المصريون بدأوا يوم أمس الإدلاء بأصواتهم في أولى انتخابات رئاسية حرة تشهدها بلادهم... أدلوا بأصواتهم ورؤوسهم مرفوعة، وآمالهم كبيرة جداً، فلقد انتظروا أكثر من 15 شهراً منذ الإطاحة بالرئيس الاستبدادي حسني مبارك. تدفق المصريون إلى مراكز الاقتراع أمس وانتظروا ساعات طويلة في الطابور لكي يتأكدوا أن صوتهم احتسب في هذه الانتخابات التاريخية التي احتوت على كل الخيارات الإسلامية والليبرالية والقومية، في أجواء تنافسية حقيقية.

كيف لا يكون ذلك والجميع يعلم بأنّ موقع «الرئيس» في مصر ليس عاديّاً، وعرفوا ذلك من خلال ثلاثة رؤساء «عسكريين» تسلّموا زمام أكبر وأهم بلد عربي بعد الإطاحة بالملكية في 1952، وتحوّلت مصر من بلد متقدم بالمقارنة مع زمانه إلى بلد مثقل من كل جانب ومكانته انحسرت بسبب الاستبداد الذي خنق الحياة السياسية.

سنحتاج إلى الانتظار حتى 21 يونيو/ حزيران 2012 لكي نتعرف على الفائز، إذ هناك نحو 50 مليون شخص يحق لهم التصويت، وهذا العدد الكبير يصوت لأول مرة بحرية، وتحت رقابة دولية من مختلف الجهات. وقد لا نعرف من سيفوز وكيف ستكون توجهاته، ولكن البرلمان الحالي يسيطر عليه الإسلاميون، وهؤلاء أثبتوا لحد الآن أن الزمان تغير، ولم يعد أصحاب التوجهات الإسلامية يفرضون على غيرهم نمطاً معيّناً في الحياة العامة أو الخاصة.

المجلس العسكري الذي تسلّم زمام الأمور بعد انتصار «ثورة 25 يناير» في 11 فبراير/ شباط 2011، وعد بتسليم السلطة العليا إلى الرئيس المنتخب بحلول نهاية يونيو، والتحديات كبيرة جدّاً، ولحد الآن لا توجد مؤشرات بأنّ العسكر سيخلفون وعدهم. ولكن هناك خشية من أوساط مصرية بأنهم سيسعون للمحافظة على نفوذهم في السياسة والاقتصاد الوطني، ما يعني أن الدولة البوليسية قد تعود بأسلوب آخر.

ولكن المهم في كل ذلك أن مثل هذه الآراء الآن تطرح في مصر بحرية، والمصريون يودعون «رئيس 99.9 في المئة» ويطوون «مرحلة تهميش المواطن» من خلال الانتخابات الرئاسية التنافسية، والمصريون مقتنعون بأن الاستقرار الذي يتحقق من خلال الديمقراطية هو الذي سينجز لهم ما عجزت عنه «الدولة الأمنية - القمعية» التي تسيّدتهم طويلاً.

إن العرب يشعرون بالفخر بأنّ أكبر بلاد في وطنهم الكبير بدأت بالفعل تسير على طريق يتناسب مع الطموحات الحضارية، وأن المصريين بنجاحهم في هذه التجربة سيرفعون مكانة الإنسان العربي في كل المحافل الدولية، وسيبطلون النظريات التي تقول بأنّ العرب مختلفون عن غيرهم وأنهم لا يستحقون الديمقراطية.