منذ فجر تاريخ الإنسانية كان العدل ولايزال هو أساس الحياة الكريمة، وإحقاق الحق هو ضمان الأمن والأمان لها، وكان الإنسان دوما يسلّح نفسه بشتى أنواع الأسلحة الإيمانية للحفاظ على الالفة والاستقرار بين أطياف البشر، وحينما اعتلت بعض الأنفس وشابها الشح والبخل والطمع والأنانية دب الصراع بين الحق والباطل فمزق البشر إلى جماعات وفرق واحتدم العراك بين الأفراد والأمم وتطور نوع السلاح المستخدم، فكلما لجأ الطرف الأول إلى التسلح بنوع من الأسلحة لمواجهة الشر، لجأ الآخرون إلى استحداث أنواع أخرى أكثر وأشد فتكا، أو تلونوا وراء أقنعة، ظاهرها الخير وباطنها الشر، للوصول إلى غايتهم، إلا أن تلك الأقنعة تسقط دائما وينكشف أصحابها، ويزهق الحق أباطيلهم، «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين» (الأنفال: 30).
ومع دورات الزمن تنبعث عصابات الشر من جديد، لأن الشيطان كما يقولون لم يمت، فهو باقٍ إلى يوم القيامة، وهو قادر على غواية ضعاف النفوس من محبي الدنيا الذين اشتروها بالآخره حين وسوس لهم كما وسوس لآدم وحواء عليهما السلام، فزيّن لهما الملك وأرشدهما إلى طريقة الوصول إليه وذلك باستعمال القوة التي صاحبت الثورة التكنولوجية واستغلال كل شخص للوصول إلى مآربهم.
وحينما لم تمكنهم تلك الأسلحة من ذلك، غلفوا مآربهم بنصوص القرآن الكريم، وبذلك دخلوا البلدان الإسلامية المحصنة بالإسلام من أوسع أبوابها تحت غطاء نشر العدالة وإحقاق الحق وحرية الكلمة وديمقراطية العمل، وكل ما يستتبع ذلك من تلاوين لكسب تأييد الشعوب، كحق تقاسم الثروات التي استأثر بها بعض الحكام فكانت تلك المدخل المؤلم على حكام الدول الإسلامية وفي الوقت نفسه المصيدة التي نصبها من يريد شرا بالحاكم والمحكوم، وبذلك دخلوا البلدان الإسلامية وجاسوا في الديار تحت التأييد التام والترحيب لتدخلهم.
فهكذا وتحت غطاء نشر العدالة والمساواة وجدت الصهيونية العالمية منفذا لها في كثير من دول العالم فولجت منه إلى داخل حصن دولهم، ثم عمدت إلى تشويه صرخات ضحاياها بوصف المدافعين عن حقوقهم بالإرهابيين، والمطرودين من ديارهم بالمتشردين، ومسلوبي الحقوق بالصعاليك، وأيضا بهكذا أسلوب صاحت أبواقهم الإذاعية الصوتية والمرئية والمكتوبة، كذبوا وكذبوا حتى صدّقهم الآخرون فأصبح الغازي محررا والسارق مستردا للحقوق والقاتل مدافعا عن الحق والديمقراطية. فطالما ملك القوة فهو على حق.
هكذا تصور إبرهة الحبشي بأنه فوق كل قوة على الأرض، وأنه قادر على هدم الكعبة رمز الرسالات السماوية، إلا أن الله سبحانه وتعالى كان فوق كل شيء «ويمدّهم في طغيانهم يعمهون» (البقرة:15)، ثم أرسل عليهم آياته في طير الأبابيل.
الآن هكذا يتصور الصهاينة بأنهم فوق البشر كافة وأن الأمور باتت بين أيديهم ليفعلون ما يريدون بأمة الإسلام، إلا أن أمر الله آتٍ من السماء أو من فوق الأرض أو من تحتها وسيهلك الله الطغاة مثلما أهلك من قبلهم، قال تعالى: «فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين» (الزخرف:8)، صدق الله العظيم
إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"العدد 356 - الأربعاء 27 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