تتردد وترددت كلمة خائن وخيانة، على لسان كل من لا يجد له عملاً إلا تخوين الآخرين، ولا يجد ما يرد به على الحقائق إلا التخوين والاتهام، وطبعاً ترديد هذه الكلمات لا علاقة له بمعنى تلك الكلمات الحقيقي، وإنما هي من باب «رمتني بدائها وانسلت»، فالخِيَانَةُ في اللغة تعني: نقض العهد، والغدر، وجحد الأمانة.

والسؤال من هو الخائن؟ من الذي جحد الأمانة؟ هل هو من نقل الواقع كما هو أم الذي لم ينقل شيئاً من الواقع وأنكره؟ فتعريف الخيانة يبين أن لها معايير واضحة وهي التي تحدد من هو الخائن ومن هو الأمين.

بالتأكيد أن الأمين، ليس من يسبّ الناس ليل نهار ويخوّن فيهم، لأنهم طالبوا بحقوقهم.

وإنكار الواقع وتكذيبه، فضلاً عن الدفاع عنه ليس له علاقة بالأمانة إلا أنه يعني المضاد لها بمعنى أنه الخيانة.

الأمين على وطنه هو من يعرف الواقع كما هو سعياً لإخراج الوطن مما هو فيه إلى الخير والصلاح، أما من يخفي كل التجاعيد والقبائح بالمكياج سعياً للحصول على الغنائم والمال والراتب الخيالي على حساب الناس وآلامهم، فلا يمكنه أن يتحدث عن الخيانة، فحديثه عنها من باب «رمتني بدائها وانسلت».

ومن جانب آخر، هناك قاعدة تقول «فاقد الشيء لا يعطيه»، وهذه القاعدة بالضبط هي التي يطبقها شعب البحرين على هؤلاء، ففاقد الأمانة لا يمكن أن يعلّم الناس الأمانة، وعليه البحث عن الأمانة في نفسه أولاً.

وبالتأكيد أن الأمين ليس من وشى بزملائه من أجل الحصول على وظائفهم، وليس من اعتبر ممتلكات الناس غنائم أو حتى من حاول إخفاء ذلك ومازال يكذب ويكذب لإنكار ذلك.

والأمين والأمانة ليس لهما أي علاقة، بإظهار المحبة الكاذبة لأناس يطعن فيهم وسط هذه المحبة الكاذبة ألف ألف مرة.

ولكن بالتأكيد أن طفلاً صغيراً، وامرأة وشاباً في ريعان شبابه وشيخاً كبيراً، قدموا للوطن دماءهم من أجل أن يعيش الجميع في خير وصلاح في وطن يضمّ الجميع بكرامة، هم الخط الفاصل بين الأمانة والخيانة، فهم اشتروا الوطن بدمائهم، بينما البعض الذي يخون كل من يختلف معه باع الوطن بحفنة من الدنانير، هنا تعرف الخيانة والأمانة، هنا الحد الفاصل الذي لا يمكن إنكاره إلا في عالم الكذب الذي سينطقه يوماً لأن حبل الكذب مهما طال فهو قصير.

ففي عالمهم، التعذيب، والقتل، وقطع الأرزاق، والظلم، والاعتقال، والكذب يعتبر قمة الأمانة، والحديث عنها وإيضاحها والكشف عن الألم وآثارها هو الخيانة.

وفي عالمهم، عالم حفنة المال، التمييز الطائفي والقبلي والأسري والفئوي والطبقي هو قمة العدالة والخير والأمانة، أما الشكاوى من هذا التمييز ومحاربته فهو الخيانة.

أتدرون لماذا؟ لأن حفنة من المال ستتوقف عن جيبوهم إذا ما توقف الفساد، وكان هناك توزيع عادل للثروة، يوقف السيرك الذي يقومون به، وهو لا يساوي قيمة حبر على ورق يكتبه طفل يتعلم الكتابة والقراءة، لأن الطفل كتب ليتعلم وينمو، بينما هذا السيرك وغيره هو لصنع الكراهية والشر والذي سيرتدّ على أصحابه.