على مدى أيام، دار حوار صريح وجاد وعميق زادت صفحاته (المكتوبة) عن المئة وثلاثين صفحة. الحوار دار بين قطبيْن سياسييْن علمانييْن عراقييْن، يتحدثان فيه، برؤيتيْن مختلفتيْن، عن أحداث بلاد الرافديْن، منذ الاحتلال الأميركي في التاسع من أبريل/ نيسان 2003 ولوقت ليس ببعيد. القطب الأول في الحوار هو نبراس الكاظمي العضو السابق بالمؤتمر الوطني العراقي برئاسة أحمد الجبلي، والثاني ظافر العاني، العضو بالقائمة العراقية التي يتزعمها رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي.
المشكلة، أن هذيْن القطبيْن، علمانيان حتى النخاع، لكنهما بَدَيَا خلال النقاش وكأنهما ينتميان إلى مذهبيْن مختلفين. نبراس الشيعي، وظافر السُني. على رغم أنهما، كانا يتحدثان عن طائفتيْهما والمشاعر التي تكتنزهما، وليس عن انتمائهما الفردي الطائفي. فحقيقة تكوين الرجليْن، لا تترك لهما فرصة الإحساس بالطائفية، والنفور المذهبي/ الإثني، وهو المضحك في الأمر والمبكي في آن واحد. فنبراس الشيعي (الانتماء) أمه كُرديَّة طالبانية سُنيَّة. وظافر السُّني (الانتماء) زوجته شيعية من البيت الطاهر لآل النبوة، وسليلة عائلة كربلائية مقدسة!
هنا، لست في وارد التعليق على ما دار من النقاش بين السيدين الكريمين، نبراس وظافر، من تفصيلات قد تخص الإثنين، بقدر ما أود إبداء ما أعتقد أنه صحيح، في المسألة الطائفية في العراق. كما أنني لا أريد، الابتذال في ذلك الملف على طريقة الرؤية الشيعية أو السُّنية في جانبها المتطرف، وإنما عبر أخذ الأمور بمزيد من التجرُّد والعقلانية والهدوء، القائم على المعطيات والمتابعة الدقيقة بالأرقام، التي أدعي أنني كنت من المتابعين لتفصيلاتها ما بعد احتلال بغداد في العام 2003. وهي متابعات قابلة للنقاش والرَّد وردّ الرّد بطبيعة الحال.
لقد أطاحت الولايات المتحدة الأميركية بنظام صدام حسين طمعاً في النفط، وإعادة ترتيب شئون المنطقة وميزانها، من دون حساب لأيّ شيء آخر، بينما لم تدرك (وبغباء جَلِي)، أن بيْن جوانح جيوشها الزاحفة أطرافاً عراقية/ سياسية/دينية معتوهة، كانت تنظر إلى المعركة، بشكل مختلف تماماً. نظرة اختلطت فيها القومية، واختلط فيها الثأر، والتعطش للسلطة، وتعويض التهميش القديم، والاندفاع نحو تصحيح خطأ تاريخي، تعتقد تلك الأطراف أنه وقع منذ عشرينيات القرن الماضي عندما تأسست الدولة العراقية. وكانت كل تلك الأمور، تُحَمِّيها بشكل قوي، عواطف وغرائز لم يكن يتحكم فيها لا العقل ولا المنطق.
حدَث ذلك الاندفاع في بلد مجروح ومتعب نتيجة ثلاثة حروب طاحنة، وحصار ظالم استمر طيلة ثلاثة عشر عاماً، فأجهز على مليون ونصف المليون عراقي. حَدَثَ في بلد لم يكن تتحكم فيه النزعة الدينية الطائفية. فهو محكوم بزيجات مختلطة وصلت إلى الثلث من مجموع الزيجات. وهو ما أشارت إليه مجلة «REFUGEES» العدد 146 لسنة 2007 ضمن مقال روبرت كولفيل.
ومن هنا أقول، إن صدام حسين هو رجل بعثي علماني. لم يكن ينظر إلى انتمائه الديني/الطائفي أبداً، إلاَّ عندما كان يقف أمام الكاميرات لأداء الصلاة، على رغم أن العديد من صلواته كانت تتم في مراقد دينية شيعية. وبُعيد دخول القوات الأميركية إلى العراق، ظهر صدام في منطقة الأعظمية السُّنية الأبرز في العراق، وحاضرة إقامة الإمام أبوحنيفة في حياته ومماته لوصف انتمائه الديني (كما أشير في الحوار) على رغم أن صدام هو مَنْ أباد تجار هذه المنطقة قبل عدة سنوات، وهي أجلى ممارساته في الظلم بين الشيعة والسُّنة والأكراد بالسَّواء.
