العدد 3527 - الخميس 03 مايو 2012م الموافق 12 جمادى الآخرة 1433هـ

على هامش مؤتمر ثورة 25 يناير... بين ماضي الثورات العربية وحاضرها (3)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

ولعلها ملاحظة ذات أبعاد متعددة وهي تعبر عن إعجابي الشديد بالمؤتمر لما لمسته وشاهدته بنفسي رغم مشاركتي في الكثير من المؤتمرات الدولية، وهي ملاحظة ذات خمس شُعب:

الأولى تتعلق برئيس المؤتمر عادل غنيم، عالم التاريخ المعاصر والمتخصص في الدراسات الخاصة بإسرائيل، الذي كان قمة في التواضع والحياء والأدب والهدوء والانضباط الشديد في حضور جميع الجلسات من البداية حتى النهاية، وليس مثل رؤساء المؤتمرات الكثيرة أو مراكز الأبحاث الذين تعودنا عليهم بإظهار أنهم مشغولون، وأنهم شخصيات مهمة ونحو ذلك، ويقومون فقط بحضور مظهري بعض الجلسات أو جلسة الافتتاح كان غنيم أكثر شباباً وانضباطاً من أي من المشاركين من جيل الشباب وهو ذكرنا في هذا الصدد ببطرس بطرس غالي.

والثانية هي أن الجوانب الإدارية في أعمال المؤتمر، أي جانب الضيافة والاستراحات، كانت في حدها الأدنى لأن المؤتمر اعتمد على تمويل محدود، وليس مثل المؤتمرات التي تمول من قوى أجنبية حيث الأنفاق ببذخ، وحيث الأجندة ربما سقطت على المؤتمر من السماء، أو من واد بعيد. كان هذا المؤتمر وطنيا حقيقياً، في ضيافته، وفي أجندته، وفي مناقشاته، وهذا نموذج ينبغي على كل العاملين والباحثين الاقتداء به، وليس مثل مراكز أبحاث جامعية أو غير جامعية، حقوقية أو سياسية تعتمد على التمويل الأجنبي وتبحث قضايا أحياناً كثيرة لا تعبر عن أولويات المجتمع وهنا أود الإشادة بهذا المنهج للمؤتمر وأحييه أعظم تحية وأدعو من يلتحف مالياً بالقوى الأجنبية وأجنداتها السياسية أن يعيد النظر في موقفه، لقد كانت جمعياتنا الأهلية في الماضي تعتمد علي العمل التطوعي المجاني وعلى الموارد الذاتية المحدودة أما الآن فدكاكين الجمعيات الأهلية والحقوقية في بلادنا العربية لدى أصحابها ثروات وسيارات فاخرة وسفريات ومؤتمرات في الخارج وأنصار في الخارج أكثر من أنصارهم في أوطانهم.

وقد سبق أن أثرت ذلك أثناء عضويتي في المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر وكتبت في ذلك مقالات نشرت بالأهرام، وعاتبني بعض الأصدقاء من قادة تلك الجمعيات الحقوقية. والآن انكشف الستار بعد ثورات الربيع العربي وخاصة ما حدث من طرد بعض المنظمات الأجنبية والتمويل الأجنبي في مصر وفي الإمارات وغيرها من الدول العربية.

الثالثة: تتعلق بالدور الرائد والفاعل للجنة المنظمة للمؤتمر التي قامت بعملها خير قيام بتواضع وتجرد وهدوء وكفاءة عالية ولقد تكونت لجنة الإعداد للمؤتمر من ثلاثة أفراد هم: مجدي عبد الحافظ، وأحمد زكريا الشلق، وخلف عبدالعظيم الميري. ولقد كان كل واحد منهم قمة في التواضع والهدوء والتفاني في العمل. والشيء نفسه انطبق على الفريق الإداري المساعد من موظفي الجمعية برئاسة الأستاذ طاهر. هذا الهدوء والبساطة يستحقان الإعجاب والإشادة والاقتداء بها في مختلف المؤتمرات، ولعله درس لغيرهم ممن يعقدون مؤتمرات بضجيج لا مثيل لهم وعشرات المساعدين والمنظمين والتمويل الأجنبي أو حتى التمويل الوطني.

الرابعة: وهي البعد عن الإعلام والتظاهرات الإعلامية فلم يفتتح المؤتمر أي شخصية رسمية، ولم تنشر معظم وسائل الأعلام أخبار المؤتمر، وحقاً إنه كان مؤتمراً عالمياً بامتياز من أدناه إلى أقصاه، وفي جلساته، وفي المشاركين فيه وأبحاثه ومناقشاته.

الخامسة: بروز طابع الوفاء في المؤتمر بتكريم أساتذة التاريخ وهما: محمود إسماعيل ونيللي حنا، وهما أستاذان قديران، لم يكرمهما المجلس الأعلى للثقافة في العصر السابق، رغم مكانتهما، لأن جوائز المجلس كانت تسيطر عليها المواقف والتوجيهات السياسية بأكثر من البحث الحقيقي عمن يستحقها.

وأنا شخصياً أصابني بعض الشيء من هذا التجاهل، رغم أنني أصدرت أكثر من 20 كتاباً عن سياسة مصر الخارجية أثناء عملي الدبلوماسي، وعشرين آخرين بعد تفرغي الكامل للبحث العلمي، ورغم أن الموسوعة الدولية لأهم الشخصيات التي تصدر في بريطانيا، تحدثت عني إلا أن المجلس الأعلى للثقافة لم يسمع عن أمثالي، ولم أكترث بالأمر، وفي هذا المؤتمر شعرت بالسلوى، لأن المجلس الاعلى للثقافة في مصر لم يسمع عن شخصيات مثقفة وأكاديمية ذات مكانة كبيرة مثل محمود إسماعيل ونيللي حنا، وهما وغيرهما كثيرون يعيشون على أرض الكنانة وليسوا طيوراً مهاجرة.

أما لمسة الوفاء الثانية فكانت بالوقوف على ذكرى المؤرخ الراحل رؤوف عباس وأيضاً مؤرخين آخرين من المسلمين والأقباط على حد سواء، وهذه هي الوطنية الحقة التي يتربى عليها أجيال من العلماء والمؤرخين والباحثين بعيداً عن الرسميات والتطلع للتكريم أو للمناصب، إذ يشعر الباحثون الشباب بفضل أساتذتهم عليهم، ويعبرون عن ذلك عندما يرحل هؤلاء العظماء وما أكثر العلماء والعظماء في أرض الكنانة، ولكن لا يستفاد من معظمهم، حتى أنه عندما رحل عالم مصري مشهور هو المؤرخ والجغرافي صاحب موسوعة عبقرية مصر جمال حمدان لم يشعر به الكثيرون خاصة من المسئولين، ولا يتذكره كثيرون، سوى طلابه ومحبوه الباحثون عن العلم والمعرفة والتحليل العلمي، والمساهمة الإبداعية، بهدف إثراء العلم، وليس الشهرة أو الثروة أو المنصب. وحقاً قال النبي محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم «منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال» ونتيجة تجاهل العلماء أجدبت جامعاتنا ومراكز أبحاثنا وتحولت إلى كتاتيب وبؤر للدعاية الرسمية.

ولقد سعدت بإشارة أحد المتحدثين عن روح مصر الحقيقة عندما اقتبس من أحد أبرز قادة حزب الوفد وهو مكرم عبيد حيث قال «أنا مسيحي الدين مسلم الوطن» وكان مكرم عبيد، رحمه الله، يحفظ القرآن الكريم باعتباره مرجعاً للغة العربية والثقافة العربية والإسلامية، وهما اللذان يشكلان الهوية العربية، ولذلك تراجعت الهوية العربية في عصرنا الحاضر عندما تراجع حفظنا وفهمنا للغة العربية وللقرآن الكريم، كما ورد في وصف حالتنا هذه قوله تعالى «الذين جعلوا القرآن عضين».

وختاماً تلك ملاحظات سريعة من واقع معايشتي لمؤتمر علمي رأيت تسجليها والإشادة بها إحقاقاً للحق والحقيقة، واعترافاً بقيمة مؤتمر علمي حقيقي لعل كثيرين يقتدون به ويستفيدون من دروسه وعبره.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3527 - الخميس 03 مايو 2012م الموافق 12 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً