نواصل القراءة الأولية للانتخابات المصرية في الجولة الأولى:
السادسة: إن العمل السياسي هو عمل مستمر وسط الجماهير وليس في ميدان من الميادين مهما كانت قيمته الرمزية، والعمل السياسي هو إنتاج لخدمة الجماهير وليس تظاهراً فئوياً أو مصلحياً، ولهذا أخفق المتظاهرون بلا عمل إيجابي، ونجح المتظاهرون العاملون وسط الجماهير الذين أعطوا الإنتاج أولوية، والذين أعطوا الأمن أولوية، لقد أخذ فريق من الشباب الثوري يتباكي على اللبن المسكوب فلم يحققوا ما تصوروه خطأ من أهداف الثورة وهي أهداف تداعى الحديث عنها مع مضي الوقت في منطق من المزايدة حيناً والمبالغة حيناً آخر، وانساق البعض وراء بلطجية النظام السابق وظنوهم شهداء وأخذوا يدافعون عنهم ويساعدونهم في تحطيم المنشآت الحيوية مثل المجمع العلمي ومبنى أمن الدولة واتجهوا لمحاصرة وزارة الداخلية ومجلس الشعب وأخيراً لوزارة الدفاع، وهو انسياق وراء سلوك غريب لا يمت للثورة إذ إن هناك فارقاً بين تغيير النظام وبين تحطيم أجهزة الدولة، وهو الفارق بين الثوري والفوضوي، كما انساق بعض الشباب تحت تأثير البريق الإعلامي وراء مفهوم الزعامات ولذلك نشأت تحالفات الثورة واتحادات الثورة وائتلافات الثورة والثورة مستمرة وغير ذلك من الأسماء، ولم يفعل الثوار الحقيقيون ذلك، فالنبي محمد (ص)، بعد فتح مكة اتجه لبناء دولة المدينة ولم يحطم مكة عندما عاد إليها فاتحاً ولم يحارب من يمكن أن نسميهم فلول النظام السابق مثل أبي سفيان بل قال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل بيته وأغلق بابه فهو آمن أي أن الرغبة في الانتقام ليست من سمات الإسلام ولا من خصائصه، إن هذا انحراف عن الإسلام وانحراف عن المفهوم الصحيح للثورة. الشيء نفسه فيما يسمى بالثورة المستمرة في الأدبيات الشيوعية فقد رفض لينين ذلك وهاجر تروتسكي بنظريته في الثورة المستمرة إلى أدغال أميركا الجنوبية وعندما انتصر ماوتسي تونج وأعلن قيام الدولة العام 1949 اتجه للبناء، وعندما توهم مفاهيم الثورة المستمرة، دمر البلاد ونشر المجاعات والإرهاب، حتى جاء دنج سياو بنج وأعلن سياسة الإصلاح والانفتاح وأدى ذلك لتحول الصين لتصبح صاحبة الاقتصاد الثاني على العالم بعد الولايات المتحدة.
إن مفهوم الثورة المستمرة هو مفهوم شيوعي ثبت فشله وتسبب في كوارث عديدة، إنه يعبر عن المراهقة الفكرية كما حدث في كوميون باريس من مارس/ آذار إلى مايو/ أيار العام 1871 والذي انهار بعد ذلك وادي لوقوع صراع كبير في فرنسا بين الفوضويين وبين الماركسيين وكذلك بين فرنسا وألمانيا، إن علينا أن نقرأ التاريخ العالمي بدقة وأن ندرك المفاهيم الصحيحة ولا نقع في الأوهام وفي ادعاءات البطولة، وفي مراهقة بعض الكبار المتصابين سياسياً والمراهقين فكرياً.
السابعة : إن العمل السياسي هو عمل مستمر وفقاً لقواعد قانونية سليمة ينبغي على الجميع القبول بقواعدها، فصندوق الانتخابات هو الفيصل في من يحكم لمدة محددة، يعود بعدها القرار للشعب مرة ثانية. ولم يحدث في بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا أو أميركا ولم يحدث أن تظاهر الخاسر في الانتخابات ورفض تسليم السلطة للمنتصر. إن المنهزم عليه أن يعود مجدداً للعمل وسط الجماهير لإقناعهم بمنطقه أن التظاهر بلا هدف لمجرد التظاهر بدعوى أن الثورة مستمرة أو بدعوى أن الثورة لم تحقق أهدافها، أو بدعوى أن قوة ما اختطفتها فهو عمل عبثي وفكر عبثي، ولن يؤدي إلا إلى استمرار الصراع والفوضى أو إلى الديكتاتورية والاستبداد.
