العدد 3493 - الجمعة 30 مارس 2012م الموافق 08 جمادى الأولى 1433هـ

أيها الكذابون... أوَلكم عيد؟!

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يعرفان بعضهما جيداً فيما يفعلان ويقولان دائماً كما يعرفهما القاصي والداني في الديرة. خرجا ذات مرة إلى البر بعيداً عن الناس، وفي الطريق صعدا إلى أعلى جبل الدخان، فأراد احدهما أن يستخف بصاحبه فنظر إلى تلة بعيدة من الجبل وقال لصاحبه: انظر إلى تلك النملة في التلة المقابلة لنا! إنها تضحك! فنظر إليه صاحبه باستغراب وردّ عليه: أيهما ذات العيون الزرقاء أم ذات العيون الخضراء؟ ثم نزلا من هناك وواصلا الطريق.

وبينما هما يقتربان من منطقة الصخير، قال أحدهما للآخر: أتعرف، لقد اصطاد أبي عندما كنت صغيراً طائراً كبيراً جداً بحيث بقينا يومين حتى نتفنا ريشه وكانت المسافة بين طرفي جناحه أكثر من 500 متر. فقال صاحبه هذا يا الأخو طائر كبير جداً، لقد ذكرتني بالقدر التي كانت عندنا فقد كان جميع أفراد عشيرتنا نشترك في غسلها بل وننتقل داخلها بالسيارة! ولأنها كانت قوية، قال الأول: لا يمكن أن تكون هناك قدر كهذه، فقال الثاني: عجيب، إذن أين يمكن أن تطهون طائركم؟

فهل قابلتم بعض هؤلاء الناس من حولكم أحياناً؟ وهل ارتسم سؤال كبير أمامكم: ما هو الفرق بين الكذاب والكاذب؟ وبالتالي، هل نعلم بأن الكذب في اللغة: هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه سواءً كان متعمداً أم مخطئاً. وبتفصيل أكثر: هناك نوعان من الناس لا يقول الحقيقة معظم الأحيان. أولهما: «الكاذب»، وهو الفرد، ذكراً كان أم أنثى، الذي يكذب مرة لمصلحة ما؛ فيسمى كاذباً. وثانيهما: «الكذاب»، وهو الفرد، ذكراً كان أم أنثى، الذي يمارس الكذب بشكل متواصل وبكثرة، إلى أن يصل لدرجة يصبح الكذب طبعاً له ويتشبع به حتى الثمالة. فلا يُقبل منه شيء، حتى لو قال صدقاً بعدها. وهذا النوع من أخطر بني البشر على مر الدهور، فالمطبوع على الكذب، أي الذي أضحى الكذب له طبعاً وصار مثل (بوطبيع) ما يجوز عن طبعه وقام بتسلّق حبل الكذب والتعلق الدائم به مهنة وربحاً مغرياً؛ لهو أخطر الأفراد على تجانس وتماسك المجتمع لأنه مثل «السوسة». فالوصول إلى مرحلة الطبع في الكذب الصريح، يأتي من تكرار هذا العمل السيئ إلى درجة تجعل الإنسان يفقد حتى قُبحه. فإن قيل له: يا فلان أنت كذاب؛ فإنه يضحك وكأن هذه الصفة صفة غير قبيحة. وانظر حولك أو على شاشة التلفاز أمامك يومياً لترى أمثال هؤلاء حيث كثروا هذه الأيام في سوق الكذابين. بينما المؤمن الحق يغضب إذا وصفته بهذه الصفة، ويعتبرها تهمةً وافتراءً ليس من طبعه. وليس هناك أصدق مما قاله الإمام الصادق (ع) في هذا المجال: «من أصغى إلى ناطقٍ فقد عبدهُ، فإن كان الناطق عن الله فقد عَبَد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عَبَد إبليس». وما أكثر عبدة إبليس في دنيا المسلمين بلا أسف، فتراهم في مواضع عديدة من المؤسسات العامة والخاصة، وهم الذين من المفترض أن تُرد رواياتهم عما حدث للناس في زمن العتمة، لأنهم كالخفافيش لا يرون في العتمة سوى الفرائس فقط فينقضون عليها.

فـ «الكذاب» مفضوح أمامنا ويُعرف بالاسم علناً لكثرة كذبه الصريح؛ ومع ذلك يوجد من يصدقه، لأنه كذابٌ أشر مثله، أو فاقد البصيرة وإن كان مبصراً فهو كالأهبل لا يدري نهاره من ليله. ولذا فكما للكاذبين عيدٌ عند أهل الغرب وهو الأول من أبريل كعادتهم كل عام؛ فلا نستبعد أن يقوم البعض، مشاركةً في كذب الغرب، بتقديم «اقتراح برغوة» لتخصيص يوم عيد لـ «الكذابين» عندنا، لكثرة ما فاضت بهم الطُرقات والأوراق الصفراء والألسن العوجاء، وهم الأخطر والمتمرس على الكذب طوال العام وليس في الأول من أبريل فقط.

مع العلم بأنه من المشهور بين العلماء، أن الكذاب المتمرس بفعل الكذب لا تُقبل توبته، وإن ندم كما يُذكر، لأن فعله الشنيع الذي ارتكبه في الماضي يستدعي أن يرفض كلامه في المستقبل مهما أظهر من الندامة والتوبة، وذلك حتى لا يجرؤ أحد بعده أن يرتكب مثل هذا. لأنه ببساطة، من كانت هذه سيرته في افتعال الكذب والافتراء على الناس من حوله وهم أهل محلته ووطنه؛ فلا يؤمن عليه أن يكذب حتى على رسول الله (ص) إذا دعته مصلحته الدنيوية لفعل ذلك، فكيف لا يكذب على التاريخ الصحيح ويمزق وثائقه الدامغة قبل أن تدينه.

وكما جاء في أحاديث عديدة للرسول الكريم (ص): «تحرّوا الصدق وإن رأيتم أن فيه الهلكة فإن فيه النجاة، واجتنبوا الكذب وإن رأيتم أن فيه النجاة فإن فيه الهلكة»، وقال: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ومازال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً. وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى عن الكذب حتى يكتب عند الله كذابا».

فليت بعض قومي من نوع (بوطبيع) يقرأون مثل هذه الأقوال لرسولنا العظيم الذي مازال يرشدهم حتى الساعة لطريق الصواب والإصلاح والحكمة، بينما هم مازالوا حتى الساعة، مستمتعين بالكذب وهم في طغيانهم يعمهون.

أليس هو واقع الحال ببعض الفئات في واقعنا المعاش؟ ألم تعد حياتهم زوبعة من الأكاذيب والأضاليل ضد خلق الله بلا دليل سوى قال وقيل، وسمعت وأعرف، وسر وأسرار، وكلها في النهاية تُرهات وهذيان في الوقت الضائع. أما في الصورة الأخرى المشرقة والحقيقية بلا كذب وكذابين، نرى التاريخ يكتب نفسه بنفسه على الأرض غير عابئ بهؤلاء «الكذابين» الذين كانوا كاللذين مرّا على جبل الدخان وكذبا كذبتهما وصدّقاها، والجبل لم يحفل بهما ولا بأكاذيبهما.

فيا أيها الكذابون، لا تظنوا أن الله يمهلكم لأنكم أفضل وأحسن الناس، أو أن الدنيا لكم، كلا بل «وعد اللهُ الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليُمكِنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليُبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون» (النور: 55).

فيا أيها الكذابون.. لقد نصبتم للكذب مسرحاً، وقدّمتم أسوأ ما في جعبتكم، وعلكتم ذات الكذبة اجترارا، وتجرأتم على الله علناً. فلم يعد بعد اليوم إلا أن نرفع لافتةً واحدةً كتب عليها: «أنقذونا من الكذب ولو بشق صدق».

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3493 - الجمعة 30 مارس 2012م الموافق 08 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 4:22 م

      مقال جميل وينطبق على كثير من حولنا

      ولكن يا اخى العزيز لمادا الأسف لآ تئسف لأن كثرت دكاكين الدجل والكدب اولأهم ائمت المساجد هنا نقطه الأنطلأق وبدون استثناء كل خطبه جمعه تعال واستمع الى اقوالهم ستتعجب من افاعلهم الدنيئه

    • زائر 9 | 7:34 ص

      المشكلة فينا....

      لا زلنا نصدق الكذابين..... وننخدع بهم.

      من شهور يقولون للمفصولين بترجعون ويخلفونه.

      كنا نضحك من الذي يكذب ويصدق كذبته.... اليوم نحن المفصولين ننتظر من يواصل كذبته حتى نرتخي وننتشي.

      رجاءاً واصلوا كذبكم حتى نقتنع جميعاً بأن طريق الرجوع لن يمر من أبوابكم المصدودة دون دفع قوي يكسرها.

    • زائر 8 | 6:54 ص

      الكذابون وما اكثرهم في يومنا

      ياللأسف ، ما عرفنا اشكال الكذابين الحقيقية إلا في ازمتنا هذه ، أصبح كل من يكذب و يفتري مستلماً لمنبر أي كان نوعه ، اصبح تمكين هؤلاء ضرورة وطنية و حاجة امنية ، و ما لهم من عمل في دنياهم هذه إلا العمل على التفرقة بين الناس بفيرهم ،و الله المستعان.

    • زائر 7 | 4:48 ص

      الكذب والكذابين

      من عجائب الدنيا في محيطنا اليوم ان يصبح الكذب هو القاعدة والكذابين هم الاشراف ولا عجب في ذلك طالما هناك هبل تصدق دون أدنى تفكير بينما ديننا الحنيف يحثنا على التفكر والتدبر وعدم تصديق الغث من القول ولكن اين الاسلام من قوم باعوا ضمائرهم وقلوبهم والغوا عقولهم امام حفنة من المزايا الدنيوية (يحسبونه بعيداً ونراه قريباً)

    • زائر 5 | 3:34 ص

      حولك

      صدقت .. فقط انظر حواليك

    • زائر 1 | 1:16 ص

      مقال في القمين

      مقال رائع يا اخي هناك من يكذب وكذبه في حدوده لا يتجاوز محيطه وان كان هذا خطا فهو لا يوقى الى تلك الاشخاص الكذابون وهم كثر في زماننا واقصد بهم السراق الكذابين المتلبسين بلباس الدين والعلم الكاذبين على الله ورسوله فهؤلاء الكذابون خطر على الاسلام والمجتمع\\\\r\\\\n حيث هناك من يصدقهم بجهل واقصد الجهلة الممسوحين

اقرأ ايضاً