العدد 3533 - الأربعاء 09 مايو 2012م الموافق 18 جمادى الآخرة 1433هـ

من يستحق التكريم؟

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أعترف بداية بأنني لست ممن يحفلون بمناسبات التكريم كثيراً، لأنها تقام في ظل من لا يعون معنى التكريم الحقيقي لإبداع الإنسان، ولأنهم يعتقدون بأن تكريم المبدع والمثقف مجرد شهادة ودرع وقطع من الكعك وبعض الابتسامات الصفراء توزع بملل يمنة ويسرة ممن يحضرون لتكريم المبدعين والسلام. حتى أن بعض الأصدقاء الغيورين لفت نظري قبل يومين إلى أنه كان هناك حفل تكريم لرواد المسرح المدرسي على المستوى الخليجي فلماذا لم أجدك على رأس المكرمين هناك باعتبارك ساهمت من الألف إلى الياء في أعمال المسرح التربوي البحريني طوال عقدين من مطلع السبعينات حتى مطلع التسعينات من القرن الماضي وقدمت الكثير من المواهب الفنية لهذا البلد. فقلت له: أشكر موقفك، ولكنى لا أجد جواباً لما تسأل ومع ذلك فهذا أمر لم يعد يفاجئني أو يعنيني كثيراً. لكن ما حز في نفسي فعلاً وفاجأني وهو يعنيني أكثر الآن وكنت أعتقد خلاف ما نُشر؛ هو ما ذكره منصور سرحان مدير المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي وهو يذكر دور أستاذه، المرحوم محمد حسن صنقور، وصاحب الفضل عليه في موقع عمله بالمكتبة العامة لوزارة التربية منذ السبعينات، أن خدماته الثقافية للبحرين عامة «لم تقتصر على تطوير المكتبات العامة فقط، وإنما أخذ يتطلع إلى نشر مفهوم الثقافة بكل أبعادها. لقد كان مبدعاً بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وكان من طلائع رواد نشر الثقافة في البحرين، وقدم جهوداً مضنية في فترة كان فيها كأنه ينحت في الصخر، إلا أنه على رغم ذلك لم ينل التكريم الذي يناسب عطاءه وجهوده التي بذلها في حياته».

لقد أحسست بغصة مضاعفة على ما نحن فيه من غصص؛ ولم أكن أعتقد لعدم متابعتي لحفلات التكريم، بأن رجلاً بهذه الإبداعات والقامة الثقافية العملاقة في البحرين، بلد المبدعين من أبناء الشعب، لم يتم تكريمه كما يجب حتى لحظة وفاته. بينما هناك أقزام كُثر قد كُرموا لأنهم يصارعون بكل ما أوتوا من قوة ونفوذ للجلوس في المقاعد الأمامية لأن الأضواء تلمع وتصنفر كل أنواع المعادن، والناس معادن. ولكن معدن المرحوم الأستاذ محمد حسن صنقور قلما تسلط عليه الأضواء لأنه كما يبدو لم يصارع على المقاعد الأمامية أو يجد من يدفعه لها. بل كنت أراه غالباً وألتقي به مصادفة بوجهه الباسم وسؤاله الأبوي عن الأحوال في كل الأحوال، وهو يمشي في مشواره الرياضي اليومي تقريباً في أحد شوارع وممرات مدينة عيسى.

لم يكن مؤسساً لأي جمعية سياسية حتى يُتخذ منه موقف، لم يكن ناقداً لاذعاً علناً لأي المواقف الرسمية في الصحافة أو في أي تجمع حتى يتم تهميشه، لم يكره بلده وشعبها قط أو يُحرض فئة ضد أخرى حتى يتم ركنه في زوايا النسيان، ولم يكن غير بحريني أبا عن جد حتى يتم إهمال تكريمه في أكثر من مناسبة وطنية وثقافية مرت علينا. وهو من قد أوضح المقال المذكور إنجازاته وإبداعاته القيمة فعلاً وبعضها متفرد في نوعيته. إذاً في أي أرض نحن وإلى أين نسير؟ وأين الإستراتيجية الثقافية التي يتحدثون عنها؟ وما فائدة آلاف الصفحات التي تدبج بها عشرات الكلمات عن الحرص على الثقافة ودعم المثقفين وخطط تقديرهم وتكريمهم بل على الأقل تبني إبداعاتهم وجعلها أنموذجا للأجيال الحالية والقادمة للسير على منوالها وإن لم يكن تكرارها كما هي. أين نحن من عالم المدنية والحضارة حين يأتي الدور على الاحتفاء بأبناء هذه الأرض المعطاء؟

عفواً، هذه الكلمات البسيطة في حق أحد مبدعي الثقافة البحرينية الأصلاء ليست تصيداً أو تشفياً ولا سخرية من أحد، ولكنها دعوة صادقة من القلب لكل القلوب المحبة لتراب وشعب البحرين ولكل لجان التكريم للمبدعين، أن ترص قلوبها بجانب أياديها للاهتمام بعناوين الإبداع البحريني الأصيلة سواء من فقدنا منهم أو من هم مازالوا على قيد الحياة. لا نفاقاً لهم، ولا من أجل توزيع الابتسامات الصفراء أمام عدسات التلفزة والصحافة؛ بل من أجل أن نثبت أننا مازلنا بلد الحضارة والثقافة المدنية منذ دلمون حتى اليوم. وأن البحرين تستحق أن تكون «عاصمة الثقافة» بحق لأنها تكرم أبناءها المبدعين وإن غيبهم الثرى وإن كنا مازلنا نلعق جراحات ما جرى. لكن الراحلين المبدعين عن هذا التراب الطهور لهم علينا حقٌ في رقابنا لابد أن نوفيه يوماً، واليوم قريب منا جداً. فهل هناك من مجيب لدعوتنا البريئة مع دعوة منصور سرحان وغيره من المخلصين بالتأكيد لأحد رواد الثقافة المكتبية في هذا البلد قبل انقضاء المناسبة؟

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3533 - الأربعاء 09 مايو 2012م الموافق 18 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:09 ص

      هو قدرنا

      يجب أن نعترف إن تكريم المبدعين البحرينيين لا يكون في بلدهم ، هم دائما يكرمون في الخارج وينظر إلى أعمالهم وإبداعاتهم وما قدموا للبشرية بعين ثاقبة متزنة دون تمييز ودون النظر إلى ملته أو لونه أو معارضته .
      هذا هو قدرنا وقدر المبدعين البحرينيين وأنت واحد من رواد المسرح والفن يتم تجاهلك ، وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.

    • زائر 1 | 11:57 م

      *** مـــقـــال جـــمــيــــل

      *** كتاباتك دائمة موضوعية وتحاكي الواقع . والتكريم يعني الاحترام . فما بالك وما هو شعورك حين لا يكون لك ولغيرك خصوصا العاملين ومن بصماتهم واضحة خصوصا في العمل التطوعي لا ييحدون التقدير والتكريم والاحترام ؟؟
      وهذا طبعا سينعكس سلبا على الجيل القادم . فيا مسئولين في الوزارات والشركات والصناديق والاندية والجمعيات الاهلية الله الله في من خدموا .
      م . الــــــــــــــــــــــبــــــــــــــــــلادي

اقرأ ايضاً