من منا لا يعرف قصة حرب داحس والغبراء. داحس والغبراء هي حرب من حروب الجاهلية وقعت في منطقة نجد بين قبيلتي بني عبس وذبيان وتعد هي وحرب البسوس من أطول الحروب التي عاشها وخاضها العرب في الجاهلية.
وداحس والغبراء هما اسما فرسين وقد كان «داحس» حصاناً لقيس بن زهير من قبيلة بني عبس، و «الغبراء» فرساً لحذيفة بن بدر بن ذبيان. كان سبب الحرب هو سلب قافلة حجاج للمناذرة تحت حماية الذبيانيين ما سبب غضب النعمان بن المنذر فأوعز لقيس بن الزهير بحماية القوافل من بني عبس مقابل عطايا وشروط اشترطها ابن زهير ووافق النعمان عليها ما سبب الغيرة لدى بني ذبيان، فخرج حذيفة مع مستشاره وأخيه حمل بن بدر وبعض من أتباعه لعبس لمقابلة ابن زهير وتصادف أن كان يوم سباق للفرس. اتفق قيس وحذيفة على رهان على حراسة قوافل النعمان لمن يسبق من الفرسين.
كانت المسافة كبيرة تستغرق عدة أيام تقطع خلالها شُعب صحراوية وغابات، أوعز حمل بن بدر من ذبيان لنفر من أتباعه أن يختبئوا في تلك الشعاب قائلاً لهم: إذا وجدتم داحس متقدماً على الغبراء في السباق فردوا وجهه كي تسبقه الغبراء فلما فعلوا تقدمت الغبراء. حينما تكشف الأمر بعد ذلك اشتعلت الحرب بين عبس وذبيان.
دامت تلك الحرب أربعين سنة واشتركت فيها الكثير من القبائل العربية بصف بني ذبيان مثل قبيلة طيء وهوازن التي كان لها ثأر لإغارة عبس عليهم لاعتقاد عبس أنهم سبب مقتل زعيمهم زهير ومن قبله ابنه شأس بن زهير، وهي الحرب التي أظهرت قدرات عنترة بن شداد القتالية، هذه الحادثة المؤلمة والغريبة يبدو لي أن هناك أعداداً كبيرة ممن هم في عمر الزهور سيقفون شهوداً على حروب عديدة بين أبناء الأمة العربية والقاسم المشترك بين حرب داحس والغبراء والحروب اللاحقة هو بين أبناء الوطن، هو العصبية والثأر وعدم تحكيم العقل لحل المسائل العالقة بصورة حضارية بل بالمدفع والبندقية.
ما يجري الآن من انتشار الأسلحة في يد الثوار في ليبيا وعدم انصياعهم للأوامر في تسليمها وإصرار الأخوان في مصر على محاكمة حسني مبارك وإنزال أقصى العقوبات وتحميله مسئولية سقوط مئات الشهداء والتجاذب القائم بين الجماهير والمحكمة هو شرعية حذف بعض المرشحين للرئاسة وأزمة تفاقم البطالة والكساد الاقتصادي وغيرها من القضايا المعقدة وتونس الثقافة والحرية، والصراع القائم بين النهضويين والإسلاميين من جهة والسلفيين من جهة أخرى والصراع الدموي بين الحكومة السورية وشريحة كبيرة من المعارضين.
هذه الأحداث المتتالية تنذر باستمرار حروب جديدة على نمط وشاكلة داحس والغبراء، ويبدو لي أننا أمة مكتوب عليها القهر وتعيش حتى النخاع للثأر والانتقام وتصفية الحسابات ولا ترضى بإحلال الكلمة بدلاً من البندقية.
فالموضوع لم يعد تغيير نظام سياسي بنظام جديد، بل الموضوع بات أكبر من ذلك بكثير، والدليل على ذلك التجاذبات والمناوشات والصراعات الدموية القائمة بعدما تعطلت لغة الحوار في معظم الدول العربية.
المشكلة التي نواجهها نحن معشر العرب هي أن لغة الحوار لا مكان لها بيننا، ومن لا يقول ذلك فهو مخطئ وإلا ماذا نسمي ما يجري بين قبائل اليمن وقبائل ليبيا والأحزاب السياسية في مصر وتونس وغيرها؟ جميعها تتحيز لرأيها وموقفها وترفض الحوار ولا تقبل بأنصاف الحلول وتفضل البندقية على الكلمة.
هناك انعدام العدالة الاجتماعية وتفاقم الفقر وبطء التنمية الاقتصادية واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء الذين عند خط الفقر. وكشف تقرير البنك الدولي مؤخراً أن معدل الفقر المدقع انخفض في المنطقة العربية وبات من يحقق ما فوق 1. 25 دولاراً لليوم الواحد، 9 ملايين شخص أي ما يعادل قرابة 2. 7 في المئة من عدد سكان العالم العربي وهذا في حد ذاته مؤشر جيد مقارنة بالرقم القديم وهو 15. 5 ولكن هذا ليس كافياً للخروج من الأزمات الملحة التي تحاصر الشباب العربي.
إذاً، الأجيال القادمة على موعد مع ثورات جديدة وحروب عديدة على نمط داحس والغبراء أو حرب البسوس.
إقرأ أيضا لـ "عمران الموسوي"العدد 3527 - الخميس 03 مايو 2012م الموافق 12 جمادى الآخرة 1433هـ
الفعل ورد الفعل ومن يرد القضاء؟
من المسلمات ثبات وثوابت القوانين الطبيعية. و من هذه القوانين، قانون نيوتن الثالث. فالثابت - المتغير الفعل ورد الفعل.
ومن المعروف أن الغضب انفعال وهو لاحق لما سبق ، و يصعب وجود رد فعل بلا فعل. والامثلة المشابهة كثيرة منها العصبية، وهي ناتج وليست سبب.
ففي الجاهلية تكشف العصبية عن غياب العلم والحلم والرشد المغيبان للعقل والناتج حروب.
فهل غياب العقل في الجاهلية عذر لغياب الحلم و الرشد؟
أم غياب العلم بعواقب الامور حجة للجاهلية على فعلها؟