الثامنة : إنه ينبغي أن يخرج المرشح الإسلامي محمد مرسي من عباءة المرشد العام فليس هناك مرشد للحاكم في التاريخ الإسلامي وإنما هناك فقط مستشارون ووزراء مسئولون وعندما رفض بعض الصحابة الانصياع لإرادة الأمة وللحاكم وقع الصراع السياسي والانشقاق السياسي، وتراجعت الدولة الإسلامية وانقسمت إلى دويلات الطوائف. وبالمنطق نفسه نقول إن على الفريق أحمد شفيق أن ينسى البذلة العسكرية، وأن يخرج تماماً من عباءة حسني مبارك فنظامه سقط ولا يرغب أحد في استعادته، وإذا لم يخرج من تلك العباءة السياسية واعتباره المثل والقدوة له فليتبوأ مقعداً غير مقعد الرئاسة فلم يكن مبارك قدوة لما أحدثه وأنصاره وأصهاره وأعوانه من فساد واضح للعيان.
وعلى المجلس العسكري أن يعود للحقيقة التي توصل إليها عندما ذهب الثلاثي العسكري لإقناع مبارك بانتهاء نظامه وضرورة تخليه عن السلطة هذا الثلاثي الذي كان مكوناً من عمر سلميان وأحمد شفيق والمشير حسين طنطاوي. إن من الأوهام تصور عودة النظام القديم أو تصور وجود حكم عسكري في مصر في القرن الحادي والعشرين، وبعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، لقد كان مبارك آخر الفراعنة الطغاة الذي آلت إليهم السلطة من خلال ثورة 23 يناير 1952 وشرعيتها، ولكنه خرج عن تلك الشرعية، واتجه للتوريث ولتزاوج السلطة مع الثروة، ولبيع صناعات مصر للنخبة الرأسمالية الفاسدة وتدمير الطبقة المتوسطة وإفقار الطبقة الفقيرة، فذهب ذلك النظام غير مأسوف عليه. وعلى القائد الجديد لمصر سواء محمد مرسي أو أحمد شفيق أن يعرف جيداً أنه جاء عبر صندوق الانتخاب، وأنه سيغادر بعد فترة عبر صندوق الانتخاب، ولم يأتِ بإرادة المرشد أو بأية إرادة دينية أو تفويض من الله الذي له المثل الأعلى والذي لم يفوض أحداً بحكم مصر سوى بإرادة شعبها عبر صناديق الانتخاب. فالحكم في مصر هو حكم مدني وليس حكماً دينياً لاهوتياً، فنحن لسنا في العصور الوسطى وليس في الإسلام حكم كهنوتي، ولكن في الإسلام حكم مسلمين صالحين بإرادة الشعب الذي هو صاحب القرار، وحقاً قال علماء الأصول حيث تكون مصلحة الناس تكون شريعة الله وإرادته.
التاسعة : دعوة للمرشحين الذين لم يحالفهم الحظ والقوى الثورية الحقة أن يعملوا من أجل الهدف في المرة القادمة سواء كان هؤلاء المرشحون من جيل الثورة أو من غيرها فهم جميعاً أبناء شعب مصر الحرة الديمقراطية المعتدلة العقلانية المتسامحة، وليقتدوا بقول الإمام محمد عبده: «وجدت في فرنسا إسلاماً بلا مسلمين ووجدت في بلادنا مسلمين بلا إسلام»، وحقاً مازال هذا القول ثابتاً، فها هو ساركوزي رئيس فرنسا السابق يهزم بعد أربع سنوات ويترك منصب الرئيس ومزاياه، وتولى منافسه الاشتراكي هولاند ولم يتظاهر أتباع الرئيس المنهزم في ميدان الكونكورد، ولم يهاجموا الباستيل الجديد، ولم يدمروا برج أيفل، ولكن الجميع انصرف للعمل والبناء أو للاستراحة وكتابة مذكراته وهذا ما يحدث في الدول المتحضرة وهو ما نتطلع لأن يحدث في مصر بل في جميع بلاد العرب المسلمين وحقاً القول «لو دامت لغيرك ما آلت إليك» والله يفعل بحكمته ما يريد.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 3551 - الأحد 27 مايو 2012م الموافق 06 رجب 1433هـ