في العام 2014 انفجرت أزمة اقتصادية مروّعة تهاوت أمام أمواجها آلاف الشركات معلنة إفلاسها، وفقد عشرات الآلاف وظائفهم، وتضاعفت أعداد العاطلين عن العمل إلى مستويات لم تحدث في التاريخ من قبل، وانتشار الفقر في أركان البلاد، حتى وصل بالعديد من الأسر إلى فتح سلة القمامة لسد رمق الجوع. رافق ذلك أزمة إسكانية مرعبة حتى باتت مئات العوائل والأسر تنام على قارعة الطريق.
وتدخلت الحكومة لإنقاد البلاد بضخ مليارات الدنانير في الاقتصاد من خلال السياسة المالية والنقدية، من دون جدوى، واستمرت الأزمة الاقتصادية بعنفوان أقوى، وكانت نتيجة الجهود الحكومية ارتفع الدين العام للدولة إلى مستويات فلكية وكادت الدولة أن تعلن إفلاسها وتتجرع كأس الذل الذي تتجرعه اليونان.
أمام نافذة مكتبها، تقف المليونيرة «بنت أم أحمد»، وتأمر سكرتيرتها بعقد اجتماع عاجل لكل المدراء والمهندسين لمناقشة فكرة في رأسها.
وبنت أم أحمد، اسمها رباب عاشت طفلة يتيمة فقيرة. كيف تحولت إلى مليونيرة؟ ولماذا سمّيت بـ بنت أم أحمد؟ هذه قصة مثيرة يحتفظ بها الكاتب في خياله.
وبما أن بنت أم أحمد عاشت فقيرة في صغرها، كانت تشعر بآلام الناس في هذه الأزمة الاقتصادية التي خلقت وراءها سلسلة من الأزمات، كأزمة الثقة في السوق، أزمة الائتمان في البنوك، أزمة البطالة، أزمة الفقر، أزمة الإسكان... وغيرها.
وجّهت بنت أم أحمد سؤالاً إلى المدراء والمهندسين في الاجتماع قائلة: «لدينا 700 مليون دينار نقداً، تخيّلوا كيف ننقذ البلاد بهذه الأموال؟
جميع الحاضرين انحنوا برؤوسهم بنظرات غريبة، مستغربين من سخافة السؤال، وقال كبير المستشارين: «الحكومة التي تمتلك خزائن النفط، ضخّت مليارات الدنانير وكادت أن تفلس، دون جدوى، فكيف بشركة وبمبلغ لا يصل إلى مليار واحد أن ينقذ الوضع؟!».
فأجابت بنت أم أحمد: «تخيّل أن لديك مريضاً يعاني من نقص حاد في الدم، إذا ضربت الإبرة المغذية في (العرق الذي يجري فيه الدم) فإن الدم سينتشر في الجسم وسيتعافى المريض، أما إذا ضربت الإبرة المغذية خارج العرق، فإن المريض لن يستفيد مهما ضخخت من كميات. وهذا بالنسبة لمليارات الدنانير التي تضخُّها الحكومة، لا تجري في عروق وشرايين الاقتصاد. لأن الحكومة تعطي المناقصة إلى شركة أو مقاول، وهذا المقاول يدور أموال المناقصة في الشركات التابعة له، والشركات التي تجري في فلكه، وبالتالي تحرم آلاف الشركات والمؤسسات من الاستفادة من الأموال التي تضخّها الحكومة. وهنا العلة الحقيقية وهي «خلل في حركة ودوران الأموال في الاقتصاد»، ما أدى إلى نشوء طبقة غنية تزداد غنى، وطبقة فقيرة تزاد فقراً.
فقال المدراء: «نحن شركة ولسنا حكومة، والبلد مليئة بالأزمات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، أن نقوم نحن بما عجزت عنه الحكومات في مختلف بلدان العالم من أميركا إلى أوروبا واليابان».
فردت بنت أم أحمد : «هناك دورة لحياة الأسواق. الدورة في مرحلة النمو تبدأ بالتفاؤل ثم، الاقتناع، الحماس، التسابق، وتصل ذروتها عند الانتعاش، وبعدها يبدأ التشبع، ومن ثم تصبح الدورة في مرحلة هبوط، تبدأ بالحيرة، ثم القلق، الخوف، الكساد، الهلع، الإحباط، وتنتهي باليأس. ووضع الاقتصاد في البلد الآن في مرحلة اليأس، وسيكون النجاح في إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية مرهون بخلق الأمل والتفاؤل لتبدأ دورة جديدة للسوق».
فوضعت بنت أم أحمد خطة تضرب بها «عدة عصافير بحجر واحدة»، انطلاقاً من حل الأزمة الإسكانية ببناء 30 ألف منزل (بيت) وتوزيعها على المواطنين.
والخطة تقوم على توزيع عقود ومناقصات بناء الوحدات السكنية على جميع المقاولين في البلد وفق آلية النسبة والتناسب، بحيث يعطى كل مقاول صغير مناقصة لبناء 20 منزلاً، وعندما ينتهي منها يعطى 20 منزلاً أخرى، أما المقاول المتوسط يعطى مناقصة لبناء 50 منزلاً، وإذا انتهى منها تعطى له مناقصة أخرى، والمقاول الكبير يعطى عقداً لبناء 120 وحدة، وإذا انتهى يعطى مناقصة أخرى.
وبالتالي فإن جميع المقاولين استفادوا من حركة الأموال، ما أدى إلى تحفيز عشرات القطاعات الاقتصادية، إذ إن تنشيط قطاع الإنشاءات يؤدي إلى تنشيط قطاعات اقتصادية أخرى مرتبطة مثل: أدوات البناء، الخرسانة، الألمنيوم، الأدوات الكهربائية، الديكور والجبس والصباغة، مواد الأرضيات والدهانات والسجاد والمفروشات، النجارة، والصناعات الهندسية الأخرى مثل المكيفات إلى جانب الكثير من الصناعات المرتبطة بالعمران كقطاع النقل والخدمات اللوجستية... وغيرها.
وعندما انتعش قطاع الإنشاءات ازدهرت معه الصناعات الأخرى كسلسلة مترابطة مع بعضها البعض، وتغيرت التوقعات التشاؤمية للقطاع الخاص نحو التفاؤل، وارتفاع المعنويات وازدادت الثقة بعودة النمو الاقتصادي، وعاد الأمل إلى التجار بعد اليأس، لتبدأ السوق مرحلة جديدة في دورة الحياة للسوق، بدءاً من الأمل، الاطمئنان، التفاؤل، الاقتناع، الحماس، التسابق، والانتعاش الاقتصادي.
الأموال التي ضختها أم أحمد، استفادت منها آلاف الشركات والمؤسسات، وجرت في عروق وشرايين الاقتصاد، وانتعشت كل القطاعات من خلال إعادة التوازن بين العرض الكلي والطلب الكلي.
كما ضربت عدة عصافير في حجر وحدة، إذ إن حل المشكلة الإسكانية ببناء آلاف السكن، أدى إلى تحريك النشاط في السوق، بالتالي حل المشكلة الاقتصادية، وعودة الأمل وانتهاء أزمة الثقة في السوق، كما أن الحركة الاقتصادية أدت إلى توفير فرص عمل للمواطنين ما قلَّص أعداد البطالة إلى مستويات متدنية جداً.
قال كبير المستشارين إلى بنت أم أحمد: «لم أكن أصدق أن مبلغ 700 مليون دينار يمكن أن يحل كل هذه الأزمات».
فردت بنت أم أحمد: «هل تعلم ما هو مبلغ 700 مليون دينار؟ إذا أردت أن تعرف خذ آلة حاسبة (كلكليتر)، واحسب هذه المعادلة والأرقام (...)، إنها حجم زكاة لأموال لم يتم تزكيتها وتخميسها في البلد». والزكاة في جوهرها معالجة الانحراف والخلل في حركة ودوران الأموال.
وإذا لم تصرف أموال الزكاة في المكان الذي يعالج الخلل في حركة ودوران الأموال، فإن الأزمات ستستمر مهما ضخت الحكومات من أموال، بل ستخلق مشكلات أكثر فداحة تتمثل في إفلاس الدول.
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 3550 - السبت 26 مايو 2012م الموافق 05 رجب 1433هـ
سنابسيون
حلوه القصه ولكنها تبقى تتحقق في الخيال أما على ارض الواقع مشاكل البلد من الصعب حلها إن لم يكن من المستحيل.
صرف الأموال في غير محلها
صدقت أخي وصدقت نظريتك الاقتصادية
مشكلتنا هي في صرف الأموال الطائلة في غير موضعها مما يزيد ويفاقم مشاكلنا
بينما لو صرف معشارها في جوهر الأزمة (العرق) لوصلنا للحل