هنا، نطرح سؤالاً كبيراً، قبل الولوج في الموضوع. إذا كان صدام حسين، لم يتطبع بشكل ديني طائفي فاقع، إلاَّ في حالات متأخرة، ولأغراض سياسية بحتة (كظهوره في الأعظمية)، فلماذا إذاً توجَّس السُّنة في العراق، من التغيير في العام 2003؟ هل كانوا فعلاً ينتمون إلى نظام صدام والبعث بالسليقة؟ هل كانوا يرون فيه نظاماً سُنياً في نهاية الأمر؟ وإذا كانوا كذلك، فبِمَ نقرأ وجود معارضين كثيرين من السُّنة لنظام صدام، لدرجة أن مَنْ وشَى بمخبئه للأميركيين كان منهم؟ كذلك، لماذا أعدم البعث الشيخ عبدالعزيز البدري رحمه الله، وهو من كبار علماء أهل السُّنة في العراق. ماذا نسمِّي حركة طلال الكعود وهو من المكوِّن السُّني، الذي عارض البعث لسنوات؟ وكيف نفسِّر مواقف العائلة الشريفة الملكية، التي هي أيضاً قادت معارضة منتظمة، منذ الستينيات، ضد حكم البعث، وهي من المكوِّن السُّني كذلك؟
أيضاً نتساءل: لماذا لم يثِق السُّنة في العراق، بالنظام الجديد، الذي أنتجه الاحتلال؟ على رغم أنه نظام كان فيه علي الخضيري (السُّني) مستشاراً لبول بريمر القائد المدني لسلطة التحالف. وكان فيه، رعد القادري (السُّني) مستشاراً للسير جيريمي جرينستوك، نائب بريمر. وكانت القوات المسلحة في الفلوجة، تحت قيادة اللواء جاسم محمد صالح المحمدي، واللواء محمد لطيف الأعظمي، وهما سُنيَّان. وكان اللواء محمد عبدالله الشهواني (السُّني) قد عُيِّن رئيساً للمخابرات. وأصبح ثمانون في المئة من موظفي هذا الجهاز سُنَّة، في حين، كان جهاز الاستخبارات أيام صدام أربعين في المئة من منتسبيه من الشيعة؟ على الأقل هذا ما أشار إليه المتحاورون.
الحقيقة، أن الإجابة عن كل تلك التساؤلات، تحتاج إلى نظر، وإلى تجرُّد، وأمانة تحليلية وتاريخية، والتخلص من الأهواء والمحاباة. لذا فإنني أقول، إن التغيير الذي جرى في العراق بعد الغزو، لم يُغيِّر فروة السلطة (البعث) فقط، وإنما أتى بجو سياسي شامل وجديد، استولى على العراق من أقصاه إلى أقصاه. ومع وجود هذا الجو السياسي، المدعوم بزحف بشري من الأحزاب السياسية العراقية، التي كانت في المهجر، وبالتحديد، الأحزاب الدينية الشيعية، أصبح الموضوع بالنسبة لسُنَّة العراق، بمثابة الإخلال بالتوازن السياسي والأمني. فالأحزاب الجديدة الشيعية والكردية (وجزء من الليبراليين السُّنة) كانت محميَّة من الأميركيين والإيرانيين، بينما لم يجد المكوِّن السُّني (وبسبب غياب الدور العربي المطلق عن العراق) مَنْ يغطيه حزبياً، والأهم من ذلك، أن يجد له دولة تغطيه.
تكلَّل ذلك الهاجس المبرر لاحقاً بقرار بول بريمر، الحاكم العسكري الأميركي للعراق، بحل الجيش والدولة العراقية، وأجهزتها الأمنية، ليزيد من إحساس السُّنة في العراق، بانكشافهم أمنياً وسياسياً واجتماعياً أمام المخاطر الناتجة عن هذا التغيير السياسي والاجتماعي العارم، الذي أحدثه الاحتلال، في ظل موقف عربي رسمي سلبي وضعيف، لم يكن فاعلاً ولا مقداماً في الدخول إلى الساحة العراقية، أو حتى عبر الضغط على الأميركي لفعل شيء ما.
وهنا أتفق مع ظافر العاني في أنه عندما حصلت الهبَّة المسلحة ضد الأميركان في الفلوجة، كانت الأمور في إطار سياسي، وإحساس بالظلم، في تجريف، للمكوِّن السُّني في العراق، ولم يكن ذا صبغة مذهبية. بالتأكيد، فمن السذاجة أن نحيِّد الجانب المذهبي في الموضوع، ونقول إن سُنة العراق، ليس لهم انتماء مذهبي، لعِب دوراً وإن هامشياً مع أنظمة الحكم، منذ تأسيس الدولة، ولكن ما أود أن أقوله أيضاً، هو أن الصراع الذي حصل في العراق، بعد الغزو الأميركي، كان صراعاً سياسياً في أوّله، وانطلق تالياً بتوجيه من التنظيمات الإرهابية، كالقاعدة وخلافها باتجاه مذهبي، الذي سرعان، ما تداركه المكوِّن السُّني، بتشكيله للصحوات، في العام 2007، وطرد منتسبي القاعدة من الأنبار وديالى، حيث قدِّم السُّنة العديد من أبنائهم نتيجة ذلك الصراع.
أمرٌ آخر أذكره للأمانة التاريخية. فمنذ تشكيل الدولة العراقية في 23 أغسطس/ آب من العام 1921 كانت الزعامة السياسية في رأس الدولة، سُنِّية الانتماء العام، لكن الدولة العراقية ذاتها لم تكن تصطبغ بمذهب الرئيس/ الملك. بمعنى أن جوهر الدولة العراقية، واتجاهاتها، وتطبيقاتها على الأرض، لم تكن تحمل توجهات سُنيَّة. وربما أتذكر هنا ما كان يقوله المفكر العراقي حسن العلوي، بأنه «واحتراماً للشيعة، مَنعَ الحاكم السُّني، خلال ثمانين سنة من إطلاق اسم شارع باسم خليفة أموي كعبد الملك بن مروان، لأن الشيعة يرفضون الأمويين». (للحديث صلة).
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3558 - الأحد 03 يونيو 2012م الموافق 13 رجب 1433هـ
الجاهل والعالم
بالعكس مو ما يتحدث الجاهل أكيد ما كنا منعرف العالم
لو سكت الجاهل لاستراح الخلق
مقولة معبرة قالها الامام محمد الجواد عليه السلام "لو سكت الجاهل لاستراح الخلق"
رقم 5 و7 عزيزاي ( وهناك من يرد ان يحكم وكأن الله اختاره هو فقط للحكم )
عزيزاي الكريمان ردا على ما قلتموه نقول وهناك أيضا من يحكم وكأن الله اختاره للحكم لأنه من الفئة التي اختارها الله للحكم وأي تجرأ على ذلك يعتبر عصيان يجب محاربته حتى لو كان بأزهاق الأرواح .
للمتداخل السابع
المشكلة ليست في الأغلبية أو الأقلية بل هي في كيفية إدارة الحكم فكم من حكم أقلي أو أكثري حكم بطريقة عادلة دون أن يظهر طبيعة انتمائه ودينه وكذلك العكس
رقم 5 نعم يا أخي
لقد اختطفو العراق بمعاونة الاميركان ..تحت أكذوبة انهم الأغلبية وهم ليسو كذلك
المال والسلطة
يقال المال عديل الروح والمال يعني السلطة والتسلط فكما ان هناك ساسة سنة وشيعة وطنيين ومخلصين هناك في المقابل سنة وشيعة خونة ومأجورين ديدنهم الغاية تبرر الوسيلة لا يردعهم دين ولامذهب في تحقيق مآربهم. في المجتمعات العربية التي مازالت متخلفة حيث يسيس الدين و"تدين" السياسة يجب مقاطعة الطرفين وتحجيمهما قدر الامكان. وقديما قيل "اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله".
هذه القراءة
نفسها طمع الجمعيات السياسية في البحرين للوصول الي ثروة بأسم المذهب
سنة العراق
ليس كلهم ، يريدون أن يأكلوا كل شيئ ويأخذوا ابدوبة بما فيها رغم أنهم من الأقليات فقد تعودوا على هذا الشيء .
لصاحب المداخلة الثانية
هذا تبسيط غير علمي للموضوع فالمشكلة هي الحديث عن وجود مذاهب واديان واعراق لها مشاريع وطموحات وغرائز وليس فقط سعيها وراء الثروة . الموضوع مهم للغاية رغم ان فيه نظر
لحاف جحا
كل الخلاف بسبب تقسيم الثروة. طوال تاريخ العراق السنة كانوا يحكمون و يتمتعون بالإمتيازات. لأول مرة الشيعة يحصلون على الحكم. لا يهتم أى طرف بالدين أو المذهب ، بل يهتم بالحصول على امتياز للنهب و التمتع بالثروة. الإنتماء و الرجوع الى المذهب فقط عذر و وسيلة للوصل الى غاية النهب.فرهود باللهجة العراقية.
رؤية تحتاج الى بحث
رؤية نقدية تحتاج الى نقاش أوسع والبحث بشأنها
شكرا