العدد 3550 - السبت 26 مايو 2012م الموافق 05 رجب 1433هـ

قراءة أولية في نتائج الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة المصرية (1)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

لقد أظهرت نتائج الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية في مصر التي جرت يومي 23 و24 مايو/ أيار 2012 عدة دلالات ذات أهمية ومغزى من ناحية التحليل العلمي نسوق منها ما يلي:

الأولى: إن النتيجة كانت شبه مفاجأة فكانت التوقعات والتحليلات تشير إلى احتمال الإعادة بين محمد مرسي وعبدالمنعم أبوالفتوح أو بين عمرو موسى وعبدالمنعم أبوالفتوح أي أن القاسم المشترك في الإعادة كان متوقعاً أن يكون عبدالمنعم أبوالفتوح وهو إما يعكس اصطفاف إسلامي/إسلامي أو اصطفاف إسلامي/ليبرالي وأظهرت النتائج الأولية أنه اصطفاف إسلامي/مدني عسكري ومن ثم أصبح كلا الأمرين موضع تساؤل في المجتمع، وأياً كان نوع الاصطفاف فكان رد الفعل سيكون الشيء نفسه. أما المفاجأة الثانية فكانت بروز حمدين صباحي إلى المكانة الثالثة ليسبق بذلك كلٌّ من أبوالفتوح وعمرو موسى. وفي تقديري أن النتيجة عكست وعي عميق للشعب المصري وهو ما سنتناوله في النقطة التالية.

الثانية: إن الشعب المصري بوعيه التاريخي وحسه السياسي هو الذي فرض النتيجة التي ظهرت في الجولة الأولى وهو الذي سيفرض النتيجة النهائية. وهنا نقول إن التحليل العلمي يظهر لنا أن الشعب المصري أكثر وعياً من النخب المثقفة أو النخب السياسية الحاكمة سواء في عهد مبارك غير المأسوف على رحيله أو في عهد صعود قوى الإسلام السياسي غير المدركة لحقيقة وشخصية وهوية الشعب المصري ووضع القوى السياسية في إطار هذا الشعب.

الثالثة: إن هوية الشعب المصري هي هوية متنوعة وهي هوية متعددة الطبقات الحضارية من فرعونية إلى قبطية إلي إسلامية. فمصر دولة حضارية قبل ظهور الأديان السماوية الثلاثة، مع كل الاحترام والتقدير لهذه الأديان، فإن مصر عبدت الإله الواحد منذ عهد الأسر الفرعونية القديمة فحورس كان ابن الإله أوزوريس وأمه ايزيس أي الثلاثية المصرية القديمة أخذتها المسيحية عن مصر، كما إن مصر عبدت الإله الواحد الأحد في ترانيم اخناتون والتي تضمنت مفاهيم التوحيد ومفاهيم القيم التي تحدثت عنها مزامير داوود بعد ذلك، وأيضاً الوصايا العشر في التوراة وهي الوصايا نفسها التي تحدث عنها القرآن الكريم في آية المباهلة، كما تحدث القرآن الكريم عن التوحيد في سورة الإخلاص.

باختصار نقول إن مصر عرفت القيم الدينية والمفاهيم الأصيلة للدين بغض النظر عن التسميات قبل الأديان السماوية. أما البعد الثاني في الهوية المصرية فهوالاهتمام بالأمن الوطني، ولعل نصيحة الفرعون إختوي إلى ابنه مريكارع في عصر الفوضى الأول بعد سقوط الدولة الفرعونية القديمة خير دلالة على ذلك. كما إن مصر عرفت شكوى المصري البسيط في شكاوى عديدة للفلاح المصري أشهرها الشكوى المنسوبة للفلاح الفصيح. باختصار نقول إن هوية مصر، هي هوية دينية ليست إسلامية أو مسيحية بل هما معاً جزء لا يتجزأ من الهوية الدينية المصرية. والبعد الثالث في الهوية المصرية يتمثل في سيطرة مبادئ التسامح والاعتدال والواقعية السياسية والدينية على تلك الهوية فعندما جاء الإسلام لمصر رحب به المصريون الأقباط لأنه أظهر لهم التسامح والاعتدال، وهو بدوره تركهم على عقيدتهم المسيحية القبطية فظلت مصر لعدة قرون بعد الفتح الإسلامي ذات غالبية قبطية، رغم أن حكامها كانوا مسلمين ولكنهم كانوا مسلمين يفهمون حقيقة الإسلام وهوية مصر، فالإسلام يقوم على مبدأ الحرية الدينية «لكم دينكم ولي دين» وعلى احترام العقائد الأخرى والاعتراف بها ومعاملة أهلها على قدم المساواة كمواطنين وليسوا كرعايا أو أهل ذمة، كما يتردد في بعض الأدبيات الإسلامية الحديثة التي جعلت أهل الذمة أقل مكانة، في حين أن الإسلام نظر لأهل الذمة بأن»لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم» أي المساواة في الحقوق والواجبات.

كما أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها مثل الرجل في الكرامة الإسلامية وفي الحقوق المدنية والسياسية، ففي الحقوق المدنية كانت المرأة تاجرة ولها الذمة المالية المستقلة، وتشارك في الحروب وفي السياسة، وفي الوظائف العامة كانت تتولى الضبطية القضائية في عصر الدولة العباسية، كما كان غير المسلمين يتولون إدارة التعليم في الدولة الإسلامية. وهذا التسامح مارسته مصر قولاً وعملاً في تاريخها الطويل، فهي التي جعلت يوسف النبي أميناً على خزائنها، وهي التي استضافت إسرائيل النبي - أي سيدنا يعقوب وأولاده - وهي التي تربى النبي موسى على أرضها وفي بيت الفرعون، وهي التي أرسلت الهدايا للنبي محمد ومنهم ماريا القبطية وأختها سيرين وقد أوصى النبي محمد بأهلها خير وخاصة بالأقباط، كما ورد في الأثر أنه قال إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا منها جنداً فإنهم خير أجناد الأرض وغير ذلك شواهد عديدة.

الرابعة: إن تاريخ مصر لم يصنعه الحاكم كما تصور ذلك البعض وإنما صنعه الشعب المصري بقيادة حاكمه، ولذلك عندما ظهر الملك مينا وقام بتوحيد القطرين هو لم يفعل إلا ما كان الشعب المصري يتطلع إليه، وعندما جاء الملك أحمس وقام بتحرير البلاد من الهكسوس هو عبر عن الروح المصرية الأصيلة في التحرر والشيء نفسه نجده في العصور الإسلامية عندما جاء الفاطميون وأقاموا دولتهم رحب بهم المصريون، ولكنهم بقوا على مذهبهم السني رغم أن الحكام كانوا من الشيعة الإسماعيلية وما أن جاء صلاح الدين الأيوبي حتى وجد الأرض مهيأة لعودة الوحدة بين الحاكم والمحكوم، فالحكام الفاطميون وجد فيهم المصريون شخصيات غريبة الأطوار وسلوكيات غير إسلامية ولذلك ظهرت الأساطير المصرية التي تتهكم على كثير من حكام الدولة الفاطمية. باختصار الروح الإسلامية الدينية الأصيلة هي جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية بما في ذلك حب آل بيت النبي واحترامهم وتوقيرهم كذلك حب جميع الصحابة بما فيهم من يعتقدون بأنه أخطأ خطأً كبيراً في فهمه للإسلام وفي سلوكياته السياسية مثل معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية والذي حوّل الخلافة إلى ملك عضوض يرفض المصريون أية إساءة إليه فهو أحد صحابة النبي وأحد كتّاب الوحي.

الشعب المصري لا يؤمن بالتوريث للسلطة ولكنه يؤمن بتولي الحاكم العادل ولذلك من يطلع على الآداب في العصر الفرعوني يجد الإله ماعت إله الحق والعدل ويجد ابتهالات الفرعون بأنه لم يؤذِ أحداً ولم يلوث ماء النهر ولم يرتكب الكبار ونحو ذلك، ولعل هذا من أكبر جرائم نظام مبارك، إنه لوّث نهر النيل وارتكب الكبائر بإذلال الشعب فثار عليه الشعب بأسره ووضع في غياهب السجن مع أبنائه وأعوانه.

الخامسة: إن بعض النخب السياسية والمثقفين هم أداة لنشر الفوضى ونشر الوهم، فالواهم هو من تصور أن شباب الثورة هم فقط الثورة، والوهم من تصور الحركة المباركة في 25 يناير/ كانون الثاني أنها كانت ثورة مكتملة الأركان، إنها كانت كما يرى بعض المؤرخين حالة ثورة أو حركة ثورة، على رغم أنني وصفتها بالثورة في كتابي عن ثورة ة 25 يناير ولكنني حذرت من الوقوع في الأوهام وهي أن الثورة قام بها فقط الشباب، ونسوا أن الثورة هي حركة شعب بأسره، وأن الجيش كان جزءاً لا يتجزأ من الثورة، وأن الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي كان جزءاً لا يتجزأ من الثورة، وأن جموع الفلاحين والعمال كانوا شركاء، ولذلك فلا فضل لفريق على آخر، ولا يستطيع فريق واحد أن يدّعي من منظور علمي أنه صاحب الثورة أو أن الثورة اختطفت منه.

إن الثورة كما أوضحت في كتابي المشار إليه هي حركة شعب، ولو كانت حركة فريق واحد ما كان يمكن لها أن تنجح ولكان مصيرها مصير تجمعات عديدة في السنوات الأخيرة تقف على أعتاب هذا المبني أو ذاك، ولكن للأسف بعض الإعلاميين وقدامى السياسيين صوروا ذلك للشباب وزينوا لهم الوهم، كما زينه أتباع النظام السابق لكبيرهم حسني مبارك.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3550 - السبت 26 مايو 2012م الموافق 05 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً