ثمّة ركائز استراتيجية في المجال الاجتماعي وعلاقات الناس ببعضهم في المحيط الجغرافي الواحد يجدر التنبيه إليها والتركيز عليها باعتبارها مسائل جوهرية لا تقبل الجدل ولا يمكن التغافل عنها في أوساطنا الأهلية.
ومن تلك الأمور قضية السلم الأهلي ونقصد به تحقيق أقصى درجات الوئام والتفاهم والتعاون الاجتماعي (أفراداً ومؤسسات) ونبذ كل أنواع الفرقة والاتهامات والتصادمات الداخلية التي من شأنها شحن الناس على بعضهم البعض وخلق حالة من التوتر وانعدام الثقة بل رمي الطرف الذي لا يتفق معنا في الرأي أو التوجه بصفات وألقاب تثير الشحناء والكراهية بين أبناء المجتمع الواحد الذي يرتبط بأواصر النسب والقرابة والصداقة من جهة ويلتزم بالإسلام نهجاً في حياته من جهة أخرى وذلك بما يؤدي إلى تفكك المجتمع وضعفه وجعله لقمة سائغة للطامعين ولمن يتربصون بنا الدوائر ويتحينون الفرص للنيل منا. فضلاً عن الحيلولة دون تنمية المجتمع وتسكين الحالة الإيجابية فيه التي تبعث عن الراحة والرضا الفردية والجماعية.
إن علينا أن لا نكون سذجاً نأخذ أمرنا بجهل وعصبية وتسرع وتبسيط إصدار أحكام غير دقيقة وفي غير محلها وتنطوي علينا الحيل التي يبثها من لايرتضي الخير لنا بعناوين وواجهات براقة تنطلي علينا وتجعلنا في مواجهة مع اخوتنا وشركائنا في مجتمعنا الصغير الذي لا يتحمل مثل هذا التردي والتشرذم. والنصوص الإسلامية في هذا السياق مستفيضة لحد لايبقى معها غموض أو تعقيد لفهم واستيعاب مثل هذه الرؤى. إن عناوين التراحم والتغاضي عن الصواغر والتوافه والتنازل المعبّر عن القوة وحمل الآخرين على محمل الخير وتأصيل الحوار الداخلي الهادئ والمستمر والنامي لهي مقومات السلم الأهلي التي ينشدها الجميع.
ولا يتصور أحد أن النقد والمحاسبة لما قد يصدر من هفوات وزلات وأخطاء من هذا الطرف أوذاك محظوراً ولا يسمح به بل هي ضرورية لتماسك المجتمع خاصة إذا روعيت الأساليب الصحيحة في المعالجة وابتعدت عن أجواء الانفعالات والانفلاتات الشفوية والسلوكية غير المقصودة القائمة على أساس رد الفعل المستعجل. نحن مجتمع لا نخلو من مشكلات وقضايا تتفاوت في حجمها وتعقيدها ولكننا بسلمنا الأهلي وثقتنا بأنفسنا قادرون على مواجهة تلك الإشكاليات ومعالجتها وجعلها عنصر حفز وقوة وفرصة ثمينة تأصل فينا اللحمة الأخوية وتأخذ بأيدينا لكل سبل النهوض والعطاء والطموح لكل ما نسمو إليه حاضراً ومستقبلاً.
إننا لم نطرح ما ذكرناه سلفاً بنظرة طوبائية نابعة من خيال بعيد عن الواقع بل هي ترددات لتقاسيم الواقع الذي نعيشه جميعاً ونحلم بتجاوزه وتغييره وفي رحم مجتمعنا الكثير والكثير مما يبشرمن المواقف المضيئة بفجر جديد نحمل علاماته ونملك إمكانياته.
إننا ومن هذا المنطلق لا يمكن أن نتصور قيام كيان اجتماعي كبير وواعد تعقد عليه الآمال ونحن عاجزون عن تحقيق الحد المعقول من السلم الأهلي المأمول في مجتمع أقرب ما يكون إلى حالة تجانس قريبة جداً يسهل خلق الوئام والتضامن بين أفراده.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله منصور"العدد 3530 - الأحد 06 مايو 2012م الموافق 15 جمادى الآخرة 1433هـ