الأسد كانت لقطاع النفط والغاز (من خلال جولات التراخيص التي تمت على مدار المدد السابقة) ،والسؤال الذي يطرح: هل قطاع النفط والغاز هو القطاع الأوحد الجاذب للاستثمار الأجنبي؟

للإجابة، نحاول رصد متبقي الحديث لحقائق أساسية مدعمة بالغة الأرقام وكالآتي:

اولاً: لا يخفى على الكثير أن العراق يمتلك من المقومات السياحية التي تؤهله أن يتبوأ مركزاً سياحياً مع مصاف الدول السياحية المتقدمة، حيث تنوع الحضارات القديمة ومنها السومرية والآشورية والاكدية والكلدانية مروراً بالحضارة العربية الإسلامية التي ازدهرت في بلاد وادي الرافدين أغنت حضارات العالم بالمعرفة والثقافة، ومعالمها وأثارها، فهناك أكثر من 10 آلاف موقع أثري غير مستكشف.

ثانياً: هنالك احتياجات استثمارية في جميع قطاعات الاقتصاد العراقي؛ حيث طرحت الحكومة العراقية أكثر من 750 فرصة استثمارية بمختلف القطاعات تشمل البناء والصناعة والزراعة والسياحة والإسكان والاتصالات والرعاية الصحية. ان معظم هذه الاستثمارات متوافرة في الوقت الحاضر كما مؤشر لدى هيئة الوطنية للاستثمار.

ثالثاً: العمل بنظام النافذة الواحدة في الهيئة الوطنية للاستثمار وفي هيئات استثمار المحافظات التي تقدم خدماتها لتسهيل عملية منح إجازة الاستثمار من خلال استمارة طلب الإجازة وتخصيص الأرض والحصول على الإعفاءات الضريبية وتسهيل دخول وخروج وإقامة المستثمرين والعاملين معهم.

رابعاً: ان موقع العراق الاستراتيجي وعدد سكانه وأسعار الكلف التنافسية فيه أسباب تجعل منه موقعاً ممتازاً للتصدير الى المنطقة والعالم، حيث ان القوة العاملة في العراق تتمتع بتعليم جيد، حيث ان 11 في المئة من السكان هم من خريجي الدراسة الإعدادية والكليات و20 في المئة من ذوي المؤهلات التقنية والأكاديمية العالية المستوى، كما ان العراق غني بتخصصات معينة مثل الهندسة والطب والزراعة وكذلك احتواؤه على عدد كبير من ذوي المهارات الإدارية والمنظماتية.

خامساً: أعلاه يدعم مؤشر الكلف الأساسية في العراق من اكثر الكلف تنافسية في المنطقة والعالم؛ فعلى سبيل المثال: أجور المهندس في العراق ارخص بنسبة 89 في المئة مما هي عليه في الإمارات العربية المتحدة والمشغل الماهر 92 في المئة أرخص مما هو عليه في المملكة المتحدة، بينما يكون معدل الأجور أرخص بكثير مما هو عليه في الولايات المتحدة وأوروبا.

سادساً: يقدم العراق إعفاءً من الضرائب كافة لمدة عشر سنوات للمستثمرين بما فيها ضريبة الشركة والرسوم. يمكن لهذه الفترة ان تمدد الى 15 سنة أخرى اذا كان المشروع مشتركاً مع غالبية من المساهمين العراقيين. هنالك المزيد من الحوافز التي تشمل حق إعادة جذب الاستثمارات والأرباح الناتجة عن الاستثمار وحق توظيف العمالة الأجنبية عند الحاجة إليهم وثلاث سنوات إعفاء من رسوم استيراد المعدات المطلوبة، كما ان الحكومة العراقية تضمن عدم تأميم أو مصادرة الاستثمارات.

سابعاً: تمثلت بداية الانفتاح العراقي على العالم لجذب الاستثمارات السياحية، تعديل قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 بحيث يضمن تمليك الأرض للمستثمرين الوطنيين والعرب والأجانب للمشاريع السكنية وذلك بموجب القانون رقم 2 لسنة 2010 وتعديل نظام رقم 7 الذي ينظم نسب إيجار الأراضي المستثمرة في القطاعات المختلفة. وكذلك تضمن القانون مزايا عدة تقدمها الحكومة للمستثمر، ما تجعله في وضع اطمئنان على المشروع المستثمَر، حيث لا يمكن مصادرة أو تأميم أي مشروع، ألا اذا ترتب عليه حكم قضائي وهذا معمول به في معظم دول العالم.

ثامناً: يحتوي العراق على احد اكبر احتياطي الهايدروكاربون في العالم. يعد احتياطي العراق المثبت بـ 115 مليار برميل، ويعد احتياطي النفط العراقي غير المكتشف وهو ثاني اكبر احتياطي بالعالم بنحو 300 مليار برميل. كما انه يمتلك احتياطي غاز بنحو 3.2 ترليون متر مكعب، كما ان العراق غني بالمعادن الأخرى مثل الكبريت والفوسفات والحديد.

تاسعاً: أخذت السياحة بالازدهار وخصوصاً السياحة الدينية التي هي قوام السياحة؛ كون ارض العراق وكما هو معروف للجميع تحوي مراقد الأنبياء وآل البيت الأطهار (عليهم السلام) والصحابة الأجلاء، ما جعل البلد منارة يرتادها الملايين من شتى بقاع العالم وعلى مدار السنة.

عاشراً: المستثمرون الذين سبق استفادوا من فائدة كونهم الأوائل في السوق سوف يستمرون بالحصول على الامتياز في الفرص المتاحة كون المستثمر الذي قدم للعراق في أعوام 2006 - 2007، يتمتع برعاية واهتمام وأولوية عن القادم في العام 2011 - 2012 بعد الأعوام الأخيرة أعوام استقرار سياسي واقتصادي وأمني، وفي الوقت ذاته هذا لا يعني بأي حال من الأحول بأن البوابة ليست مشرعة للغير، بل على العكس فإن المستثمر سيكون محل ترحيب وحفاوة منذ لحظة تقديمه للحصول على تأشيرة الدخول للعراق حتى استكشافه للبيئة الاستثمارية المناسبة له ولرأس ماله.

وقبل الختام نقول لمن يطرح الخشية وتخوفاً من الاستثمار في العراق جراء الوضع الأمني، من الممكن ان نتفق مع هذا الطرح، ولكن ليس اليوم، حيث ان نسب الاستقرار على الأصعدة كافة باتت طبيعية لا بل تفوق الطبيعي قياساً بالوضع الإقليمي بصورة عامة. فدول الخليج دول شقيقة ومهمة بالنسبة إلى العراق، والانفتاح في القطاع الاستثماري يشرع بقية أبواب اللحمة والتعاون على أوسعها، فنجد دولة الإمارات العربية المتحدة مضت ومنذ أعوام لتوظيف الفرص الاستثمارية في العراق بمعدلات وصلت الى 66 مليار دولار عام 2011، كما تؤشر ذلك بعض التقارير، والفرصة بلاشك مازالت متاحة لجميع الأشقاء الخليجيين، وانطلاقاً من دورنا في تعزيز وتنمية العلاقات العراقية البحرينية على جميع الأصعدة وفي جميع المجالات سنكون تواقين وعلى أهبة الاستعداد في تقديم كل ما يسهم في خدمة البلدين الشقيقين من خلال تذليل الصعاب التي قد تعترض أو تؤثر في طريق المستثمرين الراغبين في تعزيز العلاقات العراقية البحرينية، متخذين من الاستثمار وفرصه في العراق منطلقاً.

إقرأ أيضا لـ "نجلاء ثامر محمود"

العدد 3560 - الثلثاء 05 يونيو 2012م الموافق 15 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً