لأن الساعة الآن تشير إلى العاشرة صباحاً، تجدين نفسك تتقلبين بين هذه الوجوه وتلك الأحرف، بحثاً عن وجهٍ اقترف صاحبه الرحيل في هذا اليوم، مع سبق النصر والتمرّد.
تتآلف عند بطانيات سريرك البنفسجية خيوط الشمس معلنةً انكسار الضوء من تلك النافذة التي لم تعلُها إلا قطرات مطرٍ وهميّ تناثر ليلة البارحة مع ذرات غبار تجمع قبل هذا الوقت بقليل، لتمحو صورته التي طالما هطلت على عينيك في مثل هذا الوقت لتربت على جرحكِ وتتمتم: صباح البعد.
خيوط الضوء تتكسّر كما الأحاسيس التي تجول في خاطرك،
القلب ينكسر، الحب ينكسر، الظهر ينكسر...
وكل شيء إلى انكسار عدا الذاكرة المثقلة بالحنين.
تنظرين إلى المرآة التي تطل بخجلٍ من ذاك الجدار، ترتبين شعركِ بأصابعكِ تماماً كما كان يحب: خصلاته القصيرة تتدلى على جانبي وجهكِ حتى تكاد تغطي ربعيه.
لكنكِ هذه المرة تضيفين ما لا يحب: دبوساً فضياًّ رُسِمَت على طرفه بنفسجة، يرفع ما انسدل في النصف من خصلاتٍ لتكوني امرأة أخرى في حضرة غيابه/ صمته المضني.
المرأة التي تطل بعض ملامحها من تلك المرآة ليست أنتِ تماماً، بدت أكثر نحولاً وقلقاً، بدت وكأن عمرها الربيعي ارتمى فجأة من بين سنينها، ليحطَّ على راحتيه فيزيده بريقاً؛ لئلا يشعر بالفارق الكبير في السن، والشبه المترع في الانكسار.
الانكسار مرة أخرى يزور هذه الكلمات، لكنه هنا ليس ضيفاً بل صاحب قلب.
هذا الانكسار الذي وُجِدَ فخُلّد، وتمادى فتماهى في وجعه الفؤاد.
يهبكِ مزيداً من الثرثرة، فتهبينه مزيداً من الصمت.
ثرثرة؟! كيف تثرثرين وأنت مسجونة بين جدران ذاكرة تتفنن في اصطياد تأوهاتكِ وتلحنها شغفاً ودمعاً؟
تنتبهين لشفتيك الجافتين فتصمتين، بينما الوقت ينقضي ذبيحاً بين دقات ساعة خلعها معصمك البارحة، كي لا تذكرك بالوقت، ولا تذكرك بقسوته الموغلة في التمادي...
تبحثين عن متسعٍ من الجرح وقليل من الهذيان، لتنتظري رسالةً من هاتفه تسكن هاتفكِ باطمئنان فيتسرب الشعور بالراحة إلى خلاياكِ...
تترقبين الرسالة، بقلب مضطرب بين: أريد أو لا أريد...
تتبعثرين انتظاراً، وتحيلين من عقارب الساعة عقارب صحراء تبث سمومها في صمودكِ ليعلن استسلامه.
تبحثين عن وجهه بين الركام المتناثر من ذاكرتكِ، وتنفضين عنه الغبار خوفاً عليه من الحساسية.
تنتبهين إلى جدرانكِ، تتيقنين أنكِ في غرفتكِ، وأنه ليس سوى ذكرى لم تمر من هنا.
تبحثين عن الوجه مرة أخرى بقلقٍ، بغضبٍ، بشموخٍ، بانكسارٍ، باتنظارٍ، بحزنٍ، بدمعٍ، بيأسٍ، بأملٍ، بكثير من الجراح...
والوجه لا يجيء...
تنتبهين من استسلامك... تتذكرين: الوجه لا يرتب ملامحه التي مسختها مساحيق الألم وشكلتها ألوان المسافة...
تتمتمين: إلجئي لسريركِ يقصُّ عليكِ أحلامه، فتقدينها من صحوةٍ كلّما تعنّى على يوسفكِ تأويلها...
فالوجه لن يعود! وقلبك لن يعود!
ومضة:
يـاعاقد الـحاجبينِ على الجبين اللجين ِ
إن كنت تقصد قتلي قـتلتني مـرتينِ
مـاذا يـريبك مني ومـاهممت بـشينِ
تـبدو كأن لا تراني ومـلء عينك عيني
ستحرم الشعر مني وليس هـذا بهينِ
أخاف تدعو القوافي عليك في المشرقينِ
بشارة الخوري» الأخطل الصغير»
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3542 - الجمعة 18 مايو 2012م الموافق 27 جمادى الآخرة 1433هـ
جميل جدا
جميل استاذة سوسن اشتقنا الى سوسن الشاعرة والاديبة جدا. نتمنى ان تحددي وقت امسيتك التي الغيتها في نقش لنسمع شعرك الرائع
جميل عبقك
لم اقرا بوحا بهذا الجمال وهشه العذوبة وهنيئا لهذا المعشوق كل هذا الحب عزيزتي . لقلبك الرائع مليون سلام وتروحين وترجعين بالسلامة يا سوسنة البحرين
توظيف جميل لمفردات رائعة
ما حجم علالة الحزن التي بداخلك أيتها الرائعة، وما حجم التفاؤل الذي تحملين واصرارك على التمرد الجميل؟؟!..أجمل ما قرأت اليوم من أحاسيس إنسانية لا تعرف اليأس..شكراً سوسن ودُمت دائماً على القوة لرفض السائد بكلمات بسيطة وشجاعة في آن.
رائع جدا ومؤلم كثيرا
شكرا لك كلمات مذهلة بالفعل
همس_ البحرين
بعض الأحيان نقرأ لنبكي بصمت ودخل مشاعر الكاتب.
كان الزوايا في قلبك كثيرة جدا والصدر خالي إلا من هذا البعيد
أحيانا الصمت يعبر عن الروعة لكنك هنا لا يجيد شيء رسم بهائك أيتها النرجسة الجميلة